آراء 03-09-2025 | 04:55

قمة شنغهاي... بطاقة صفراء في وجه اللاعب الأميركي

قمة دول شنغهاي تعتبر صفعة سياسية وازنة للسياسة الأميركية، وهي بمثابة البطاقة الصفراء التي تحمل إنذاراً واضحاً للرئيس ترامب وقد تؤدي إلى توقيف مشاركته بين صفوف فريق اللاعبين الكبار، حتى ولو كان هو الأقوى بينهم. 
قمة شنغهاي... بطاقة صفراء في وجه اللاعب الأميركي
قمة شنغهاي حققت هدفاً مهماً في المرمى الأميركي. (سبوتنك/ أ ف ب)
Smaller Bigger

وجهت قمة "منظمة شنغهاي" التي انعقدت في أول أيلول/سبتمبر بمدينة تيانجين الصينية بطاقة إنذار صفراء للاّعب الأميركي القوي، وفي وقتٍ حساس من الشوط الأول الذي يقوده الرئيس دونالد ترامب شخصياً منذ بداية ولايته الثانية مطلع العام الجاري.

 

وقد حضر اجتماع القمة رؤساء الدول العشر كافة التي تضمهم المنظمة، إضافة إلى قادة الدول الـ16 المراقبين فيها، ومعهم 10 ممثلين لمنظمات دولية وازنة. وهي المرَّة الأولى التي يشارك فيها كل هؤلاء على المستوى الرفيع. والمفاجأة التي لم تكُن بالحسبان، هي حضور رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بعد شبه قطيعة مع الصين استمرَّت 7 سنوات.

ولعلَّ الصورة التي جمعت مودي مع الرئيسين الصيني تشي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، كانت الأكثر تأثيراً، وهي أحدثت صدمة عند صناع القرار في واشنطن، لأنها جاءت بعد جهود حثيثة بذلتها إدارة الرئيس ترامب لزيادة التباعد بين روسيا والصين من جهة، ولتطوير حالة الجفاء – أو العداء – التي كانت قائمة بين الصين والهند من جهة أخرى. وهذه الإدارة قدمت مُغريات كبيرة لموسكو، لا سيما في الملف الأوكراني، لتعزيز شراكة معها تُقلق بكين، وهي أيضاً أعطت الهند مكانة دولية مُتقدمة باعتبارها المنافس الأقرب للصين، لا سيما بعدما تخطتها في عدد السكان، وتربعت على المركز الأول في العالم لهذه الناحية.

 

مشاركة ناريندرا مودي تحمل دلالة مهمة. (أ ف ب)
مشاركة ناريندرا مودي تحمل دلالة مهمة. (أ ف ب)

 

قرار الهند تفعيل دورها في "منظمة شنغهاي" وقبلها في منظمة "بريكس" ليس مصادفة، بل نابعٌ من تصميمٍ مسبق، ويحمل رؤية جديدة فيها لوم للولايات المتحدة الأميركية على فرضها رسوماً بزيادة 50 بالمئة على الصادرات الهندية من جهة، ورفضاً لطلب الرئيس ترامب من نيودلهي التوقُف عن استيراد كميات هائلة من النفط والغاز الروسي وإعادة تصدير قسم منه للأسواق العالمية من جهة أخرى. وحضور مودي لقمة تيانجين أعطاها زخماً قوياً، برغم أهمية حضور الرؤساء الآخرين لها، لا سيما التركي والإيراني والصربي والسلوفاكي، لما لهم من خصوصية وازنة في هذه المرحلة الحساسة التي تمرُّ بها العلاقات الدولية.

تصرَّف الرئيس ترامب منذ تولية القيادة في واشنطن بالولاية الجديدة، كأنه رئيس للمنظومة العالمية، وليس فقط رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وقد شرَع في توزيع الأدوار للهيئات وللمناطق، وفرض مُقيدات جمركية وسياسية وعسكرية على العديد من الدول، ووصل الى حد الإعلان عن نيته إجراء تغييرات جيوسياسية، بما في ذلك شراء – أو ضمَّ – كيانات وجُزُر إلى السيادة الأميركية، وطالت إجراءاته الصديق والمنافس على حدٍ سواء، ولم يوفر حلفاءه في "الناتو" من الانتقادات والقيود، والتهديد أحياناً، وقد همَّش لهم دورهم في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط، وطلب منهم مُماشاة سياسة بلاده في العلاقة مع الصين والهند بما يتعارض مع مصالحهم الوطنية أحياناً.

مهما يكُن من أمر، فإن قمة دول شنغهاي تعتبر صفعة سياسية وازنة للسياسة الأميركية، وهي بمثابة البطاقة الصفراء التي تحمل إنذاراً واضحاً للرئيس ترامب، وقد تؤدي إلى توقيف مشاركته بين صفوف فريق اللاعبين الكبار، حتى ولو كان هو الأقوى بينهم. وهو كان قد بدأ بالِلّعب بالفرق مع الحلفاء ومع الأخصام، طمعاً بزيادة حجم تأثيره على الساحة الدولية، لا سيما مع دول شرق آسيا وأستراليا، وجيشه أجرى مناورات عسكرية متفرقة مع كل دولة على حدة، خصوصاً مع أستراليا واليابان والفليبين والهند، وفرض نمطية علاقة مختلفة مع كل منهم، لا تحمل معايير جمركية وأمنية واحدة.

قمة شنغهاي حققت هدفاً مهماً في المرمى الأميركي، وهي تؤشر إلى وضعية دولية مستقبلية مختلفة، ذلك أن الدول المشاركة فيها تمثل ما يقارب ثلث سكان العالم، ويبلغ حجم اقتصادياتها ما يزيد عن 24 بالمئة من الدخل العالمي. والقمة لا تغفل الجانب العسكري على الإطلاق، لأن غالبية الرؤساء المشاركين هم ضيوف على الاحتفال الذي ستقيمه بكين في ساحة تيان مين ويتخلله عرض عسكري ضخم، بمناسبة الذكرى 80 لنهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على اليابان، وسيشارك إلى جانبهم الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون للمرة الأولى، ولحضوره نكهة مُتميزة، كون بلاده تملك سلاحاً نووياً مُتطوراً، وهي على علاقة متوترة مع الولايات المتحدة الأميركية.

لا يمكن إنكار حجم قوة الولايات المتحدة الأميركية على الساحة الدولية، وهي اللّاعب الأقوى من دون منافس، ولكن اللّعب المنفرد لا يكفي لربح المباراة مهما كانت قدرة اللّاعب كبيرة، ولا بد من وجود فريق فيه توزيع للأدوار، لا سيما في حالات الدفاع، وفي الهجمات المعاكسة.

 

واشنطن القوية تعاني اختلالات وازنة، وقد تركت سياستها الحالية عدداً كبيراً من الفجوات التي يمكن استغلالها من الأخصام، فعلاقاتها مع حلفائها الأوروبيين في أدنى مستوى، وهؤلاء يأخذون على إدارتها الجديدة تهميش دورهم، وربما نهش مساحاتهم الجغرافية من خلال طلب ضم جزيرة غرينلاند الدنماركية العملاقة لها. والدول العربية تأخذ على إدارة ترامب تغطيتها للسياسة العدوانية الجائرة التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين والدول المجاورة لها، وهي تعارض حلّ الدولتين الذي أجمعت عليه دول العالم قاطبةً، والأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، تعاني التهميش بسبب الاستهداف الأميركي والعقوبات المفروضة عليها.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان