آراء 01-10-2025 | 04:08

الطاقة كسلاح جيوسياسي: صراع المصالح بين موسكو وواشنطن

يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة صراع حادّ، لا مكان فيها للحلول الوسطى أو الحياد. وحدها الاتفاقات القائمة على توازن المصالح، لا على منطق الهيمنة، قد تفتح الباب لتفاهمات واقعية في عالم يتغيّر بسرعة.
الطاقة كسلاح جيوسياسي: صراع المصالح بين موسكو وواشنطن
موسكو-واشنطن وصراع المصالح (أ ف ب)
Smaller Bigger

د. خالد العزي*

 

 

ترفض روسيا المبدأ الأميركي القائم على "التعامل بالقوة"، في ظل صراع متصاعد على مستقبل العلاقات الدولية وموارد الطاقة. هذا الصراع، الذي يُفترض أن يكون اقتصادياً، أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقضايا الحرب والسلام في أوكرانيا، الشرق الأوسط وغيرهما من المناطق المتوترة. خلف هذا المشهد العلني، تتحرك الأطراف بحذر، وتُعقد تفاهمات سرّية تقودها المصالح لا المبادئ.

 

ازدواجية الخطاب الأميركي: بين السوق والسياسة

يتضح انقسام المواقف الأميركية على الساحة الدولية. فمن جهة، يهاجم دونالد ترامب السياسات البيئية الأوروبية، ساخراً من الطاقة البديلة، مفسحاً المجال أمام النفط والغاز الأميركيين. ومن جهة أخرى، يمارس ضغوطاً قوية على الأوروبيين لوقف الاعتماد على الطاقة الروسية، بحجة أن ذلك يدعم الحرب في أوكرانيا.

 

تسعى واشنطن خلف الكواليس لإبقاء قنوات التعاون مع موسكو مفتوحة. (أ ف ب)
تسعى واشنطن خلف الكواليس لإبقاء قنوات التعاون مع موسكو مفتوحة. (أ ف ب)

 

لكن الواقع أكثر تعقيداً؛ فحتى أوكرانيا، التي تطالب بعقوبات أقسى على موسكو، تستورد الغاز الروسي بشكل غير مباشر عبر دول أوروبية. هذا يعكس أن القضية تتجاوز الأمن لتصل إلى صراع على الحصص والأسواق.

الطاقة بين التعاون والمواجهة

رغم الخطابات الصدامية، تسعى واشنطن خلف الكواليس لإبقاء قنوات التعاون مع موسكو مفتوحة. مشاريع مثل تسويات "إكسون موبيل"، واستئناف أعمال "روسنفت" في سخالين، وترميم خط "نورد ستريم" المتضرّر، جميعها مؤشرات على محاولات أميركية لإعادة ترتيب العلاقات الطاقية.

فالولايات المتحدة تدرك أن إخراج روسيا بالكامل من السوق الأوروبية ليس خياراً واقعياً، إذ ستؤدي الأسعار المرتفعة إلى تقليل الطلب، بينما مواردها لا تكفي لتغطية حاجات أوروبا ومنافسة روسيا في آسيا في الوقت ذاته.

المخاوف الأميركية من التحالفات الشرقية

من الناحية الجيوسياسية، يشكل التقارب الروسي–الصيني، ولا سيما في مشاريع الطاقة، تحدياً كبيراً لواشنطن. مشاريع كـ"قوة سيبيريا 2"، وما يرتبط بها من بنى تحتية، تُعزز من الابتعاد الروسي عن الغرب.

كذلك تخشى الولايات المتحدة من تشكّل تحالف جديد بين روسيا وقطر وربما إيران، لإنشاء كارتل للغاز يُعيد تشكيل أسواق الطاقة على غرار "أوبك+". ولهذا، تحاول واشنطن تقديم عروض تقنية واقتصادية لاستمالة موسكو وإدخالها في ترتيبات طاقية جديدة بشروط أميركية.

موسكو ترفض الشروط الأميركية

جوهر الأزمة يكمن في أن واشنطن تحاول فرض شراكة من موقع القوة، عبر مبدأ "السلام من خلال القوة". لكن موسكو ترفض هذا المنطق. فهي لن تقبل بدور ثانوي، ولن تسمح بتحكم أميركي في منافذ تصدير الغاز إلى أوروبا، كما لن تتخلى عن أسواقها الآسيوية.

ترى روسيا أن زمن الهيمنة الأميركية المطلقة قد انتهى، وأن أي تعاون مستقبلي يجب أن يقوم على المساواة وتوازن المصالح، لا على الإملاءات.

العالم أمام مرحلة جديدة: لا حوارات بالإكراه

في المشهد الختامي لهذا الصراع، يتضح أن المواجهة لم تعد تقتصر على خطوط الأنابيب أو الأسواق، بل باتت تدور حول من يضع قواعد النظام العالمي الجديد. موسكو تحاول إيصال رسالة حاسمة: لا يمكن فرض السلام أو التجارة بالقوة. لقد انتهى عهد الحوارات من طرف واحد، وبدأت مرحلة التفاهمات المتوازنة المبنيّة على احترام السيادة.

وبينما تواصل موسكو الدفاع عن حقها في قراراتها الاقتصادية والسيادية، تصعّد واشنطن من ضغوطها. تتجه الإدارة الأميركية نحو فرض عقوبات أشد على قطاع الطاقة الروسي، ركيزة الاقتصاد الروسي.

وفي هذا السياق، تركّز واشنطن على تفكيك "أسطول الظلّ" الروسي، المكوّن من حوالي 900 سفينة تُستخدم لتجاوز العقوبات وتصدير النفط والغاز عبر قنوات غير رسمية. هذه الخطوة تكشف عن انتقال المعركة من الخطابات السياسية إلى إجراءات تنفيذية تستهدف تقويض البنية الطاقية الروسية وشلّ أدواتها في السوق.

في النهاية، يبدو أن العالم يتجه نحو مرحلة صراع حادّ، لا مكان فيها للحلول الوسطى أو الحياد. وحدها الاتفاقات القائمة على توازن المصالح، لا على منطق الهيمنة، قد تفتح الباب لتفاهمات واقعية في عالم يتغيّر بسرعة.

- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
اقتصاد وأعمال 9/29/2025 10:48:00 AM
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا.
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟ 
النهار تتحقق 9/30/2025 9:34:00 AM
العماد رودولف هيكل ووفيق صفا جالسين معاً. صورة قيد التداول، وتبيّن "النّهار" حقيقتها.