آراء 26-09-2025 | 14:36

كيف تُحقق الأحلام في زمن الأوهام؟

 ينتمي الفيلم، إلى فئة (التراجيكوميديا) ، و يفتح نقاشاً حول قضايا معاصرة مثل: التنمر الرقمي، الانفصال عن الواقع، الإدمان، الانتحار، وقرصنة الخصوصية. 
كيف تُحقق الأحلام في زمن الأوهام؟
عالم السوشيل ميديا (مواقع)
Smaller Bigger

الدكتور مصطفى سلامة 

 

 يُقدّم فيلم "كذبة كبيرة" (2023) للمخرج اللبناني نديم مهنا معالجة درامية ساخرة لهوس السوشيل ميديا، كاشفاً كيف تحولت المنصات الرقمية إلى سوق للأوهام، في زمن غلبت فيه الصورة على الحقيقة، من خلال شخصية "فوكسي" (فؤاد يمين)، بائع الانتصارات الوهمية، والصحافية (هبة نور) التي تحاول فضح زيف هذا العالم.

 

 يُسلط الفيلم الضوء على وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تُباع فيها الشهرة وتُشترى المتابعات، بينما تُهمل القيم ويُحرّف الواقع، ينتمي الفيلم، إلى فئة (التراجيكوميديا) ، و يفتح نقاشاً حول قضايا معاصرة مثل: التنمر الرقمي، الانفصال عن الواقع، الإدمان، الانتحار، وقرصنة الخصوصية. 

 

 

وفي لحظة درامية فارقة، يدمّر البطل أدوات الوهم صارخاً " الجمهور ليس ضحية فقط، بل شريك في صناعة الكذبة"،   وهنا يترك الفيلم المشاهد أمام سؤال مفتوح: من يملك السيطرة؟ نحن أم خوارزميات الوهم؟..

 

هذا السؤال يزداد إلحاحاً مع لغة الأرقام، فوفق دراسة صادرة في ديسمبر 2024 عن شركتي "ملتووتر و وي آر سوشال" بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من خمسة مليارات شخص، أي ما يعادل 62.3% من سكان العالم، بمعدل نمو سنوي 5.6%، وهو أعلى بثلاثة أضعاف من معدل النمو السكاني العالمي، لكن هذا التوسع السريع لم يأتِ بلا ثمن، إذ تفاقمت ظاهرة "الوهم البصري للنجاح"، حيث تُعرض حياة مثالية بعيدة عن الواقع، تُزرع معها المقارنات السلبية، ويزداد معها الاكتئاب وعدم الرضا بين فئات الشباب والمراهقين.

 

لقد تحولت صناعة المحتوى الزائف إلى صناعة موازية للحقيقة، صور لبذخٍ ورفاهية مصطنعة تدفع الشباب إلى مطاردة أحلام زائفة، دون تقدير للجهد أو الزمن أو الإمكانات، ما يؤدي إلى أزمات نفسية واجتماعية خطيرة، فالنجاح الرقمي لا يعني بالضرورة النجاح الحقيقي الماثل أمام أعيننا.

 

ومن هنا تبرز الحاجة لإعادة تعريف النجاح، بعيداً عن مقاييس الأرقام الباردة، وتمكين الشباب من صياغة أحلام واقعية تقوم على الشغف والعمل والمثابرة. وفي مواجهة هذا الطوفان من الصور الكاذبة، هناك ثلاث ركائز أساسية: الإيمان بالذات بعيداً عن ضجيج الإعجابات، التمسك بالأصالة وسط سيل المحتوى المكرر، وامتلاك عقلية التكيف بدلاً للاستسلام للتحديات.

خاتمة القول : "الحلم الحقيقي لا يُصنع على الخوارزميات، ففي زمن غزته الأوهام، لم يعد السؤال "كيف ننجح؟" .. بل "كيف لا ننخدع؟ ".. ، النجاح ليس وهجاً رقمياً عابراً، بل إرادة مستمرة، وعمل أصيل، وصدق مع النفس والمجتمع، علينا أن نربي الأجيال القادمة على الحلم النظيف، لا البريق الوهمي، الأعمال العظيمة لا تحتاج جمهوراً ليكبر، بل تحتاج وعياً، وشغفاً، وجرأة على البدء من الصفر.

 

إلى القائمين على الإعلام العربي: لم يعد الإعلام ترفاً بصرياً، بل بات ضرورة تستوجب استعادة دوره التربوي والثقافي، والمساهمة في إعادة بناء الوعي الجمعي  بعيداً عن المحتوى غير الحقيقي، من خلال تقديم نماذج مُلهمة، وتشجيع المعلومة الجادة التي توازن بين المتعة والمعرفة، إلى جانب تدريب الأجيال على مهارات التلقّي الواعي، فالإعلام لم يعُد مجرد أداة عرض، بل هو مسؤولية أخلاقية وثقافية تجاه المجتمع، وحارس للوعي في زمن يتهدده الوهم.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟