ترامب وصواريخ "هوك" وسياسة "الردع والديبلوماسية"

مثيرة تصريحات الرئيس الأميركي ترامب يوم السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2025 حول إمكانية الموافقة على تسليم صواريخ "هوك" إلى أوروبا، وربما تعطيها لأوكرانيا بعد دفع ثمنها كصفقة جديدة. ترامب قال إن "لديه بعض الأسئلة المعلّقة" قبل اتخاذ القرار النهائي، وهي عبارة تحمل في طيّاتها الكثير من الرسائل السياسية؛ فهي لا تعني الرفض المطلق، لكنها أيضاً لا تعني الموافقة الكاملة، بل تشير إلى أن ترامب يُعيد صياغة الموقف الأميركي على قاعدة المصلحة الوطنية لأميركا، لا على قاعدة الدعم عبر الأطلسي.
التحفظ الذي أبداه ترامب على القرار لا يمكن فصله عن رؤيته الاستراتيجية الأوسع. فهو لا يريد مواجهة مباشرة مع روسيا، ولا يرغب في تحويل الحرب الأوكرانية إلى صراع أميركي ـ روسي مفتوح. ترامب يدرك أن مثل هذه المواجهة لن تحقق مكاسب حقيقية لواشنطن، بل قد تُضعف موقعها أمام الصين وتستنزف مواردها الاقتصادية والعسكرية. لذا، فإن موقفه المتريّث من تسليم الصواريخ يُقرأ باعتباره محاولة لتجنب التصعيد، مع الحفاظ في الوقت ذاته على أوراق ضغط سياسية يمكن استخدامها في أي تسوية محتملة بين موسكو وكييف.

وما يدعم هذه الفكرة هو موافقة ترامب وبوتين على تمديد العمل باتفاقية الصواريخ النووية المتوسطة المدى التي سوف تنتهي مطلع عام 2026.
اللافت أن تصريحات ترامب جاءت بعد سلسلة من اللقاءات والضغوط الأوروبية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث سعى القادة الأوروبيون إلى إقناع واشنطن بالاستمرار في دعم كييف عسكرياً. ومن المرجّح أن ترامب اختار التحدث عن ملف صواريخ "هوك" في هذا التوقيت ليبعث برسالة مزدوجة: فهو من جهة لا يريد أن يبدو متخلياً عن أوروبا، ومن جهة أخرى يريد أن يذكّر القادة الأوروبيين بأن الدعم الأميركي ليس مجانياً، وأن عليهم تحمّل مزيد من المسؤوليات المالية والعسكرية.
يمكن فهم هذه التصريحات على أنها أداة ضغط سياسية على كل من روسيا وأوكرانيا في آنٍ واحد. فهي إشارة إلى أن واشنطن ما زالت تمتلك أوراقاً فعالة يمكن أن تغيّر موازين القوى الميدانية، لكنها لن تفعل ذلك إلا إذا اقتضت المصلحة الأميركية. بمعنى آخر، ترامب يستخدم لغة "الاحتمال" و"التريّث" كورقة تفاوضية، لتشجيع الأطراف المتصارعة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، من موقع قوة.
ما يقترحه ترامب هو إعادة تعريف الدور الأميركي في الحرب الأوكرانية، فبدلاً من التورّط في صراع طويل الأمد يُنهك واشنطن، يريد أن يحوّل الدعم العسكري إلى أداة ضغط لتحقيق تسوية سياسية تضمن مصالح بلاده الاستراتيجية.
تعكس تصريحات ترامب الأخيرة ملامح نهج جديد يقوم على البراغماتية والانتقائية في التعامل مع الملفات الدولية. نهج يرى أن التحالفات ليست التزاماً دائماً، بل وسيلة لتحقيق المصلحة. وهذا ما يجعل التلويح بصواريخ "هوك" جزءاً من سياسة "الردع والديبلوماسية" على بوتين.
* باحث في الأمن الدولي والإرهاب
- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية