آراء 06-12-2024 | 02:45

الجولاني بين براغماتيّة التنظيم ونفعيّة السياسة

التاريخ التنظيمي لأبي محمد الجولاني، يبرز برغماتيته وإيمانه بمآلاته الخاصة، في ظل انفصاله عن تنظيمي "القاعدة"، و"داعش"، وتفرده بقيادة "هيئة تحرير الشام"، ومحاولته في تقلد الرمزية الروحية والزعامة المكانية
الجولاني بين براغماتيّة التنظيم ونفعيّة السياسة
يسعى الجولاني لتحويل "هيئة تحرير الشام" إلى قوة مسلحة متماسكة (أ ف ب)
Smaller Bigger

أشعلت الجماعات الأصولية المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، آلة الحرب في الشمال السوري، من خلال عملية "ردع العدوان"، للسيطرة على مدينتَي  حلب، وحماة الاستراتيجيّتَين، بالتزامن مع وقف إطلاق النار في لبنان، في مشاهد أقرب إلى وقائع سقوط كابول في أيدي حركة "طالبان".


 تحركات الجماعات الأصولية المفاجئة في الشمال السوري، واكبت تفريغ الساحة الداخلية من الفصائل الإيرانية، والمجموعات الروسية، فضلاً عن تراجع ميليشيات "حزب الله"، ما منحها فرصة اقتناص تمدّدها الجغرافي والسياسي، وتوجيه "ضربة استباقية" في هجوم يُعدّ الأعنف منذ عام 2011، على أيدي قوات "العصائب الحمراء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام".


تصعيد الأطراف الفاعلة في العمق السوري، مشمول بمجموعة من الأهداف المرحلية التي تندرج بين تقليم أظافر الحكومة السورية، وفكّ ارتباطها مع روسيا والنظام الإيراني، وإضعاف فرص الوجود الإيراني، وتمكين الميليشيات الأصولية الحاكمة على غرار النظام الطالباني في أفغانستان، واستكمال مشروع التقسيم الداخلي والحرب الأهلية، فضلاً عن استمرار أنقرة في توسيع نفوذها السياسي والثقافي والعسكري في المدن المتاخمة لحدودها الجنوبية،  وفق "استراتيجية التتريك" بهدف طمس هويتها ومعالمها التاريخية. 


التمعّن في المكوّن الفكري والتنظيمي والسياسي لـ"هيئة تحرير الشام"(جبهة النصرة سابقاً)، يكشف حقيقة دورها الوظيفي في الداخل السوري على مدار السنوات الأخيرة، في ظلّ التحولات الظاهرية لزعيمها أبو محمد الجولاني، فضلاً عن تلقّيها تدريبات على أيدي عناصر أجنبية في شرق آسيا، وتدعيمها بالطائرات المسيّرة الانتحارية التي استخدمتها لأوّل مرّة في أعمال عسكرية هجومية.  
تحوّلات الجولاني بين الإطار الفكري والتوجه السياسي، تحمل في طياتها العديد من علامات الاستفهام، لا سيّما في ظل دعوته الأخيرة بحل "هيئة تحرير الشام"، وتغيير نمط خطابها الإعلامي والتشريعي، وإلغاء الشرطة الدينية (هيئة الحسبة)، وكذلك استبدل زيه التقليدي بالملابس العصرية الحديثة، فضلاً عن تقديم مشروعه في وضعية الدفاع عن الأقليات في مناطق سيطرته في إدلب، وريف حلب الغربي، وريف اللاذقية، وسهل الغاب، من خلال السماح بإعادة افتتاح كنيسة "القديسة أنّا" في قرية اليعقوبية، والتقائه بوجهاء الطائفة الدرزية. 


التاريخ التنظيمي لأبو محمد الجولاني، يبرز براغماتيته وإيمانه بمآلاته الخاصة، في ظلّ انفصاله عن تنظيمي "القاعدة"، و"داعش"، وتفرّده بقيادة "هيئة تحرير الشام"، ومحاولته في تقلّد الرمزية الروحية والزعامة المكانية، لا سيّما أنّه تربّى في كنف أبو مصعب الزرقاوي، وعدم إيمانه بالديموقراطية الليبرالية، أو حتمية السيادة الشعبية في الحكم، وتأثّره باستراتيجيات القتل والعنف، ما يبلور صعوبة تخلّيه أو انخلاعه عن أدبياته الفكرية، من أجل "المشروع السياسي الوطني".


في إطار التغييرات التي يجريها الجولاني على "هيئة تحرير الشام"، يسعى لتحويلها إلى قوة مسلحة متماسكة تعمل على إعادة تشكيل مستوياتها العسكرية والأمنية والاجتماعية، وليس ككيان تنظيميّ تغلّفه التوجّهات الفكرية، سعياً في اعتمادها ضمن مفردات "النظام السياسي" في حال سيطرته الجغرافية، وفقاً لتقرير مركز أبحاث "مجموعة الأزمات الدولية".


 نزوح الجولاني نحو المشروع السياسي المغلف بـ"الإطار الوطني" رغبة في الاستمرارية والبقاء، من خلال تدشين ما يعرف بـ"حكومة الإنقاذ"، يتماهى مع الصعود الطالباني الأفغاني سياسياً، ويتوافق كذلك مع الأجندة الغربية، التي تجيد صناعة وكلائها وفق مشروع "الميليشيات الحاكمة"، في مقابل السقوط المدوّي للمشروع القاعدي والداعشي في المنطقة العربية.
تصنيف أنقرة لـ"هيئة تحرير الشام"، كمنظمة إرهابية، لا يخرجها من دائرة الصراع أو التنصّل من الوضع المشتعل حالياً، ولا يمنع كذلك التطبيع الأمني والاستخباراتي بينهما، فضلاً عن التنسيق الميداني، في ظلّ المطامع السياسية للنظام التركي، وسعيه لفرض رؤيته ومطالبه على الحكومة السورية.


رغم الاتهامات الموجهة لأنقرة بالتخطيط، والمشاركة في الهجوم على حلب، ودعمها للفصائل الأصولية المسلحة في الشمال السوري، فإن وزير خارجيتها ومدير مخابراتها السابق، هاكان فيدان، ألقى بالكرة في ملعب الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرها -على حدّ قوله- شريان الحياة للجماعات الإرهابية في المنطقة العربية، معتبراً أنّ بلاده غير منخرطة نهائياً في الصراع الراهن، وأنّ هذه الجماعات لن يكتب لها البقاء ثلاثة أيام إذا تراجعت واشنطن عن دعمها.


التحوّل الفكري والسياسي في بنيوية الجماعات الأصولية المسلحة، يمثل تطبيقاً عملياً لاستراتيجية "الميليشيات الحاكمة"، التي تعتمدها الإدارة الأميركيّة، في إعادة تموضع هذه الجماعات ومنحها "الشرعية السياسية"، في ظلّ عدم ممانعتها من الجلوس على مائدة التفاوض للوصول إلى اتفاق سياسي يضمن لها التربّع على قمّة المشهد الرئاسي، وتفريغ الساحة لها من منافسيها، أو اقتسامها في ما بينهم، كونها جماعات وظيفية في النهاية.
 
  

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".