جدار المسيّرات الأوروبي... بداية دفاع جديد أم جدار من ورق؟

أعلن الاتحاد الأوروبي خلال أيلول/ سبتمبر 2025 عن إطلاق مشروع "جدار الطائرات بدون طيار" على طول جناحه الشرقي. خطوة بدت للبعض كإشارة إلى بداية عهد جديد في الدفاع الأوروبي.
الواقع أن المشروع جاء كرد فعل على سلسلة خروقات روسية غير مسبوقة للمجال الجوي الأوروبي، من مسيّرات ـ خلال شهر أيلول/ سبتمير 2025 وما قبلها ـ عبرت أجواء بولندا إلى تعطيل مطارات في الدنمارك والسويد ودول أخرى.
هذه الحوادث تعكس، بأن أوروبا ليست مستعدة بعد لمواجهة حرب الطائرات المسيرة، وهي الحرب التي باتت ترسم معادلات القوة الحديثة. بولندا استخدمت صواريخ بمليارات الدولارات لإسقاط مسيّرات زهيدة الثمن، والدنمارك اعترفت بغياب دفاع جوي أرضي فعال. هذا وحده يكفي لتوضيح حجم الفجوة بين التهديد والقدرات المتاحة.
المفوضية الأوروبية حاولت إضفاء طابع استراتيجي على المشروع، مؤكدة أن الجدار سيكون أحد أعمدة مراقبة الجناح الشرقي، إلى جانب "جدار بري" و"جدار بحري".
لكن السؤال الجوهري يظل قائماً: هل يملك الاتحاد القدرة على تحويل هذه الأفكار إلى واقع؟
إن التنسيق بين عشر دول بمستويات مختلفة من القدرات العسكرية والاقتصادية ليس أمراً سهلاً، والتمويل المطلوب لتطوير رادارات وأجهزة تشويش وأنظمة اعتراض متطورة لا يبدو مضموناً في ظل أزمات الطاقة والاقتصاد التي تعصف بأوروبا.
الأمر الآخر هو التداخل مع الناتو، فمنذ سنوات يحاول الاتحاد الأوروبي أن يثبت قدرته على العمل بشكل مستقل دفاعياً... ولكن أي منظومة دفاعية أوروبية لن تنجح من دون تكامل مع الناتو، ما يجعل الحديث عن الاستقلالية الدفاعية أقرب إلى طموحات سياسية منه إلى خطط عملية.
حتى أوكرانيا، التي دعيت للمشاركة بحكم تفوقها في صناعة الطائرات المسيّرة، تكشف التناقضات الأوروبية. فالاتحاد يريد الاستفادة من خبراتها التكنولوجية الهائلة، لكنه لا يزال متردداً في إدماجها كشريك دفاعي كامل. النتيجة هي شراكة معقدة تعكس الحذر الأوروبي في اتخاذ خطوات جريئة.
من هنا، يمكن القول إن "جدار الطائرات بدون طيار" قد يكون في أحسن الأحوال مبادرة رمزية تبعث برسالة سياسية إلى موسكو بأن أوروبا تتحرك بشكل موحد. لكنه قد يتحول إلى مشروع غير ناجح، بسبب الخلافات الداخلية وتعقيدات التمويل والتنسيق مع الناتو.
في النهاية، لا يُقاس نجاح المشروع بما يُعلن على الورق، بل بقدرته الفعلية على حماية أجواء القارة من تهديدات المسيّرات. وحتى الآن، تبدو الفجوة بين الطموح والواقع واسعة. أوروبا تتحدث عن الاستقلالية الدفاعية منذ سنوات، لكنها ما تزال عالقة في اعتماد شبه كامل على حلف الناتو. وربما السؤال الحقيقي لا يتمحور حول نجاح جدار الطائرات بدون طيار، بل هل سيكون هذا الجدار أكثر صلابة من جدار الورق الذي كُتب عليه؟
*باحث في الأمن الدولي
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.