المقدّم شريف فيّاض في الجيش اللبناني

آراء 21-10-2025 | 04:15

المقدّم شريف فيّاض في الجيش اللبناني

إن غاب المقدم شريف فياض عنا منذ سنوات، فإن ذكراه باقية مع شمائل خصاله الإنسانية والعسكرية، زرع في تلامذته ومرؤوسيه المواطنية الصادقة، وكانت سنوات خدمته في الجيش اللبناني ناصعة حافلة بإنجازات وأوسمة وشهادات تقدير من الرؤساء، كما من المرؤوسين الذين عاصروا خدمته العسكرية.
المقدّم شريف فيّاض في الجيش اللبناني
المقدم شريف فياض ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط
Smaller Bigger

العميد المتقاعد أنور يحيى*

 

 

التحق التلميذ الضابط شريف سليمان فياض، المولود في بشتفين 1937، بالمدرسة الحربية أواخر صيف 1958 مع نهاية حوادث تلك السنة الأليمة ما بين المعارضة التي سقط أركانها في انتخابات 1957، وبين الحكم اللبناني برئاسة كميل شمعون وما رافقها من أحداث.

مع تولي اللواء فؤاد شهاب مقاليد الرئاسة اللبنانية، استقامت الإدارة بتوازن ما بين الفئات اللبنانية وأولى المدرسة الحربية الاهتمام المُميز.

تابع البرامج المقررة وتخرج برتبة ملازم في سلاح المشاة بتاريخ 1/8/1961. ولم تمضِ إلا أشهر قليلة حتى كانت تجربة الحزب السوري القومي الاجتماعي بالانقلاب ومحاولة تسلم السلطة ليلة 30/12/1961 بقيادة ثلاثة ضباط من الجيش، لكنها فشلت وأمسك الجيش أمن البلاد بقوة وأضحت خدمة الضباط والجنود في حالة استنفار دائم.

توزعت خدمته في مواقع عديدة للجيش في الجنوب والقطع المنتشرة حتى كان صيف 1971 حين نُقل إلى ملاك المدرسة الحربية بعد النتائج الممتازة بنهاية دورة الرنجر التي تابعها في الولايات المتحدة الأميركية لعدة أشهر.

النقيب شريف فياض وأمر السنة الأولى لتلامذة الضباط 1971-1972

التحقت بصفة تلميذ ضابط في قوى الأمن الداخلي في المدرسة الحربية بتاريخ 22/9/1971 وبعداد السنة الأولى التي يأمرها النقيب شريف فياض، يعاونه عدد من الضباط والرتباء المدربين. كان التدريب شاقاً وصعباً في حينها بحيث ينتقل الشاب من الحياة المدنية والاجتماعية، إلى مجتمع عسكري وانضباط صارم وينفذ التلميذ الضابط تدريباً قاسياً ويخضع لتجارب جديدة للتأكد من جهوزية جسدية وعلمية وعسكرية تواكب الشروط المحددة بأنظمة المدرسة الحربية.

 

المقدم شريف فياض
المقدم شريف فياض

 

كان النقيب فياض يشاركنا نشاطات الرياضة الصباحية الصعبة، والركض لعدة أميال وتمارين السير التي تتخطى المئة كلم أحياناً، ويحضر بعض حصص التدريب المنفذة من أعوانه للتأكد من جدارتهم بالقيام بمهامم وهذه صفة مميزة للنقيب فياض، ولم نسمع منه أي كلمة نابية أو استخفاف بقدرات التلميذ الضابط الحديث الخدمة في الحياة العسكرية، الذي يخضع لبرنامج مُحدّد بدقة.

لم نعلم في حينها (1971-1972) أي شيء عن طائفته أو بلدته، علماً بأن اللهجة المحكية من قبل الجميع لا تكشف الانتماء المذهبي أو المناطقي للتلميذ الضابط، وكان الانتماء إلى لبنان كله، هكذا تعلمنا المواطنية الحقة في حينه.

تقدم أكثر من تلميذ ضابط بطلب فسخ عقد التطوّع والانفكاك عن التدريب العسكري الشاق، ولا سيما أثناء فترة الأربعين يوماً من الالتحاق (المعمودية)، فكان النقيب فياض، آمر الدورة، يستدعي التلميذ الضابط بلباقة وتواضع إلى مكتبه ويستمع إلى الأسباب الحقيقية لترك المدرسة الحربية وتمكن بحنكته وإنسانيته المميزة من إقناع الشبان الثلاثة بالرجوع عن طلبهم ومتابعة البرنامج المقرر وأوصى المدربين من ضباط ورتباء بتعديل بعض التدابير القاسية عليهم. كان يتفقد نوعية وكمية الطعام المقدّم لنا، وكان الأب الإنساني الرحوم. وبعد أكثر من نصف قرن يتذكر العمداء المتقاعدون دورة 1971-1974 أخلاقية وتهذيب وإنسانية النقيب شريف فياض.

 

الرائد شريف فياض آمراً لدورة تلامذة الضباط للسنة الثالثة (1973-1974)

يخضع التلميذ الضابط قبل تخرجه من المدرسة الحربية لتدريب محدّد خلال ثلاث سنوات مهما كان اختصاصه (قوى أمن - قوى بر) أو في أي سلاح (مدرعات، مدفعية، مشاة، وغيرها). كنا ستين تلميذ ضابط وأصبحت العلاقة مع الضباط المدربين أكثر نضجاً وتفاعلاً. أذكر أنه استدعاني بنهاية يوم طويل وقاسٍ لتنفيذ تمارين المسابقة العشرية التي تشمل نشاطات في عشرة مشاغل (رماية، قراءة خرائط، قتال، ثقافة عامة وعسكرية وغيرها) وهنأني لفوزي بالمرتبة الثالثة بين رفاقي الستين، وقدم لي درع القيادة الذي ما زلت أحتفظ به وقال:

- مبروك النجاح المميز برافو؟

قلت شاكراً: حضرتك من الجنوب؟

قال بمحبة: أنت من عرمون، وأنا من بشتفين، بتعرف وين بشتفين؟ كلنا من لبنان! ظل كلامه مؤثراً فيّ إلى حينه!

كان الأب الحنون المحبوب من تلامذة الدورة يشاركهم نشاطات اجتماعية عديدة ويتحقق من عدم تخطي المدربين للقواعد المرسومة ويستدعي البعض لمراقبة حسن التنفيذ وعدم تجاوز الصلاحيات الممنوحة لهم وحفظ كرامة التلميذ الضابط.

 ظروف الاستقالة من الجيش

كانت دورتنا (1971-1974) آخر دورة في المدرسة الحربية تتخرج قبل اشتعال أحداث 1975 وتشرذم الجيش ما بين جيش لبنان العربي بقيادة الملازم الأول أحمد الخطيب، وطلائع الجيش العربي في رياق بقيادة العقيد الطيار فهيم الحاج وتجمع العقيد أنطوان بركات (في ثكنة شكري غانم-الفياضية دعماً للرئيس سليمان فرنجية 1976) وتجمع العميد الأول عزيز الأحدب، قائد موقع بيروت، الذي طالب باستقالة رئيس الجمهورية، وتجمع ضباط الشوف بقيادة العقيد رؤوف عبد الصمد، كل هذه العوامل دفعت الرائد شريف فياض لتقديم استقالته من الجيش الذي أضحى في حينها مجموعات مسلحة أكثر منه جيشاً وطنياً واحداً، وطلب الإحالة إلى التقاعد مطلع عام 1978 برتبة مقدم. وكان قد التحق مع مجموعة من الضباط في المختارة بزمن الزعيم كمال جنبلاط ثم تابع مهام حزبية وعسكرية في الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط الذي استخلصه وكلفه قيادة جيش التحرير الشعبي، ثم أمانة السر العامة للحزب بكل جدارة وكفاءة وعاش مناضلاً وفياً لمبادئ الحزب الذي انتصر في الجبل بقيادة الوليد والذي لم يغفل عنه يوماً، لا سيما أثناء فترة مرضه العضال.

إن غاب المقدم شريف فياض عنا منذ سنوات (تُوفي بتاريخ 26/10/2016)، فإن ذكراه باقية مع شمائل خصاله الإنسانية والعسكرية، زرع في تلامذته ومرؤوسيه المواطنية الصادقة، وكانت سنوات خدمته في الجيش اللبناني ناصعة حافلة بإنجازات وأوسمة وشهادات تقدير من الرؤساء، كما من المرؤوسين الذين عاصروا خدمته العسكرية.

(بمناسبة ذكرى وفاته بتاريخ 26/10/2016)

*قائد سابق للشرطة القضائية

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/19/2025 7:20:00 PM
 برز اسم عشائر غزة  كأحد السيناريوهات المحتملة لإدارة الشؤون المدنية، خاصةً في ظل رفض عودة حكم حركة حماس، وغموض دور السلطة الفلسطينية.
المشرق-العربي 10/20/2025 8:26:00 AM
اعتبر ويتكوف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "قاد بلاده في ظروف صعبة".
اقتصاد وأعمال 10/17/2025 6:25:00 AM
لماذا ترتفع الأسعار؟ تتضافر الأسباب بين طقسٍ متقلّب في بلدان المنشأ، ومخزوناتٍ محدودة، وتوازنٍ دقيق بين العرض والطلب.