آراء 30-09-2025 | 03:53

خريف مضطرب بعد صيف حزين

يترقبُ لبنان عصرونية المصائب، ويرى غسق المَغيب بأمِّ العين رغم الرياح الهوجاء والغيوم الكالحة التي تتبرَّم في أجوائه وفي السماء، فالمسافة بين المساء والفجر قصيرة...
خريف مضطرب بعد صيف حزين
دخان متصاعد جراء غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أ ف ب)
Smaller Bigger

صيفُ لبنان كان حزيناً، ولم يكن على قدر آمال المُراهنين، رغم الاستقرار النسبي الذي تعيشه البلاد.

 

مرت أيامه عساً، تأكُل من رماد الحريق، وتشرب من كأس الشّح، وقد ذبلت السواقي، وجفت الينابيع من ندرة المطر، بينما المسيَّرات تروح وتجيء، تبحثُ عن الطرائد والضحايا على مقاعد المدارس، وبين سيارات ودراجات المدنيين؛ ففي ثقافتها القاتلة، لا بأس في أن يموت الأبرياء خطأ، ولا فرق بين دماء الضحايا. ورصاص العدوان لا يفرِّق بين دم الباشق ودم العصفور، بينما الباشق ينتقمُ من فرح الحساسين الذين يرفضون ثقافة الموت وينشدون الحياة. 

 

بدأت سنونوات الخريف تمرُّ في سماء لبنان، قادمة من شمال العالم البارد نحو جنوبه الدافئ، مروراً فوق غزَّة الجريحة، يُحمِّلها اللبنانيون رسائل حب ومشاعر أخوَّة، وصلوات فيها الترحّم على الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والشبان المُعذبين بين ركام المنازل وعلى الطرقات المهشمة المُخيفة. آهٍ كم هو الفرق كبير بين طائرات الموت الإسرائيلية، التي تزرع الرعب وتنشر الدمار، وبين طيور الوروار والقيقب التي تقتات من الحشرات الضارة الهالكة، وتبعث على الوئامِ والنظامِ والسلام!

 

الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس (أ ف ب)
الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس (أ ف ب)

 

كم كان صيف لبنان حزيناً، يستقبل مبعوثاً ويودع مبعوثاً. وبين الزيارة والزيارة، تهب الرياح الساخنة من تصريحات وخطابات تتغذّى من لغة خشبية، لا تعرف الفرق بين المصالح الشخصية والفئوية والمحورية وبين مصالح الأمة والوطن. وصورُ اللقاءات تملأ الشاشات والمساحات، بينما النتائج تبكي بين سطور أوراق البيانات التي ملأت الأدراج والخزائن.

 

انتظر الجبل محبّيه فلم يأتوا. وانتظر الأرز زواره، فلم يأتوا. ورمول الشواطئ تبكي، ودموعها تسيرُ كالنهر إلى البحر، بينما أشجار الجنوب تنوح مثل اليمام الفاقد، تنادي أهلها والأحبة، وتجاوبها أصوات الغدر المتوحشة من بين الدبابات المُجرمة التي تتمركزُ على التلال المحتلة الخمس. أما شمال لبنان الساحر، فغدا مسحوراً من شدَّة السكينة، وأهله يأنون تحت وطأة الحاجة والركود. وبقاع القمح والعز والعنب يذرف ندى، ويذرف دماً، وعواميد بعلبك في وحشةٍ، وتكاد تكون مخطوفة، وقد تعِبت من الدعاء لسلامة واستقرار سهل الخير والعطاء.

 

آهٍ يا بيروت كم أنت عظيمة، صامدة وصابرة وصامتة، يعبرُ في سمائك الخفافيش في الظلام الدامس، وأنت تكتبين للعالم قصة النجاح رغم الجراح، تنتظرين على حافة البحر مرور السقم مع الأمواج الصيفية المُسافرة، وتبحثين عن العزّ والوئام، بينما يتلصلص الوحوش على صخرتك الباسقة الجميلة، وعلى خيزرانية خسرك الساحر! يعذرك مُحبوك لأنك لم تنتصري لاستقبالهم على أحسن حال، ولكنهم سيأتون يوماً إليك لا محال، فلا بديل لهم عنك على البسيطة، وحبك لهم ولهنَّ يكبرُ على كلِ حال، وشُجيرات الياسمين والزيتون صامدات بين مفارق الأزقة العتيقة، وعلى أرصفة الشوارع المُرمَّمة من فلس القلّة بعد الانهيار.

 

كان ينقص صيف لبنان الحزين رائحة موت جاءت من بين دساكر الأخوة والأبرياء في سوريا الغالية، وفي حوران الحبيبة، وكادت نيران منتصف تموز/يوليو في سويدائها الغريقة تصل إلى ربوع الوطن الرسالة، فشراكة الحبيب مع الحبيبة غالباً ما تكون في الغُرم وليس في الغِنم، ولبنان لا يألو جهداً في المساهمة بإطفاء الحريق، حتى ولو كان على شفير الغرق.

 

 يترقبُ لبنان عصرونية المصائب، ويرى غسق المَغيب بأمِّ العين رغم الرياح الهوجاء والغيوم الكالحة التي تتبرَّم في أجوائه وفي السماء؛ فالمسافة بين المساء والفجر قصيرة، تستهلكُها راحة المُتعبين، وأمل الصابرين لم ينقطع، والرجاء واقفاً على معصميه، كلّهُ أملٌ بعضد الأخوة، وفزعة الأصدقاء. لقد طال الانتظار، ودار الزمان دورته على وطن الأرز، فتحمَّل من الأعداء ومن الأصدقاء ومن الأبناء ما لا يتحملهُ وطنٌ آخر، ولكنه سيعود حكماً إلى برج العافية والعلاء، فلبنان وجد ليبقى ولن يموت.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟