الأمير أندرو... مُذنب أم ضحية قوة لا تُقهر؟
الامير أندرو
Smaller Bigger


بالأمس كان الأمير أندرو (64 عاماً) ابن الملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية المفضّل، بطلاً، واليوم هو متهم بتسهيل مهمّة جاسوس صيني مزعوم! وبعد نحو عقدين من الزمن في محاولة "ترشيد" علاقة وسائل الإعلام بالقصر الملكي، ها هو شقيق الملك تشارلز الثالث يسجل هدفاً جديداً في مرماه، يثير الآن شهوة الصحف الصفراء للفبركة وتضخيم الأخبار ذات الصلة بالعائلة المالكة. فقد كُشف الأسبوع الماضي، أنه اتخذ "جاسوساً" صينياً سُمّي "إتش 6" واحداً من أصحابه الخُلّص منذ سنوات، ودعاه لحضور حفلة عيد ميلاده في 2020، كما استضافه في قصر باكنغهام وقلعة وندسور الملكيين!  
بدأ الأمير المدلل، حياته العملية بداية مختلفة. فقد أبلى بلاءً حسناً في حرب الفوكلاند في 1982، ورُويت القصص عن شجاعته وكفاءته فيها. واستقطب الكثير من الاهتمام حينذاك نظراً إلى إصرار والدته على مشاركته في الحرب، فيما حبست حكومة مارغريت تاتشر والبلاد كلها أنفاسها خوفاً من أن يلقى مصرعه في الميدان. 
وفي غضون عشر سنوات، انفصل الطيار في سلاح البحرية الملكي، عن ساره فيرغسون بعد زواج دام 6 سنوات أنجبت له خلالها ابنتين. وأخذ يواجه المشكلة إثر الأخرى بسبب علاقتهما، ما أحرجه وأزعج القصر.
 ثم كانت الطامة الكبرى اتهامه بمعاشرة قاصر قبل 23 عاماً كان قد التقاها عن طريق صديقه الملياردير الأميركي جيفري إبستين الذي تمّت إدانته بالاتجار بقاصرات والاعتداء الجنسي عليهن. وبعد أخذ وردّ طويلين ووصول القضية إلى المحاكم، دفع عشرات ملايين الدولارات لصاحبة الدعوى في 2022 من أجل إلغائها. لكن التسوية كلّفته أيضاً معظم رتبه وألقابه ومهمّاته الفخرية التي جرّدته منها والدته في 2019. 
ولا يزال الملك تشارلز الثالث ينأى بنفسه عن شقيقه. وقيل إنه حرمه أخيراً من المنحة السنوية التي كان يتقاضاها من القصر بقيمة 1.3 مليون جنيه إسترليني.  ولم يبقَ لأندرو من دخله السابق سوى راتبه التقاعدي من سلاح البحرية، ويبلغ 20 ألف جنيه سنوياً. ولو كانت علاقته بالجاسوس قد بدأت هذا العام، لقال بعضهم إن الربح المنتظر من صفقات تجارية أراد إبرامها عن طريق "إتش 6" قد أعمت عينيه عن حقيقة هذا العميل. إلّا أنه التقاه قبل أكثر من 7 سنوات.
التجسس الصيني المفترض ضدّ بريطانيا صار موضع اهتمام رسمي وإعلامي منذ سنوات، شأنه شأن التجسس الروسي الأقدم والأكثر خطورة، على حدّ قول المصادر الرسمية البريطانية. لكن لماذا تعامل الصين المملكة المتحدة هكذا؟ 
الأسباب كثيرة والدوافع أكثر. وفي مقدمتها مصالح الصين الاقتصادية وتنافسها مع دول كبرى، فضلاً عن رغبتها التي لا تقاوم بالتحول إلى قوة عظمى اقتصادياً وتكنولوجياً على مستوى العالم، بحسب تقرير للجنة الاستخبارات والأمن البرلمانية وضعته في 2023. في هذا السياق، تنظر إلى المملكة المتحدة وكأنها جزء من أميركا، منافستها الأكبر، أو الولاية الـ 51. 
من ناحية أخرى، قد تكون بعض النشاطات المنسوبة إليها عبارة عن أعمال انتقامية ضدّ بريطانيا. ولم يمضِ سوى 6 أشهر على آخر المواجهات في هذا المجال، إذ وجّهت الصين اتهامات رسمية إلى زوجين في أيار (مايو) الماضي بالتجسس لمصلحة بريطانيا. وادّعت أن جهاز الاستخبارات الخارجية (إم آي 6) قد جنّدهما حين كان الزوج يدرس في 2015 في المملكة المتحدة. وإذ نفت لندن الاتهامات جملةً وتفصيلاً، فهي وبكين تراشقتا الاتهامات ذاتها واعتقلت كل منهما "جواسيس" مزعومين مرّات عدة في العامين الأخيرين. 
والحقيقة أن ثمة حوادث مشابهة في دول أخرى تؤكّد أن بكين منهمكة فعلاً في أعمال تجسسية. كانت هناك اعتقالات في سويسرا. غير أن التطور الأهم كان الزجّ بمواطنين ألمان بشبهة العمل لمصلحة الصين، بينهم أحد مساعدي ماكسميليان كراه الرئيس السابق لكتلة حزب "البديل" الألماني المتطرف في البرلمان الأوروبي.
ويسلّط التقرير البرلماني الآنف الذكر الضوء على مساعي الصين لجمع معلومات عن النخب البريطانية وصنّاع القرار ومحاولاتها التأثير عليهم. ويفيد بأنها تعمل للحصول على أسرار صناعية وتكنولوجية وحقوق الملكية الفكرية لاختراعات وصناعات شتى، بطرق علنية وسرّية، في سبيل تعزيز تفوقها العالمي المنشود. وهي تحرص على مراقبة المغتربين الصينين ونشاطاتهم السياسية، لاسيما أولئك الذين ينتمون إلى الأقليات، مثل الأيغور. 
وآلة التجسس الصينية معقّدة متشعبة تعمل على مستويات عدة، ولها حجم يتناسب مع مساحة البلاد وإمكاناتها التي تكاد تكون بلا حدود. ويعترف المتخصصون في دراسة التجسس وفنونه الحديثة، بأن الطاقات الصينية في هذه الميادين لا تُجارى من حيث الاتساع وتنوع الأدوات. ويقول تقرير اللجنة البرلمانية إن الصين تجنّد أياً كان في البلاد من أفراد ومؤسسات عند اللزوم، لمساعدة الأذرع التجسسية الثلاث أو "الأسلحة السرية" بحسب الاسم الذي أطلقه عليها الزعيم الأسبق ماوتسي تونغ: الحزب الشيوعي الحاكم، وجيش التحرير الشعبي إضافة إلى "وزارة عمل الجبهة المتحدة". وهذه الأخيرة ذات النفوذ الكبير، معنية بالتقرّب من الأشخاص المهمّين وتقديم الرشى لهم وإغوائهم بطريقة أو أخرى للتعاون معها. والخطير في قصة الجاسوس المفترض "إتش6" أنه على صلة بهذه الوزارة.
لا شك في أن الأمير ارتكب غلطة كبيرة لعلها بألف غلطة، فهو لا يفتقر إلى الذكاء والخبرة. لكنه خسر أمام جهاز تجسسي لعله الأول في العالم. فهل ينبغي أن يخسر رصيده كله من النجاحات العسكرية، والاقتصادية التي حقق الكثير منها في الصين وخارجها خلال أدائه وظيفته المهمّة كمبعوث بريطاني خاص للتجارة والاستثمار الدوليين بين 2001 و 2011؟
 يبدو أن الجاسوس الذي لم يُكشف عن اسمه لم يُلحق الأذى بالمصالح البريطانية. وربما كان من المنصف التعامل مع الأمير كضحية ساذجة أو متسرعة لأجهزة تجسس جبارة بدلاً من استهدافه بضراوة وكأنه "جزار"!

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان