
الأمم المتحدة.
يكاد الفلسطينيون أن يُهزموا كلياً على المستوى العسكري في غزة فيما الضفة الغربية بدورها شبه ساقطة عسكرياً. في المقابل انتصر الفلسطينيون أخلاقياً من خلال اعتراف أكثرية دول العالم وأكثرية الشعوب بالدولة الفلسطينية.
أقول انتصروا أخلاقياً وليس سياسياً بعد. ذلك أن الانتصار السياسي يأتي مع قيام الدولة. فضلاً عن أن الفلسطينيين لم يربحوا الاعتراف بدولتهم عن طريق السياسة، أو الديبلوماسية بتعبير أصح. فلا السلطة الفلسطينية ولا "حماس" كانتا ناشطتين أو فاعلتين ديبلوماسياً، وقد فاقم الانقسام الفلسطيني عجزهما الديبلوماسي.
الوحشية الاسرائيلية التي لم تعد تجد أيّ تبرير لها، لا قانونياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً أمام العالم، هي التي حرّكت الشعوب قبل حكوماتها، هذه الشعوب التي تعاطفت أخلاقياً مع القتلى والجرحى ضد التدمير المنظّم الذي تقوم به اسرائيل، ما دفع الحكومات الى ترجمة هذا التعاطف ديبلوماسياً عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
بدا لي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وخصوصاً من الحكومات الأوروبية وشعوبها، كفعل "الاعتراف" أمام الكاهن بالخطايا التي يرتكبها الإنسان المسيحي، طالباً من الكاهن الغفران. ومثله مثل الاعتراف الكنسي، يحتاج هذا الاعتراف الى تكفير عن الذنوب ومتابعة على الأرض لتضميد الجروح التي تسببت بها الخطايا. فكيف اذا كانت هذه الجروح بحجم تدمير غزة والتحضير لتهجير أهلها بموازاة التصميم على ضم الضفة الغربية الى إسرائيل وتشجيع أهلها على الهجرة، ما يجعل من قيام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين مهمة شبه مستحيلة؟
الابادة الجماعية التي تطاول الفلسطينيين في غزة، ذكّرت الاوروبيين بلا شك بـ"الهولوكست"، أيّ بالمحرقة اليهودية، هذه المحرقة التي كانت السند الأخلاقي الأول لدعم قيام الدولة الاسرائيلية على الأرض الفلسطينية. وجاءت معها تهمة "اللاسامية" لكل من يتجرأ على انتقاد سياسات إسرائيل أو حقها بالوجود، كضامن أخلاقي فعل فعله في بلدان العالم ولاسيما الغربية منها.
هذه "اللاسامية"، التي لا تعني في الواقع اليهود وحدهم بل الشعوب السامية الأخرى وبينها الشعب الفلسطيني، ارتدّت على الاسرائيليين الذين يرتكبون اليوم "لاسامية" مماثلة لكن بحق الفلسطينيين، تشبه ما ارتكبته أوروبا بحقهم. لذلك لم يعد باستطاعة العالم ان يغض الطرف عن ابادة جماعية للفلسطينيين بحجة الوفاء لذكرى "الهولوكوست" اليهودي.
بهدف تحقيق مشروع الدولة يحتاج الفلسطينيون الى رؤية سياسية وديبلوماسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بعيدة المدى، يُتفق عليها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
أعتقد أن الأولوية اليوم هي لوقف عمليتي تهجير غزة وضم الضفة، حتى يبقى بعض الامل لقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين وليس خارجها، ويفترض ذلك على ما أعتقد أيضاً مقاربة متعددة الاتجاه:
- العمل على توسيع المبادرة السعودية - الفرنسية من أجل حلّ الدولتين لتصبح تحالفاً دولياً واسعاً يضم أكبر عدد من الدول، والاتفاق على خطة مشتركة وضاغطة، ديبلوماسية- اقتصادية - ثقافية- اخلاقية، لإجبار إسرائيل على التراجع عن مشاريعها.
- التنسيق مع الداخل الاسرائيلي والداخل الأميركي المعارضَين لسياسة نتنياهو وترامب بشأن فلسطين. إيقاف نتنياهو عند حدّه وربما إسقاطه يعتمد بالدرجة الاولى على المعارضتين الاسرائيلية والأميركية.
- الاستفادة القصوى، تنظيمياً وعبر بناء الشبكات، من التعاطف الأخلاقي الشعبي العالمي مع القضية الفلسطينية.
ليس تحقيق هدف الدولة سهلاً على الاطلاق ويحتاج الى الكثير من المعنويات ومن الصبر ومن العمل الهادف والمنظّم. لكن مجرد اعتراف العالم بدولة فلسطينية هو حدث من شأنه ان ينتشل كثيرين من الإحباط، فلسطينيين وعرباً خصوصاً. وهو بهذا المعنى يحتاج الى يوم احتفال من المؤمل ان تحدّده وتعلن عنه السلطة الفلسطينية.
الأهم من الاحتفال أن يقتنع الفلسطينيون بأنّ الاعمال العسكرية، الا في حدود الدفاع عن النفس، لم تعد تجدِي نفعاً اليوم، وهي قد تقلّص من الدعم العالمي الأخلاقي، وتؤدي خدمة عظيمة لوحشية إسرائيل التي تتغذى منها، كما تغذت من "طوفان الاقصى".
من الضروري الاعتراف بالدور المركزي للتعاطف الانساني الاخلاقي العالمي ولفعاليته في الآونة الأخيرة في مجال توسيع حجم الاعتراف بدولة فلسطين، وذلك على عكس الاعتقادات السابقة، خصوصاً في العلاقة مع الغرب وشعوبه التي تفاعلت بشكل كبير مع المأساة الفلسطينية، خصوصاً اذا قارنا ذلك مع تقاعس الحكومات والشعوب العربية والاسلامية. بمعنى آخر على شعب فلسطين والشعوب العربية أن يتصالحوا مجدداً مع منظومة "حقوق الانسان" العالمية بعد ان نبذوها كردة فعل على مواقف البلدان الغربية التي تدعو الى احترامها في العادة، لكنها تجاهلتها بعد "طوفان الاقصى" مباشرة.
والمرجو أيضاً من الفلسطينيين بناء سياساتهم المستقبلية بالاستناد الى هذا الانتصار الأخلاقي وبالتوافق مع قيمه. ما يقتضي مسبقاً حسم مسألة الوحدة الفلسطينية احتراماً لتضحيات شعبهم وانقاذاً لقضيتهم التي تحتاج الى رعاية بمستوى العناية الفائقة في المستشفيات.
وسيكون من الخطأ الاعتقاد، أن "طوفان الاقصى" هو الذي أعطى دفعاً للقضية الفلسطينية. فمباشرة بعده خسرت القضية الفلسطينية الكثير من التأييد على مستوى الحكومات وهيئات المجتمع المدني في العالم، في مقابل دعم متزايد لإسرائيل. ولم تستَعِد القضية الفلسطينية أهميتها الا بعد "الطوفان الاسرائيلي" الذي عاد وقلب الاتجاهات الحكومية والشعبية لتصبح ضده في معظم دول العالم.
أقول انتصروا أخلاقياً وليس سياسياً بعد. ذلك أن الانتصار السياسي يأتي مع قيام الدولة. فضلاً عن أن الفلسطينيين لم يربحوا الاعتراف بدولتهم عن طريق السياسة، أو الديبلوماسية بتعبير أصح. فلا السلطة الفلسطينية ولا "حماس" كانتا ناشطتين أو فاعلتين ديبلوماسياً، وقد فاقم الانقسام الفلسطيني عجزهما الديبلوماسي.
الوحشية الاسرائيلية التي لم تعد تجد أيّ تبرير لها، لا قانونياً ولا سياسياً ولا أخلاقياً أمام العالم، هي التي حرّكت الشعوب قبل حكوماتها، هذه الشعوب التي تعاطفت أخلاقياً مع القتلى والجرحى ضد التدمير المنظّم الذي تقوم به اسرائيل، ما دفع الحكومات الى ترجمة هذا التعاطف ديبلوماسياً عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
بدا لي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وخصوصاً من الحكومات الأوروبية وشعوبها، كفعل "الاعتراف" أمام الكاهن بالخطايا التي يرتكبها الإنسان المسيحي، طالباً من الكاهن الغفران. ومثله مثل الاعتراف الكنسي، يحتاج هذا الاعتراف الى تكفير عن الذنوب ومتابعة على الأرض لتضميد الجروح التي تسببت بها الخطايا. فكيف اذا كانت هذه الجروح بحجم تدمير غزة والتحضير لتهجير أهلها بموازاة التصميم على ضم الضفة الغربية الى إسرائيل وتشجيع أهلها على الهجرة، ما يجعل من قيام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين مهمة شبه مستحيلة؟
الابادة الجماعية التي تطاول الفلسطينيين في غزة، ذكّرت الاوروبيين بلا شك بـ"الهولوكست"، أيّ بالمحرقة اليهودية، هذه المحرقة التي كانت السند الأخلاقي الأول لدعم قيام الدولة الاسرائيلية على الأرض الفلسطينية. وجاءت معها تهمة "اللاسامية" لكل من يتجرأ على انتقاد سياسات إسرائيل أو حقها بالوجود، كضامن أخلاقي فعل فعله في بلدان العالم ولاسيما الغربية منها.
هذه "اللاسامية"، التي لا تعني في الواقع اليهود وحدهم بل الشعوب السامية الأخرى وبينها الشعب الفلسطيني، ارتدّت على الاسرائيليين الذين يرتكبون اليوم "لاسامية" مماثلة لكن بحق الفلسطينيين، تشبه ما ارتكبته أوروبا بحقهم. لذلك لم يعد باستطاعة العالم ان يغض الطرف عن ابادة جماعية للفلسطينيين بحجة الوفاء لذكرى "الهولوكوست" اليهودي.
بهدف تحقيق مشروع الدولة يحتاج الفلسطينيون الى رؤية سياسية وديبلوماسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بعيدة المدى، يُتفق عليها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
أعتقد أن الأولوية اليوم هي لوقف عمليتي تهجير غزة وضم الضفة، حتى يبقى بعض الامل لقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين وليس خارجها، ويفترض ذلك على ما أعتقد أيضاً مقاربة متعددة الاتجاه:
- العمل على توسيع المبادرة السعودية - الفرنسية من أجل حلّ الدولتين لتصبح تحالفاً دولياً واسعاً يضم أكبر عدد من الدول، والاتفاق على خطة مشتركة وضاغطة، ديبلوماسية- اقتصادية - ثقافية- اخلاقية، لإجبار إسرائيل على التراجع عن مشاريعها.
- التنسيق مع الداخل الاسرائيلي والداخل الأميركي المعارضَين لسياسة نتنياهو وترامب بشأن فلسطين. إيقاف نتنياهو عند حدّه وربما إسقاطه يعتمد بالدرجة الاولى على المعارضتين الاسرائيلية والأميركية.
- الاستفادة القصوى، تنظيمياً وعبر بناء الشبكات، من التعاطف الأخلاقي الشعبي العالمي مع القضية الفلسطينية.
ليس تحقيق هدف الدولة سهلاً على الاطلاق ويحتاج الى الكثير من المعنويات ومن الصبر ومن العمل الهادف والمنظّم. لكن مجرد اعتراف العالم بدولة فلسطينية هو حدث من شأنه ان ينتشل كثيرين من الإحباط، فلسطينيين وعرباً خصوصاً. وهو بهذا المعنى يحتاج الى يوم احتفال من المؤمل ان تحدّده وتعلن عنه السلطة الفلسطينية.
الأهم من الاحتفال أن يقتنع الفلسطينيون بأنّ الاعمال العسكرية، الا في حدود الدفاع عن النفس، لم تعد تجدِي نفعاً اليوم، وهي قد تقلّص من الدعم العالمي الأخلاقي، وتؤدي خدمة عظيمة لوحشية إسرائيل التي تتغذى منها، كما تغذت من "طوفان الاقصى".
من الضروري الاعتراف بالدور المركزي للتعاطف الانساني الاخلاقي العالمي ولفعاليته في الآونة الأخيرة في مجال توسيع حجم الاعتراف بدولة فلسطين، وذلك على عكس الاعتقادات السابقة، خصوصاً في العلاقة مع الغرب وشعوبه التي تفاعلت بشكل كبير مع المأساة الفلسطينية، خصوصاً اذا قارنا ذلك مع تقاعس الحكومات والشعوب العربية والاسلامية. بمعنى آخر على شعب فلسطين والشعوب العربية أن يتصالحوا مجدداً مع منظومة "حقوق الانسان" العالمية بعد ان نبذوها كردة فعل على مواقف البلدان الغربية التي تدعو الى احترامها في العادة، لكنها تجاهلتها بعد "طوفان الاقصى" مباشرة.
والمرجو أيضاً من الفلسطينيين بناء سياساتهم المستقبلية بالاستناد الى هذا الانتصار الأخلاقي وبالتوافق مع قيمه. ما يقتضي مسبقاً حسم مسألة الوحدة الفلسطينية احتراماً لتضحيات شعبهم وانقاذاً لقضيتهم التي تحتاج الى رعاية بمستوى العناية الفائقة في المستشفيات.
وسيكون من الخطأ الاعتقاد، أن "طوفان الاقصى" هو الذي أعطى دفعاً للقضية الفلسطينية. فمباشرة بعده خسرت القضية الفلسطينية الكثير من التأييد على مستوى الحكومات وهيئات المجتمع المدني في العالم، في مقابل دعم متزايد لإسرائيل. ولم تستَعِد القضية الفلسطينية أهميتها الا بعد "الطوفان الاسرائيلي" الذي عاد وقلب الاتجاهات الحكومية والشعبية لتصبح ضده في معظم دول العالم.
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال
10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان
10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان
10/7/2025 1:21:00 PM
النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت