آراء 07-10-2025 | 00:27

البلطيق يغلي: التصعيد العسكري والمواجهة بين الناتو وروسيا

مع التزايد المستمر للأنشطة العسكرية من روسيا وحلف الناتو، قد يتحول بحر البلطيق إلى نقطة ساخنة تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
البلطيق يغلي: التصعيد العسكري والمواجهة بين الناتو وروسيا
بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، أصبح بحر البلطيق عملياً "بحيرة للناتو" (أ ف ب)
Smaller Bigger

د. خالد العزي*

شهد بحر البلطيق في السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التوترات العسكرية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). مع انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو في 2024، تحوّل البحر إلى نقطة محورية لتنافس القوى الكبرى في المنطقة، مما يهدد الاستقرار الأمني.


...في خطوة بارزة، أعلنت بولندا في نهاية عام 2023 عن إنشاء بولمارفور (القوات البحرية البولندية) كقيادة بحرية إقليمية جديدة. ستتولى هذه القيادة مسؤولية العمليات البحرية لحلف الناتو في بحر البلطيق ابتداءً من 2028. في الوقت ذاته، بدأت الولايات المتحدة بنشر مجموعة حاملة الطائرات النووية "يو إس إس جيرالد فورد" في بحر الشمال، ما يرفع من مستوى التوترات في المنطقة.

 

من جهة أخرى، روسيا أظهرت جاهزيتها العسكرية عبر تنفيذ مناورات "زاباد-2025"، بحيث شنّت مقاتلات "سو-30 إس إم" ضربات صاروخية ضد أهداف معادية في البحر. هذه المناورات تشير إلى عزم روسيا على تعزيز تواجدها في بحر البلطيق والرد على التهديدات الغربية.

 

روسيا تجد نفسها مرة أخرى في موقف مواجهة مع التحالفات الغربية (أ ف ب)
روسيا تجد نفسها مرة أخرى في موقف مواجهة مع التحالفات الغربية (أ ف ب)

 

في تصريحه في أيار/ مايو 2023، حذر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك من أن بحر البلطيق قد يتحول إلى "ساحة مواجهة هجينة دائمة" بين روسيا والناتو. هذا التصريح يعكس القلق المتزايد من أن البحر قد يصبح نقطة صراع مفتوح بين القوى الكبرى.

 

بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، أصبح بحر البلطيق عملياً "بحيرة للناتو"، بحيث تُسيطر تسع دول على معظم المياه الإقليمية في المنطقة. هذا يعزل روسيا، التي تقيد دخولها إلى البحر عبر خليج فنلندا ومنطقة كالينينغراد. من جهة أخرى، دخول المدمرة الأميركية "بول إغناطيوس" إلى البحر في حزيران/ يونيو 2024، مع قدرة صواريخها توماهوك على الوصول إلى عمق الأراضي الروسية، يزيد من تعقيد الوضع ويزيد من احتمال التصعيد العسكري في المنطقة.

 

التاريخ يعيد نفسه: التنافس على بحر البلطيق

إن ما يحدث في بحر البلطيق اليوم ليس بالأمر الجديد؛ فقد عرفت المنطقة على مر العصور العديد من الصراعات الكبرى التي شهدت تدخل قوى إقليمية وعالمية. ففي أوائل القرن الثامن عشر، كانت حرب الشمال العظمى (1700-1721) نقطة فارقة بين روسيا والسويد. عندئذ، بعد هزيمة السويديين، استطاعت روسيا فرض هيمنتها على بحر البلطيق، لتصبح القوة الرئيسية في المنطقة. وهذا التحول التاريخي كان مرتبطاً بتطلعات روسيا في الوصول إلى بحر مفتوح وآمن تستخدمه في التجارة والاستراتيجية العسكرية.

 

اليوم، يعيد التاريخ نفسه لكن بصيغة جديدة: روسيا تجد نفسها مرة أخرى في موقف مواجهة مع التحالفات الغربية التي تسعى للهيمنة على بحر البلطيق. ومن ثم، فإن البحر الذي طالما كان رمزاً للقوة البحرية الروسية، يُعد اليوم محوراً استراتيجياً في التنافس الجيوسياسي بين الشرق والغرب.

 

روسيا والمستقبل العسكري في بحر البلطيق


روسيا تواجه تحديات استراتيجية في بحر البلطيق. أحد الخيارات أمامها هو تعزيز وجودها العسكري في بحر البلطيق من خلال نشر الأسلحة المتطورة مثل الصواريخ المضادة للسفن والطائرات العسكرية. كما قد تزيد من تعزيز تواجدها في كالينينغراد، وهو موقع استراتيجي يساعدها على توجيه العمليات العسكرية في البحر.

 

من ناحية أخرى، قد تتجه روسيا إلى تطوير طريق البحر الشمالي، وهو مسار تجاري بحري يربط بين روسيا والصين. في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت الحكومة الروسية عن خطة لتطوير مركز أرخانجيلسك للنقل حتى عام 2035، وهو ما سيعزز قدرة روسيا على الوصول إلى أسواق جديدة عبر البحار الخالية من الجليد.

 

إن تصاعد المواجهة العسكرية في بحر البلطيق يمثل نقطة تحول في تاريخ التنافس الإقليمي والدولي. مع التزايد المستمر في الأنشطة العسكرية لروسيا وحلف الناتو، قد يتحول بحر البلطيق إلى نقطة ساخنة تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي. من خلال المناورات العسكرية والوجود العسكري المتزايد، يسعى كل طرف الى تحقيق هيمنة استراتيجية في منطقة حيوية. وفي المستقبل القريب، قد نرى تحولاً في القوة العسكرية في المنطقة بحيث يصبح بحر البلطيق نقطة ارتكاز للصراع بين القوى الكبرى، وهو ما سيشكل بلا شك مصيراً مهماً للمنطقة بأسرها.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان