آراء 24-09-2025 | 04:15

سوريا وروسيا: مسار جديد من التحالف... روسيا تطرح التعاون مع سوريا عبر النموذج الأفغاني 

هل ستتمكن دمشق، بقيادة أحمد الشرع، من تحويل الدعم الروسي من عبء تحالف إلى فرصة تاريخية لبناء الدولة والسيادة المستقلة؟
سوريا وروسيا: مسار جديد من التحالف... روسيا تطرح التعاون مع سوريا عبر النموذج الأفغاني  
الرئيس السوري أحمد الشرع ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (أ ف ب)
Smaller Bigger

د. خالد العزي*

 

 

تشهد العلاقات بين سوريا وروسيا تحوّلاً نوعياً مع وصول الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع إلى السلطة، في ظل مساعٍ روسية لتثبيت نفوذها عبر شراكات اقتصادية واستراتيجية متجددة. تأتي دعوة موسكو الرسمية للرئيس الشرع إلى زيارة العاصمة الروسية، منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، في إطار إعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية بعد رحيل النظام السابق.

 

تطالب موسكو دمشق بتعزيز التنسيق العسكري، والانفتاح على الاستثمارات الروسية، وتبنّي نظام مصرفيّ بديل للتغلب على العقوبات الغربية المفروضة عليها. يرى الخبراء أن هذا التقارب يعكس نموذجاً جديداً يستند إلى تجربة روسيا في أفغانستان، لكنه يتميز بشروط أوضح وتوازن أكبر بين الطرفين.

 

زيارة الشرع اختبار حقيقي للنوايا وفرصة نادرة لتحويل التحالف مع روسيا إلى مشروع استراتيجي. (أ ف ب)
زيارة الشرع اختبار حقيقي للنوايا وفرصة نادرة لتحويل التحالف مع روسيا إلى مشروع استراتيجي. (أ ف ب)

 

تُعدّ زيارة الشرع اختباراً حقيقياً للنوايا، وفرصة نادرة لتحويل هذا التحالف إلى مشروع استراتيجي فعّال ومستدام لسوريا ما بعد الحرب.

 

موسكو ترحب بالرئيس السوري الجديد: هل يستجيب الشرع للدعوة؟

 

منذ تسلّم أحمد الشرع مهامه رسمياً عقب سقوط النظام السابق، ظهرت مؤشرات على دفء جديد في العلاقة بين دمشق وموسكو. لم يقتصر هذا التطور على تبادل ديبلوماسي رفيع المستوى، بل تجلّى في زيارات مكثفة ومشاركة سورية موسّعة في القمة الروسية-العربية الأخيرة.

 

برز دور الشرع سريعاً، حيث تلقى دعوة رسمية من الكرملين لزيارة موسكو منتصف أكتوبر. تُعدّ هذه الزيارة فرصة لإعادة رسم ملامح التحالف بين الطرفين، وتحديد موقع سوريا في المعادلة الإقليمية الجديدة التي تشهد تحولات جذرية.

 

تسعى موسكو إلى تحويل دعمها السياسي والعسكري لسوريا إلى شراكة طويلة الأمد تقوم على المصالح الواقعية لا الشعارات. في هذا السياق، وضعت روسيا مجموعة مطالب واضحة، منها:

 

1-ضمان استقرار الوجود العسكري الروسي في سوريا، في قاعدتي طرطوس وحميميم.

 

2-فتح الاستثمارات أمام الشركات الروسية في قطاعات الطاقة والنقل والصناعة والإعمار.

 

3-تعزيز التنسيق السياسي والأمني في الملفات الإقليمية، خاصة مع تصاعد التوتر في الجنوب السوري.

 

4- تبني حلول مصرفية بديلة للعقوبات الغربية، كاستخدام بطاقات الدفع الروسية لفكّ العزلة المالية عن دمشق.

 

تعكس هذه المطالب تحولاً في الدور الروسي من مجرد حامي إلى شريك يسعى لعلاقة "ندية متوازنة" مع سوريا.

 

يقارن المحلّلون الروس ما يجري في سوريا بما حدث في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية، لكنهم يؤكّدون أن التجربة السورية تختلف من حيث الاستقرار والمردودية السياسية.

 

تسعى روسيا إلى تجنّب الغرق في الفوضى التي أعقبت الانسحاب الأميركي من أفغانستان، عبر بناء علاقة استراتيجية أكثر نضجاً، تقوم على السيطرة الذكية والدعم المشروط. تعزز موسكو وجودها البحري في المتوسط بتوسيع قاعدة طرطوس، إحدى أهم أوراق النفوذ الجيوسياسي.

 

يكمن الفرق الجوهري في موقع سوريا الاستراتيجي على البحر المتوسط وبنيتها المؤسسية الأكثر قابلية للتطويع، ما يجعل دمشق مركز ارتكاز حقيقياً للنفوذ الروسي الإقليمي، وليس مجرد ساحة نفوذ موقت. يعكس هذا فهماً روسياً متقدّماً بأن ملء الفراغ الأميركي وحده لا يكفي، بل يجب إنتاج نموذج مستقر ومستدام، وهو ما تراهن عليه موسكو عبر شراكتها مع النظام الجديد.

 

"أرض سيريوس": بوابة الاقتصاد والتكنولوجيا

 

 

منطقة "سيريوس" السريانية تمثل نموذجاً واعداً لمشاريع الاستثمار المشتركة بين دمشق وموسكو، وقد تتحول إلى مشروع إعادة إعمار متكامل تقوده روسيا.

 

يشير المسؤولون الروس إلى اهتمام متزايد بقطاعات الطاقة، وتقنيات السيليكون، والصناعات الدوائية، بالتوازي مع رغبة في إنشاء بنية تحتية رقمية ومصرفية قادرة على تجاوز العقوبات المفروضة على سوريا. تمثل هذه المنطقة بوابة حقيقية للاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الحرب.

 

هناك تحديات تعيشها سوريا الجديدة، أبرزها العلاقة مع إسرائيل، صياغة التحالف مع تركيا، المشكلات الداخلية، والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمالية.

 

لذلك تدرك موسكو أن نجاح أيّ تحالف مستقبلي يتطلّب تحرّكاً جدّياً من القيادة السورية الجديدة نحو إصلاحات حقيقية، لا مجرد تغييرات ظاهرية في الواجهة السياسية.

 

زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو ليست حدثاً بروتوكولياً عابراً، بل محطة استراتيجية حاسمة تُختبر فيها نوايا دمشق وقدرتها على بناء نموذج تحالف جديد قائم على المصالح الواقعية لا الشعارات.

 

روسيا التي تبحث عن شريك حقيقي بعد تجارب مريرة في بعض دول المنطقة، ترى في سوريا فرصة لإثبات نجاح نموذجها في إدارة الحلفاء. أما سوريا فهي بحاجة إلى دعم يحرّرها من الوصاية ويفتح باب الاستقرار وإعادة البناء.

 

ويبقى السؤال المركزي: هل ستتمكن دمشق، بقيادة أحمد الشرع، من تحويل الدعم الروسي من عبء تحالف إلى فرصة تاريخية لبناء الدولة والسيادة المستقلة؟

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟