ليس مفهوماً تماماً لماذا يتنافس السياسيون (والعسكريون) في لبنان على رئاسة الجمهورية. ففي بلد منهار عملياً ليست مهمة الرئيس ترفاً. وفي الواقع يمكن أن يكون هذا التنافس عائداً إلى ثلاثة دوافع: الرغبة الحقيقية في الخدمة العامة حتى التفاني والاحتراق، تحقيق رغبة دفينة في التسيّد والعلوّ الاجتماعي والسياسي، الطموح إلى تحقيق مصالح اقتصادية شخصية وللجماعة الحاضنة. وقد يجتمع دافعان من هذه الدوافع وربما الثلاثة معاً.
لبنان بلد معقد جداً في تركيبته الداخلية وفي هويته وفي صلاته بمحيطه وبالعالم وفي تعدده الطائفي والثقافي وفي شخصية إنسانه. مجتمع في غاية الانفتاح وفي الوقت ذاته في منتهى الانغلاق، متحرر إلى أقصى الحدود وفي الوقت نفسه طائفي متعصب إلى حدود التحجر. شعب يتغنى بالحرية ويلغي الآخر، يؤمن بالديموقراطية وينتخب كالقطيع، يؤمن بالقيم الدينية والأخلاقية، لكن قسماً معتبراً منه يسرق ويرشو ويرتشي ويحلّل الحرام ويحرّم الحلال. يسأل عن الدولة ويطالب بها لكنه يعصاها ويعتدي على مؤسساتها. يطالب بالأمن لكنه يعتدي على رجاله ويمنعهم من أداء مهماتهم. يطالب بالقانون ويخرقه في آن واحد...
يأتي الرئيس الجديد ليحكم هذا الشعب (الأدق ليشارك في حكم هذا الشعب في نظام هجين كانت نتيجته منذ 1990حكماً بثلاثة رؤوس تمثل الطوائف الثلاث الكبرى سمي في مرحلة التسعينيات بحكم الترويكا). ولعل من المبالغة وسوء التقدير والجهل حتى، المراهنة على رجل واحد لإنقاذ البلد الذي تحكمه التسويات الداخلية والخارجية والأيدي الخفية.
تواجه الرئيس الجديد تحديات هائلة ومهمات صعبة، وهو يعرفها بالتأكيد، تبدأ بالاقتصاد والمال والقوانين والأمن والصحة والتعليم والطاقة والبيئة والعلاقات الخارجية وإعادة الإعمار وترتيب الوضع السياسي الداخلي. 
الجميع متفق على أن كل هذه الملفات بحاجة إلى معالجة جذرية، وكل ملف منها يحمل تعقيدات تحتاج فكفكتها إلى توافقات وإمكانات مادية وتنازلات وتفاهمات وبنى تحتية، والأهم إلى كثير من المال والقناعات والتنازلات... والأفكار والاستقلالية عن التأثيرات الخارجية الكثيرة والمتناقضة والمتشعبة. ولن يملك الرئيس عصاً سحرية وحده. 
يبدو من العجلة وسوء الرؤية اعتبار أن وحده انتخاب الرئيس سينقذ لبنان ويخرجه من الهوة التي أسقط فيها. كان هناك رؤساء، وكانوا يعتبرون أنفسهم أقوياء، وغرق لبنان في عهودهم إلى مهاوي الإفلاس والفرقة والتناحر الداخلي. 
سيكون على الرئيس الذي سينتخب بضغوط خارجية فرضت توافقات داخلية بين  أطراف غير متوافقين فرض رؤية متوازنة ومقبولة وقوية على المشهد السياسي الداخلي يكون الحزم والنزاهة والحياد سماتها الرئيسية كي لا تتكرر تجربة الرئيس إميل لحود الذي جاء بشعار قطع الأيدي (الفاسدة) وانتهى عهده الممدد إلى كارثة، أو عهد الرئيس "القوي" ميشال عون الذي انتهى عهده بكارثة أخرى، وما بينهما عهد ميشال سليمان "التوافقي" الذي عجز أيضاً عن إنهاء عهده بانتخاب رئيس جديد بعدما بلغ الانقسام الداخلي مداه.
 ربما تكون التطورات الأخيرة عاملاً مساعداً للرئيس الجديد، فهو سيحل في قصر بعبدا متخففاً من بعض ثقل وطأة سلاح "حزب الله" الذي كان نقطة خلاف حادة بين اللبنانيين عرقلت الكثير من أدوات الحكم ومؤسساته، وكذلك من خروج النظام السوري من دائرة الضغط ومعه إلى حد كبير النظام الايراني، لكن عليه مواجهة الضغط الإسرائيلي بأشكاله المتعددة وكذلك انعكاس تباينات الدول الراعية على قراراته.
لن يعرف الرئيس جيداً قبل أن يجلس على الكرسي ويبدأ خطواته الأولى، القرار في موقع الرئاسة غيره في أي موقع آخر. المواقع تكشف الأشخاص، والممارسات تفصح عن إمكاناتهم وعن نواياهم.
الرئيس في لبنان ليس حاكماً بالمعنى الكامل، هو شريك أول في الحكم بما يملكه من صلاحيات، لا سيما صلاحيات الرفض والتعطيل، ونجاحه يعتمد على ثلاثية ذهبية: الهيبة والنزاهة والفكر. عسى أن يكون الرئيس الذي سينتخب اليوم أو غداً متمتعاً بها. 
يمكن للرئيس الجديد أن يبرم صفقات مع الأطراف السياسيين وأن يدير الأزمات العديدة التي تعانيها البلاد، لكن لبنان بحاجة إلى رئيس أكبر من ذلك، رئيس يعيد بناء الإنسان والمجتمع، ويكون ذلك أولاً بالتعليم مع ما يتطلبه ذلك من ثورة قانونية وعقلية وتربوية، كما فعل باني سنغافورة الحديثة لي كوان يو الذي حول مستنقعات قاحلة إلى بلد يحمل أبناؤه أقوى جواز سفر في العالم.