خطة ترامب للسلام في غزة: الفرصة والمخاطر للأردن

آراء 19-10-2025 | 10:32

خطة ترامب للسلام في غزة: الفرصة والمخاطر للأردن

تتضمن الخطة بنودًا يمكن أن تصب في مصلحة الأردن إذا ما أُحسن توظيفها. فهي تهدف أولًا إلى تحويل غزة إلى منطقة خالية من التطرف والإرهاب.
خطة ترامب للسلام في غزة: الفرصة والمخاطر للأردن
الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعاهل الأردني عبدالله الثاني. (أف ب)ي
Smaller Bigger

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2025 عن خطة جديدة للسلام في قطاع غزة، تحمل في طياتها فرصًا استراتيجية للأردن لتعزيز دوره الإقليمي والمساهمة في إعادة إعمار القطاع. غير أن هذه الخطة، رغم ما تنطوي عليه من إمكانات اقتصادية وسياسية، تفرض على الأردن تحديات حساسة تتعلق بأمنه الوطني واستقراره الداخلي وإدارة الرأي العام المحلي.

 

تتضمن الخطة بنودًا يمكن أن تصب في مصلحة الأردن إذا ما أُحسن توظيفها. فهي تهدف أولًا إلى تحويل غزة إلى منطقة خالية من التطرف والإرهاب، ما يسهم في تقليص التهديدات الأمنية المباشرة على الحدود الأردنية ويخفف الضغوط على المؤسسات الأمنية. كما تنص على إعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز وفتح الطرقات، بما يسهل تدفق المساعدات الإنسانية ويخفف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على الأردن، ويفتح أمامه فرصة المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، بما يعزز التعاون الاقتصادي الإقليمي ويحرك عجلة النمو المحلي.

 

 

مقر حزب جبهة العمل الإسلامي,(أرشيف)
مقر حزب جبهة العمل الإسلامي,(أرشيف)

 

 

وتتضمن الخطة أيضًا بندًا لإنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة تتولى تدريب الشرطة الفلسطينية وتقديم الدعم لها بالتنسيق مع الأردن ومصر، ما يعكس الدور الحيوي الذي يمكن أن تضطلع به المملكة في حفظ الأمن ومنع أي فراغ قد يفتح الباب أمام تسلل الجماعات المسلحة أو تهريب السلاح. كما ينص أحد البنود على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة، مع ضمان ألا يشكل القطاع مصدر تهديد للأردن أو لمصر، وهو ما يعزز الاستقرار الحدودي ويحد من المخاطر الأمنية المحتملة في المستقبل.

 

لكن في المقابل، يواجه الأردن تحديات داخلية متصاعدة على خلفية المواقف من الخطة. فقد أظهرت استطلاعات الرأي تحفظات واسعة لدى فئة الشباب وطلبة الجامعات تجاه الدور الأميركي في القضية الفلسطينية، فيما استغلت بعض الجماعات السياسية هذه الأجواء للتحريض ضد الخطة مثل "حزب جبهة العمل الإسلامي" الواجهة السياسية لجماعة الاخوان المسلمين المحظورة في الأردن ووصفها بأنها "صفقة صهيونية تستهدف تصفية حقوق الفلسطينيين"، حتى قبل صدور موافقة حركة حماس نفسها.

 

 والأكثر لفتًا للنظر أن "حزب جبهة العمل الإسلامي"، تناول الخطة من منظور يخدم خطاب حركة حماس أكثر مما يعبر عن المصلحة الوطنية الأردنية، مغلفاً مواقفه بشعارات "الدفاع عن المقاومة"، ومحاربة إسرائيل في محاولة لإضفاء بعد وطني على مواقف تتناقض عمليًا مع مصالح الدولة الأردنية وأمنها الوطني في ظل الظروف الحالية. 

 

في ضوء ذلك، تبدو الحاجة ملحّة لأن تتعامل عمّان مع الخطة بواقعية وحذر، وأن تديرها بعقلانية توازن بين فرص المشاركة الإقليمية ومتطلبات الأمن الداخلي. فالأردن مطالب بتكثيف جهوده لتأمين الحدود ومراقبتها بشكل صارم، منعًا لأي تسلل أو نشاط غير مشروع عبر الحدود مع الضفة الغربية. كما يحتاج إلى تنسيق سياسي ودبلوماسي متواصل مع مصر والدول العربية والولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة للمواقف الأردنية، لضمان أن تكون مشاركته في إعادة الإعمار فاعلة وتخدم مصالحه الاستراتيجية. وفي الوقت ذاته، تبرز أهمية إدارة الرأي العام الداخلي من خلال خطاب وطني واضح يشرح طبيعة الموقف الأردني، ويحصن المجتمع من حملات التحريض أو محاولات التشويش على الأولويات الوطنية.

 

على الجانب الاقتصادي، يمكن أن تشكل مشاريع إعادة إعمار غزة فرصة للأردن لتعزيز اقتصاده الوطني وتنشيط قطاعاته الإنتاجية والخدمية، فضلًا عن تخفيف الضغوط الناتجة عن موجات اللجوء أو الانكماش الاقتصادي الإقليمي. إلا أن الاستفادة من هذه الفرص تظل رهينة بقدرة الدولة على ضبط إيقاع الموقف السياسي والأمني، والتعامل مع التحديات الداخلية بحزم واتزان.

 

في المحصلة، تمثل خطة ترامب للسلام في غزة فرصة محتملة للأردن لتعزيز مكانته الإقليمية والمشاركة في إعادة بناء القطاع ضمن إطار دولي منظم، لكنها في الوقت ذاته اختبار لقدرة المملكة على حماية مصالحها العليا وتحصين أمنها الداخلي. فنجاح الأردن في التعامل مع هذه الخطة يتوقف على إدارة دقيقة تجمع بين الصرامة الأمنية والمرونة الدبلوماسية، وعلى وعي داخلي يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

 

فالأردن، في نهاية المطاف، لا يستطيع أن يتحرك في هذا الملف من منطلق العواطف أو الحسابات الإيديولوجية والخطابات الديماغوجية، بل من منطلق المصلحة الوطنية الخالصة. فالقضية الفلسطينية ستبقى محورية في وجدان الأردنيين، لكن حماية الأردن واستقراره يجب أن تظل أولوية مطلقة تتقدم على كل الشعارات والمزايدات. وإذا أحسن الأردن قراءة الخطة وتوظيفها ضمن منظومة أمنه القومي، فسيخرج منها رابحًا؛ أما إذا تركها مجالًا للصراع السياسي الداخلي أو للمزايدة الشعبوية، فقد تتحول الفرصة إلى عبء استراتيجي ثقيل على كاهله.

 

سعود الشَرَفات/ مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب* 
 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.