الصين تزرع الصحراء بالأسماك

آراء 13-10-2025 | 12:54

الصين تزرع الصحراء بالأسماك

الزراعة المائية في صحراء شينجيانغ تمثل اليوم نموذجاً عملياً يجمع بين التطوير الاقتصادي، حماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة، ويعكس رؤية واضحة لكيفية تحويل التحديات إلى فرص...
الصين تزرع الصحراء بالأسماك
جانب من بحيرة صحراء تكلامكان
Smaller Bigger

وارف قميحة*

في شمال غرب الصين، حيث تمتد صحراء تكلامكان الشاسعة وتعرف بجفافها وقساوة مناخها، تشهد الأراضي الصحراوية تحولاً غير متوقع؛ أحواض مائية واسعة تنتشر بين الرمال، تسبح فيها أسماك وروبيان وسلطعون صيني، في مشهد يمثل نموذجاً عملياً لتطبيق تقنيات الزراعة المائية في بيئة قاسية، ويعكس قدرة التخطيط الاستراتيجي والتكنولوجيا على تحويل المستحيل إلى واقع، تجسيداً لرؤية التنمية الخضراء التي تنتهجها الصين في مختلف مناطقها، حتى الأبعد والأكثر تحدياً.

تعتمد هذه المشاريع على مصادر مائية متنوعة، أبرزها الأنهار الجبلية الناتجة من ذوبان الثلوج في جبال تيان شان وكونلون، إضافة إلى المياه الجوفية المالحة التي جرى تعديلها لتصبح صالحة لتربية الأحياء المائية. وقد مكّنت هذه التقنيات من تحويل الأراضي المالحة والقلوية التي كانت تعتبر غير صالحة للزراعة، إلى مساحات إنتاجية مستدامة قادرة على إنتاج آلاف الأطنان من الأسماك سنوياً، ضمن نظام رقابي دقيق يضمن جودة المياه واستقرار البيئة المائية.

 

تقدم هذه المشاريع مثالاً واضحاً على قدرة الإنسان على تحويل البيئات القاسية إلى موارد اقتصادية
تقدم هذه المشاريع مثالاً واضحاً على قدرة الإنسان على تحويل البيئات القاسية إلى موارد اقتصادية

 

تقوم هذه المشاريع على منظومة متقدمة من التكنولوجيا الزراعية تشمل مراقبة رقمية دقيقة للجودة البيئية، وأنظمة مائية مغلقة تقلل من استهلاك المياه وتحافظ على التوازن الحيوي للكائنات المائية. كما يتم اختيار أنواع من الأسماك تتحمل الملوحة العالية وتفاوت درجات الحرارة بين الليل والنهار، مع تطوير أنظمة متكاملة تجمع بين الاستزراع المائي والزراعة النباتية، بحيث تستخدم مخلفات الأسماك كسماد طبيعي للنباتات، فيما تعمل النباتات على تنقية المياه وإعادة تدويرها، ما يخلق دورة إنتاجية مستدامة تقلل الإهدار وتزيد الإنتاجية بفعالية.

تقدم هذه المشاريع مثالاً واضحاً على قدرة الإنسان على تحويل البيئات القاسية إلى موارد اقتصادية وغذائية مستدامة. فهي تساهم في تعزيز الأمن الغذائي الوطني من خلال تنويع مصادر الإنتاج، وتحسن مستوى الدخل في المناطق الريفية، وتخلق فرص عمل جديدة في مناطق كانت تعتمد سابقاً على الزراعة التقليدية ذات العائد المحدود. كما أنها تساهم في رفع مستوى المعيشة في شينجيانغ بشكل ملموس، إذ أصبحت الأسر الريفية قادرة على تأمين دخل ثابت من إنتاج الأسماك، مما يتيح لهم تحسين ظروف حياتهم وتوفير فرص أفضل للتعليم والرعاية الصحية لأبنائهم. وقد تحول بعض القرى إلى مراكز صغيرة لتربية الأسماك ومعالجتها وتسويقها، ما ساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وتثبيت السكان في مناطقهم.

يمتد أثر هذا التحول إلى البيئة الطبيعية نفسها، إذ تعمل الأحواض المائية على رفع نسبة الرطوبة في المناطق المحيطة، وتوفر موائل للطيور المهاجرة والكائنات البرية، مما يساهم في إعادة التوازن البيئي الى مناطق كانت شبه قاحلة. هذه المشاريع تمثل نموذجاً للتنمية المتوازنة التي تجمع بين الإنتاجية الاقتصادية وحماية البيئة، وتوضح إمكان توظيف التقنيات الحديثة لتحقيق أهداف مستدامة حتى في المناطق النائية.

ما يحدث في شينجيانغ يقدم نموذجاً عملياً على المستوى الدولي في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية معاً، إذ يُظهر أن الاستثمار في العلم والتكنولوجيا يمكن أن يحول مناطق نائية إلى مراكز إنتاجية متطورة ويخلق حلولًا عملية لأزمات الغذاء والتنمية المستدامة. كما يعكس هذا التوجه فلسفة التنمية التي تؤكد أن التعاون بين الموارد الطبيعية والتكنولوجيا والإدارة المتكاملة يمكن أن يشكل نموذجاً يُستفاد منه عالمياً، في إطار فكرة مجتمع المصير المشترك للبشرية، حيث يساهم التقدم البيئي والاقتصادي لدولة في إلهام العالم بأسره.

الأسماك التي تسبح اليوم بين رمال الصحراء تمثل أكثر من مجرد إنتاج غذائي؛ فهي تعكس قدرة الإنسان على تجاوز الحدود الطبيعية وابتكار حلول مستدامة للتحديات البيئية، وتؤكد أن الإدارة الذكية للموارد واستخدام التكنولوجيا يمكن أن يحققا تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة حتى في المناطق النائية.

 

الزراعة المائية في صحراء شينجيانغ تمثل اليوم نموذجاً عملياً يجمع بين التطوير الاقتصادي، حماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة، ويعكس رؤية واضحة لكيفية تحويل التحديات إلى فرص في العصر الحديث، بما يجعل من الصحراء بيئة منتجة وحيوية بدلًا من كونها رملاً خامداً.


*رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/12/2025 1:32:00 AM
نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين، أن 3 دبلوماسيين قطريين توفوا بحادث في مدينة شرم الشيخ في مصر
المشرق-العربي 10/11/2025 1:12:00 PM
على الرغم من السرّية الشديدة التي تُحيط بمخبأ الأسد الخفي، تمكّن فريق الصحيفة الألمانية من دخول المبنى نفسه والتقوا هناك بوكيلة عقارات محلية عرّفت عن نفسها باسم مستعار هو ناتاشا.
دوليات 10/12/2025 6:57:00 PM
في مقطع فيديو نشره على منصة "إكس"، خاطب غيلر ترامب بالقول: "أرجوك يا دونالد، لا تذهب إلى شرم الشيخ. لديّ شعور قوي بأن حياتك في خطر".