آراء 02-10-2025 | 04:05

ممر ترامب الذي قد يشعل القوقاز

"زنغزور" ليس مجرد طريق على الخريطة، بل عقدة جغرافية تحمل في طياتها أسئلة عن توازن القوى في القوقاز، وعن شكل العلاقات بين الشرق والغرب في السنوات المقبلة. السؤال الأهم: هل سيُعبد هذا الممر بالإسفلت والحديد… أم بالألغام السياسية؟
ممر ترامب الذي قد يشعل القوقاز
ترامب أراد لحظة تاريخية توثق صورته كـ"صانع سلام"، خلال توقيع اتفاق بين باكو ويريفان (أ ف ب)
Smaller Bigger

في مشهد استثنائي على مائدة البيت الأبيض، صافح الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، تحت ابتسامة عريضة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، معلنين عن اتفاق تاريخي يفتح "ممر زنغزور" أو كما أطلق عليه ترامب شخصياً، "طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين". وبموجب الاتفاق ستحصل الولايات المتحدة على حقوق تطوير هذا الممر الاستراتيجي عبر جنوب القوقاز. 

لحظة صيغت على أنها بداية عهد من التعاون في جنوب القوقاز، لكنها تحمل في طياتها بذور تحوّل جيوسياسي قد يعيد رسم الخريطة أكثر مما يعيد رسم طرق التجارة.

 

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، ظل جنوب القوقاز مسرحاً لصراع متجدد بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورني كاراباخ والمناطق المحيطة به، وهو نزاع بدأ بحرب دامية في التسعينات انتهت بسيطرة أرمينيا على الإقليم وأراضٍ أذرية واسعة. لكن حرب 2020 غيّرت المعادلة، إذ استعادت باكو معظم تلك الأراضي بدعم تركي مباشر، بينما لعبت روسيا دور الضامن لوقف النار عبر قوات حفظ سلام في الإقليم.

 المواقف الدولية عكست خطوط التحالفات الإقليمية؛ تركيا وقفت بحزم مع أذربيجان، فيما اعتمدت أرمينيا على التحالف التاريخي مع موسكو، رغم فتور العلاقات لاحقاً بسبب اتهامات يريفان لروسيا بعدم الوفاء بالتزاماتها الأمنية.

 إيران، التي تخشى أي تغييرات جيوسياسية تمس حدودها الشمالية، عارضت بشدة أي ممر يقطع اتصالها المباشر بأرمينيا، بينما وجدت واشنطن والاتحاد الأوروبي في باكو شريكاً لخطط تنويع إمدادات الطاقة وتقليص النفوذ الروسي. 

 

 

نقطة تفتيش حدودية بين أرمينيا وأذربيجان. (أ ف ب/ أرشيف)
نقطة تفتيش حدودية بين أرمينيا وأذربيجان. (أ ف ب/ أرشيف)

 

في هذا المشهد المعقد، تحوّل "ممر زنغزور" من مجرد مشروع بنية تحتية إلى عقدة استراتيجية تلتقي عندها مصالح وتناقضات اللاعبين المحليين والدوليين.

ممر زنغزور، الشريط البري الذي يربط أذربيجان الرئيسية بجيب نخجوان عبر أراضي أرمينيا، ليس مجرد طريق إسفلتي أو خط سكك حديد، إنه جسر بين آسيا وأوروبا، طريق بديل من المسارات التي تمر عبر روسيا، وورقة نفوذ ضخمة في يد من يسيطر عليه. بالنسبة لباكو وأنقرة، هو مكسب استراتيجي واقتصادي، بالنسبة لإيران وروسيا، هو تهديد مباشر وخسارة لموقعهما التقليدي في معادلة الممرات.

المستفيدون واضحون، واشنطن تحصد موطئ قدم استراتيجياً في قلب القوقاز، وتعيد رسم خريطة التجارة والطاقة بما يخنق موسكو وطهران. أذربيجان تنال ممراً آمناً نحو تركيا، وتغلق ملف كاراباخ لصالحها.

أما الخاسرون، فهم أيضاً بلا لبس، روسيا التي اعتادت أن تكون الوسيط والحارس في القوقاز، ستجد نفسها أمام واقع جديد يقلص دورها العسكري والسياسي، وتفقد ورقة الضغط على أرمينيا. ورئيس الوزراء الأرمني باشينيان، الذي يواجه ضغوطاً داخلية، قد يسوق الممر كصفقة سلام وفرصة اقتصادية، ولو على حساب إرث قومي حساس، لكنه يدرك أن جزءاً كبيراً من الشارع الأرمني ما زال يحمل جروح النزاع مع أذربيجان وتركيا. وأي خطوة باتجاه فتح الممر تحت إشراف خارجي قد تفتح الباب أمام احتجاجات واسعة، خصوصاً إذا ارتبطت باتهامات ببيع السيادة أو تهميش المصالح الوطنية، وإيران التي لطالما قدّمت نفسها طريقاً بديلاً للتجارة، ترى في الممر محاولة لتطويقها اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن القلق من أي وجود أمني غربي أو تركي قرب حدودها الشمالية.

المفارقة أن الممر يمكن أن يكون إما جسراً نحو استقرار اقتصادي أكبر، وإما فتيلاً لتوترات إقليمية. إذا جرى تنفيذه بشفافية، مع ضمانات لاحترام سيادة أرمينيا ومصالح الجيران، فقد يصبح رافعة للتجارة والاستثمار. أما إذا تحوّل إلى أداة نفوذ سياسي في يد قوة واحدة، فإنه قد يشعل سباقاً للهيمنة بين أنقرة وطهران وموسكو وواشنطن، مع ما يحمله ذلك من مخاطر.

في المحصلة، "زنغزور" ليس مجرد طريق على الخريطة، بل عقدة جغرافية تحمل في طياتها أسئلة عن توازن القوى في القوقاز، وعن شكل العلاقات بين الشرق والغرب في السنوات المقبلة. السؤال الأهم: هل سيُعبد هذا الممر بالإسفلت والحديد… أم بالألغام السياسية؟

يبقى القول، أن ترامب أراد لحظة تاريخية توثق صورته كـ"صانع سلام"، خلال توقيع اتفاق انهى نزاعاً استمر لأكثر من 35 عاماً بين باكو ويريفان، لكن في جغرافيا كالقوقاز، السلام لا يُصنع بالمصافحات وحدها. ممر زنغزور قد يربط القارات، لكنه أيضاً قد يربط أزمات متفرقة بخيط واحد قابل للاشتعال في أي لحظة.

 

*باحث ومستشار سياسي 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".