آراء
11-10-2025 | 16:12
مارغريت تاتشر وإرادة القوة: عندما تتجسّد فلسفة نيتشه في السياسة
هل كانت تاتشر، بلا وعي فلسفي مباشر، تتصرّف كأنها ترجمة حية لفكر نيتشه؟ هل يمكن فهم مسيرتها عبر هذا البعد العميق الذي يتجاوز السياسة إلى جوهر الإنسان؟

مارغريت تاتشر
الخوري ريمون أبي تامر
في عوالم السياسة، قليلون هم من يُذكرون لا لما قالوه فقط، بل لما جسدوه من روح وأفكار أثرت في مجرى التاريخ.
مارغريت تاتشر، "المرأة الحديدية"، ليست فقط إسماً في سجلات الحكم البريطاني، بل رمزٌ لإرادة لا تنكسر، وقوة تتحدى الزمن.
حينما نعيد قراءة سيرتها، نجد أنفسنا أمام ظاهرة سياسية تقاطعت فيها القيادة الحاسمة مع فلسفة جذرية تقول إن القوة ليست فقط أداة، بل حالة وجود.
وهنا يبرز الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، الذي كتب عن "إرادة القوة" كجوهر للحياة والتجاوز.
هل كانت تاتشر، بلا وعي فلسفي مباشر، تتصرّف كأنها ترجمة حية لفكر نيتشه؟ هل يمكن فهم مسيرتها عبر هذا البعد العميق الذي يتجاوز السياسة إلى جوهر الإنسان؟
هذا المقال رحلة في شخصية تاتشر ونظرتها إلى العالم، من خلال عدسة فلسفة نيتشه، لنفكّر معاً كيف تصبح السياسة إرادة تُعيد تشكيل الواقع.
دخلت مارغريت تاتشر إلى "10داونينغ ستريت" لا كسياسية تقليدية، بل كمن تحمل رؤية تريد أن تُحدث بها صدمة في جسد الأمة. كانت تحمل حقيبة حديدية، لكن الأهم، أنها حملت إرادة لا تقبل التراجع.
سيدة لا تطلب الإجماع، بل ترسم الطريق، ولو بشقّ العاصفة.
في كل فصل من فصول حكمها، تظهر ملامح فيلسوف غريب الأطوار، حادّ الرؤية، احتفى بالقوة وازدرى الانقياد: فريدريك نيتشه.
فهل جسّدت تاتشر، من دون أن تدري، جوهر فلسفة نيتشه في السلطة، الإرادة، وتجاوز القيم؟
1. مارغريت تاتشر: حينما يصبح القرار فعلاً وجودياً
عندما تولّت رئاسة الوزراء عام 1979، كانت بريطانيا أشبه بمريض مزمن: اقتصاد مترنّح، مجتمع خائف، ودولة منهكة تسيطر عليها النقابات. لكن تاتشر لم تكن طبيبة بل جراحاً لا يهاب الألم.
خصخصت، قلّصت، واجهت، وغيّرت. لم يكن هدفها فقط إنقاذ الاقتصاد، بل تغيير العقلية البريطانية نفسها.
قالت ذات مرة في مقابلة لها مع Woman’s Own في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1987: "لا وجود لشيء اسمه المجتمع. هناك أفراد، رجال ونساء، وهناك عائلات".
بهذه العبارة التي أثارت الكثير من الجدل، كانت تاتشر تؤسّس لفلسفة سياسية تقوم على المسؤولية الفردية، لا على التضامن الجماعي، وعلى الإرادة لا على الشكوى.
هل كانت تاتشر تسأل، كما سأل نيتشه من قبل: "كيف نخلق إنساناً جديداً من رماد القيم البالية؟" .
2. نيتشه: إرادة القوة كصرخة في وجه الضعف
يرى نيتشه أن الحياة لا تُقاس بالنجاة، بل بالقدرة على الخلق، على تجاوز الذات.
"إرادة القوة" لديه ليست سعياً للسيطرة فقط، بل اندفاع وجودي نحو التفوق والتجديد، نحو أن نقول "نعم" للحياة رغم تناقضاتها.
هو يحتقر "أخلاق العبيد" التي تمجّد التواضع والانقياد، ويمجّد "أخلاق السادة" التي تخلق القيم وتواجه المصير بجبين مرفوع.
وليس عبثاً أن يربط بعض المفكرين بين "القيادة الكاريزمية" لدى نيتشه وظهور زعماء مثل تاتشر ممن يؤمنون بأن عليهم تغيير القواعد، لا مجرّد تطبيقها.
3. ثلاث محطات – ثلاث لحظات نيتشوية
أ. كسر الجماعة: معركة المناجم 1984–1985
واجهت تاتشر نقابة عمّال المناجم كما يُواجه التنين في الأساطير.
لم ترَ فيها تمثيلاً للعدالة الاجتماعية، بل تعبير عن قوة رجعية تعرقل النهوض. فدخلت في معركة لا مساومة فيها. عام كامل من الإضرابات، ثم انكسار النقابة.
كتبت صحيفة The Times في تعليقها آنذاك أن "تاتشر لم تواجه النقابة فقط، بل واجهت ذاكرة دولة ما بعد الحرب".
إنها لحظة تاتشرية-نيتشوية بامتياز: تحطيم الأصنام القديمة، وفرض إرادة جديدة لا تخجل من القسوة حين تكون ضرورة.
ب. فرد بلا ظل: "لا وجود للمجتمع"
وراء العبارة الشهيرة المذكورة أعلاه، تقف رؤية وجودية صارخة: الفرد هو مركز القرار، لا الجماعة.
نيتشه، الذي رأى الجماعة كقيد أخلاقي، كان سيرتضي هذه الرؤية، بل يراها تحريراً للإرادة من خطاب الرحمة الزائف.
ج. الكرامة الوطنية : حرب الفوكلاند 1982
عندما احتلت الأرجنتين جزر الفوكلاند، لم تتردد تاتشر في إرسال قوات بحرية وجوية لاستعادتها. كان بوسعها التفاوض، لكنها اختارت المواجهة.
قالت في خطابها أمام مجلس العموم، 14 حزيران/يونيو 1982:
"علينا أن نُظهر أننا لن نتخلى عن أرضنا، ولا عن مواطنينا، لأننا إذا فعلنا، فلن تحترمنا أية أمة أخرى."
هذه لحظة نيتشوية مكتملة: الإرادة تصنع العدالة، لا العكس.
4. إرادة لا تعرف الاعتذار
لم تحكم تاتشر باللين، بل بالتصميم. لم تتراجع أمام الكراهية، بل استمدّت منها دليلاً إلى تأثيرها.
قال عنها الكاتب السياسي فرانسيس بيملو: "لقد أحبّت أن تُكره، لأن الكره يعني أنها تركت أثراً".
وهذا، في حد ذاته، تجسيد لنيتشه الذي كتب: "من لا يُسيء إلى أحد، لن يُغيّر شيئاً" .
لا نعلم إذا كانت تاتشر قرأت نيتشه، لكن نيتشه كان، بطريقة ما، يهمس في ممارستها السياسية:
"كن ما أنت، ولا تخشَ أن تكون عاصفة" .
مارغريت تاتشر لم تكن مجرد زعيمة، بل مشروع فلسفي في هيئة سياسية.
جعلت من الإرادة عنواناً، ومن القوة موقفاً، ومن الحسم طريقاً.
وفي عالم يغرق بالتردد، كانت تقول: "افعل، ولو وحدك".
قد لا تكون قرأت نيتشه، لكن من الممكن للتاريخ ان يذكرها كمن جسّدت فلسفته بطريقة حيّة، صارخة، ومؤثّرة.
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
10/10/2025 8:28:00 AM
أثار الفيديو المتداول تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي
اقتصاد وأعمال
10/8/2025 8:04:00 AM
شوكولاتة دبي.. الحلوى التي غزت العالم من الإمارات
اقتصاد وأعمال
10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات
10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.