هل أوروبا جاهزة لخوض حرب واسعة ضد روسيا؟

لم تعد أوروبا تعيش في رفاهية، فالحرب الروسية في أوكرانيا 2022 أيقظت هواجس قديمة، وأعادت إلى الطاولة السؤال: هل القارة العجوز جاهزة فعلاً لمواجهة تهديد روسي قد يتجاوز كييف إلى قلب أوروبا؟
ما يزيد الأمر تعقيداً، أن روسيا تستخدم أدوات الحرب الهجينة بكثافة: الهجمات السيبرانية ضد البنى التحتية الأوروبية، حملات التضليل الإعلامي، تسليح ملف الطاقة، ومحاولة زعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية عبر دعم الأحزاب الشعبوية واليمين المتطرف. هذا المزيج المعقّد يجعل التهديد الروسي أكثر خطورة، إذ لا يقتصر على ساحة المعارك بل يمتد إلى قلب الأمن الداخلي والسياسي والاقتصادي في أوروبا.
تجسّد الحرب الهجينة الروسية في أوروبا مروحة من الأدوات غير التقليدية التي تتجاوز ساحة القتال المباشر. فقد كثّفت موسكو من استخدام الطائرات المسيّرة للاستطلاع والضربات المحدودة في محيط البحر الأسود، فيما شهدت عدة عواصم أوروبية محاولات إرسال طرود بريدية مفخخة تستهدف سفارات أو مؤسسات حساسة كوسيلة للترهيب وإرباك الأجهزة الأمنية.
وإلى جانب ذلك، فعّلت روسيا ما يُعرف بـ"أسطول الظلّ" لنقل النفط والالتفاف على العقوبات الأوروبية، ما يشكل تهديداً مزدوجاً للأمن الاقتصادي والطاقي. أما في الفضاء الرقمي، فالهجمات السيبرانية الروسية أصبحت شبه يومية، تطال البنى التحتية الحيوية.
رغم الخطاب المتكرر عن "الاستقلالية الدفاعية الأوروبية"، فإن الواقع يكشف هشاشة واضحة في قدرات القارة من دون الدعم الأميركي. فالاتحاد الأوروبي يفتقر إلى مظلة ردع نووي مستقلة، وتعاني جيوشه من فجوات في التسليح والجاهزية اللوجستية.
مثلاً ألمانيا ما زالت في طور إعادة بناء جيشها بعد عقود من الانكماش العسكري، وفرنسا وحدها لا تستطيع حمل العبء الدفاعي للقارة، فيما تنظر دول أوروبا الشرقية بقلق إلى أيّ فكرة انفصال عن الناتو. هذا الاعتماد البنيوي على الولايات المتحدة يجعل الأمن الأوروبي رهيناً بمواقف البيت الأبيض، ويطرح تساؤلات جادة حول قدرة أوروبا على مواجهة تهديد روسي متصاعد إذا وجدت نفسها وحيدة في الميدان.
فبين ضغوط الداخل، والأزمات الاقتصادية، والانقسام بين دول الشرق والغرب، تبدو القارة العجوز بعيدة عن تحقيق الاكتفاء الأمني.
يقول أندريوس كوبيليوس، المفوّض الأوروبي الأول للدفاع والفضاء، عن استعداد أوروبا لمواجهة التهديدات الروسية، في مقابلة مع فريدريك كيمب بتاريخ 28 تموز/ يوليو 2025: "نحن غير مستعدّين، يوم X قادم، ويجب أن نرى الصورة بوضوح، التهديد الحقيقي من الرئيس الروسي بوتين وجيشه المدرّب والمجهز بملايين الطائرات المسيّرة".
تحاول فرنسا الترويج لفكرة أن تكون هناك مظلّة نووية أوروبية بالاشتراك مع بريطانيا، لكن الواقع يبيّن أن هذه المساعي تظل رمزية أكثر منها عملية. تمتلك فرنسا نحو 290 رأساً نووياً، وبريطانيا تملك تقريباً 225 رأساً نووياً أي ما مجموعه أقل من 520 رأساً موزعة أساساً على غواصات وصواريخ بحرية.
في المقابل، تحتفظ روسيا بترسانة هائلة تصل إلى نحو 5900 رأس نووي، منها أكثر من 1500 رأس استراتيجي جاهز للإطلاق الفوري. هذه الفجوة الضخمة تجعل من المستحيل على باريس ولندن أن تكونا بديلاً من المظلّة النووية الأميركية التي تعتمد عليها أوروبا منذ عقود. ومع أن مساعي فرنسا تعبّر عن رغبة في تقليل الارتهان لواشنطن، يُظهر ميزان القوة النووية أن أوروبا ستبقى بعيدة عن أي ردع مستقلّ قادر على موازنة موسكو بمفردها.
في ظل هذا المشهد، يبرز سؤال: هل أوروبا قادرة أصلاً على خوض حرب شاملة من دون واشنطن، أم كل حديث عن استعداد دفاعي مستقلّ هو مجرد خطاب سياسي للاستهلاك الداخلي؟
* باحث في الأمن الدولي
- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.