هل يستقيل وزير الداخلية... إذا عجز؟

عبد الرحمن عبد المولى الصلح
منذ فترة طويلة، لم يعد المشهد السياسي اللبناني من جديد يثير اهتمام المراقب والقارئ النَّهِم وحتى القارئ العادي!! مضى ما يقارب التسعة أشهر من العهد والأمور تراوح مكانها في القضايا المهمة التي تقلق اللبنانيين وفي الصدارة نزع (الأفضل القول تنازل...) حزب الله عن سلاحه. باختصار: لبنان اسير مفاوضات واشنطن مع طهران حول النووي وغيره - عبر حزب الله- الذراع العسكري والسياسي لنظام الملالي. وللتذكير فلقد نجح النظام في طهران في زعزعة خمسة مجتمعات عربية: اليمن، العراق، سوريا، غزة وبلاد الأرز لبنان. ويا ليت أولياء الأمر في طهران يأخذون العِبَر من التجارب السابقة بعد الوضع السوبر كارثي في غزة والخسائر الجسيمة التي لحقت باللبنانيين من جراء ما سُمِّيَ بحرب الإسناد والتي تسببت بأضرار بالغة إضافة إلى تدمير المنشآت النووية والعسكرية لإيران بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير.
فلقد نشرت "قناة ناصر" وهي القناة التي تبث عائلة عبد الناصر من خلالها تسجيلات سابقة للرئيس الراحل... تسجيلاً صوتياً للقاء جمع عبد الناصر مع القذافي عام 1980 دعا فيه عبد الناصر لوضع أهداف محددة للمعركة مع اسرائيل بدلاً من "اطلاق شعارات رنّانة واهداف لا يمكن تحقيقها في ظل القوى والدعم الأميركي لاسرائيل" (سكاي نيوز العربية 3-10-2025). كان من المتوجّب على عبد الناصر أن يخضع للمساءلة والمحاكمة بعد الهزيمة القاسية والمؤلمة (التي سُمِّيت لاحقاً بالنكسة عام 1967) والتي ألحقها بمصر لا بل بكل العرب. لكن المظاهرات (وثمّة تقارير تشير أن المخابرات المصرية يومها خطّطت لها) التي انطلقت في مصر بعد خطاب استقالته أبقته في الحكم على أمل أن يعيد ما خسرته بلاده. لكن إدراك ووعي عبد الناصر لم يقتصر على وقف الشعارات الرنّانة فوثائق الخارجية الأميركية والتي أُفرِج عنها مؤخّراً تشير إلى ما هو أهم. فبحسب الوثائق التي رفعت واشنطن عنها السريَّة لم يأبه عبد الناصر كثيراً لغزّة في خمسينيات القرن الماضي، فهو لم يتّخذ أي إجراء لتحسين الوضع الاقتصادي والسياسي لسكان غزة بل تم الاحتفاظ بهم في مخيّمات قذرة كأداة سياسية ودعائية ضد اسرائيل.
وفي عام 1970 وافق عبد الناصر على الإعتراف بإسرائيل بشرط إجراء مفاوضات معه بشكل سرّي من قِبَل مبعوثين شخصيين للرئيس الأميركي ليندون جونسون والفرنسي شارل ديغول بدلاً من القنوات الديبلوماسية العاديّة. وكان تركيزه على مبدأ مصر أولاً ووافق على صفقة مصرية إسرائيلة منفصلة، فهو دافع عن القضية الفلسطينية طالما سعى إلى ذلك على دفعه إلى القيادة العربية (مايكل شارنوف، "جمال عبد الناصر والفلسطينيون، العلاقة بينهما بعيون أميركية"، "اسواق العرب" 6-8-2021). تُرى هل يتّعظ أركان الحكم في طهران وأتباعهم في المنطقة، كما فعل سابقاً عبد الناصر فيتوقّف اطلاق الشعارات الرنّانة ويتم تحكيم العقل في أخذ القرارات!؟ ويتجهوا إلى عقلنة سلوكهم السياسي والأخذ بعين الاعتبار توازن القوى كما جاء في التسجيل الأخير لعبد الناصر؟!
ويا ليت المتظاهرين الذين تم جلبهم إلى صخرة الروشة رافعين صور الخامنئي مرددين كالعادة الشعارات ضد اميركا يدركون ما أكده وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو أن العدو الاسرائيلي تعامل مع الخميني وعمل على توريد أسلحة بقيمة مليار دولار وهذا دون التذكير بما سمّي ب "إيران غايت" صفقة الأسلحة التي اشتراها الخميني من اسرائيل بوساطة أميركية. ويا ليت الذين اعتلوا القارب بطريقهم إلى الصخرة اخفوا ابتساماتهم وكأن الوصول إلى الصخرة هو الانتصار وتذكروا على الأقل المآسي التي حلّت بالمصابين نتيجة انفجار البايجر. قلبي ينزف دماً ودمعاً على المصابين والمصابات واسأل المولى أن يعافيهم ويزيدهم صبراً على ما هم عليه من أحزان وأوجاع.
لم يقتصر الأمر على ذلك بالإضافة إلى اسطوانة "نزع سلاح حزب الله" وانسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني والذي اعتاد اللبناني على سماعها فلقد أضحى مملًّا الحديث عن محاربة الفاسدين دون أن نرى فاسداً واحداً قيد المحاكمة. وهنا نتذكّر قول الرئيس عون أن البلد مسروق ولكن الناس تسأل: أين هم السارقين؟ (على سيرة الفاسدين وبما أن الشيء بالشيء يُذكَر فحكم القضاء الفرنسي الأخير بحبس الرئيس نيكولا ساركوزي لمدة خمس سنوات بعدما ثبُتَ تلقّيه دعماً ماليّاً من القذافي بهدف دعمه للانتخابات الرئاسية أثار بخاطري السؤال التالي: هل الأمر من سابع المستحيلات ان نشهد ذلك عندنا علماً أنه باستثناء الراحل الكبير الأمير اللواء فؤاد شهاب والذي يستحق بجدارة كل تلك الألقاب وتلميذه الروحي الياس سركيس فهنالك اكثر من علامة استفهام حول اكثر من رئيس جمهورية سابق منذ الاستقلال). أيضًا تأقلم المودعين مع أزمة الودائع فالمودع الذي انتظر خمس سنوات يبدو أن بإمكانه الانتظار خمس سنوات أخرى ولم يعد يكترث اللبناني إن جرت انتخابات نيابية أو لم تجرِ فالأمر سيّان، لأن الانتخابات ان جرت لن تُحدِث تغييراً ملحوظاً. ولم يعد يأمل كي يتم تكليف شركة تدقيق كي تعمل على تدقيق حسابات على الأقل وزارتي الطاقة والاتصالات بعدما فاحت روائح الفساد في أروقتها.
صبَر اللبناني على كل ما تقدّم وتأقلم وفهم أن تحقيق ما يصبو إليه من أحلام وأماني دونه عقبات. لكنه والحق يُقال لا يجد عذراً على الإطلاق لتخفيف معاناته وعذابة وآلامه اليومية الناتجة عن ازمة السير الخانقة والموجعة والتي يتلطّى بها ليس مرة واحدة في الشهر بل كل يوم وفي كل المحافظات. الناس تقول في السر والعلن: فهمنا أن لا شيء سيتغير وأن الأمور لن تشهد حلولاً في المستقبل المنظور ولكن، بالله عليكم ارحمونا وأوجدوا حلاً لمشكلة ازدحام السير الخانقة التي ترهق اعصابنا وتزيد من توترنا.
تحترق أعصاب اللبناني من أزمة السير الخانقة وتزيد من آلامه وأوجاعه وتتفاقم من سير الموتوسيكلات الذي يقودها الدرّاجون عكس السير. والأنكى من ذلك حين يُفاجَأ السائق برجل أمن يرتدي سترة مكتوب عليها من الخلف "مخابرات" وهذا لعمري مدعاة استغراب فكيف لرجل مخابرات التعريف بنفسه (!؟) يوقِف السير على احد التقاطع لفترة طويلة بانتظار مرور موكب مسؤول ما!؟
هل يُعقَل أن لا حلول لأزمة السير الخانقة؟! سابقاً، وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق اتّخذ اجراءات – لعرقلة ازمة السير- (!!) نتيجة الحواجز الكثيفة التي وضعها حول مدخل وزارة الداخلية في محلّة الصنايع، إضافة إلى حرصه أن يواكب تنقّله أينما حلّ سبع سيارات من الحجم الكبير الأمر الذي كان يؤدي إلى عرقلة سير رهيبة. ولا أدري اذا كان المشنوق يعرف أنّه خلال أسر السائقين بانتظار أن يمر موكبه المُهيب كيف كان الناس يدعون له بالصحة والعافية... وطول العمر!؟ ولعل وزير الداخلية الحالي احمد الحجار لا يشعر بأزمة السير الخانقة، وقد يعود لربما ذلك إلى أنه يعمل (online) او يقصد الوزارة بعد غروب الشمس! المطلوب من الحجّار أن يجد الحل الجذري لأزمة السير اليوم قبل الغد والتي تتلف اعصاب الناس واذا فشل فالأفضل أن يحذو حذوَ وزراء سابقين اضحوا علامة فارقة في النظام السياسي اللبناني حين قدموا استقالاتهم. الأول غسان تويني حين استقال كوزير للتربية عام 1971 من حكومة الرئيس صائب سلام لتعارض توجيهاته الإصلاحية مع المسار التقليدي لرئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية، وزير الصحة الدكتور اميل بيطار ردّاً على رفض حكومة سلام وضع حد لمحتكري وتجّار الأدوية، جورج فرام وزير الطاقة في حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 1993 لخلاف على السياسية النفطية، وشربل نحاس الذي استقال من وزارة الاتصالات في حكومة سعد الحريري عام 2009. باختصار: أدرك الناس أن الحلول للقضايا المصيريّة دونها عقبات، واعتادوا على واقع الأمر... لكن ما لا يُفهَم عدم الحرص على تخفيف معاناتهم اليومية على حل أزمة السير الخانقة في كل لبنان. الحلول متوفرة ان حضر الحزم والعزم. فهل ينجح وزير الداخلية احمد الحجار والذي نتمنّى له كل الخير والنجاح في حلّ أزمة السير الخانقة؟! واذا فشل فهل يُقدِم على استقالته لعجزه عن حل أزمة فيكون التاريخ شاهداً له ولن يكون شاهداً... عليه!!