آراء 02-09-2025 | 00:37

المثقّف اللبناني ومسؤولية الغياب...!

هل يخرج الصوت الثالث ليذيع "بيان الحضور اللبناني الجديد" رأفة بلبنان وإنقاذاً للكيان، واحتراماً لكرامات الوطن، حيث كرامة الجزء من كرامة الكل، وكرامة الكل من كرامة الجزء؟
المثقّف اللبناني ومسؤولية الغياب...!
كان لافتاً جداً أن يغيب المثقفون وأن تختفي أدوارهم عن الساحة.
Smaller Bigger

جورج كلاس* 

 

هل يخرج صوت ثالث ليذيع بيان الحضور اللبناني الجديد؟ 

 

تَسليماً وإقراراً بخطورة واقعنا اللبناني المأزوم، فإن الأحوال  السياسية  الراهنة، هي من أخطر  أي زمنٍ مرَّ على هذا البلد. فالصعاب تتوالى، والنكسات تتناسل، والإحباطات تتكاثر، والمثقفون اللبنانيون غائبون ومستقيلون من مسؤولياتهم، أو  أنهم خائفون من أرائهم  حدَّ الارتعاب المُنظَّم وغير المُبَرَّر من اتخاذ موقف جريء من الأخطار المحدقة بمصير لبنان الجامع ،  أي الحرص على كرامة وكيانية كل جماعة لبنانية، من دون مفاضلة ولا استهداف ولا استضعاف، انطلاقاً من أن سلامة الكل هي من سلامة الجزء.

 

 إن دقة الحالة الراهنة والكثيرة التشظيات الانشطارية، تستدعي الكثير من اليقظة والتنبّه إلى ما يُحاكُ للبنان من حروب وفِتَنٍ، ومن قَتْلٍ لإرادة الحياة، وتجهيلٍ للكيانات الثقافية التي أمسى دعاتُها رهائن لدى "الأبواب العالية" التي  يحمل مفاتيحها ولاةُ كثر ، وتتحكم بقراراتها  مرجعيات أممية  ذات مقاصد مأربية وأهداف مستورة. وهذا ما يطرح إشكاليّة دور المثقف اللبناني وغيابه في هذا الزمن المشحون بجرائم التدمير المنهجي لكلّ المعالم الحضارية والتاريخية والمتنكِّرة لأَيِّ حِسٍّ قومي وشعورٍ إنتمائي صريح. 

ولعل من أكثر الأمور حضوراً في الواقع المأزوم، في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها  لبنان  اليوم، هي مأزقيّة المثَقّف الذي غاب وغُيِّب واختبأ خلف الحيادية، ما يؤشّر بقوة إلى حالة التردّي والانحدار التي وصل إليها مجتمعنا الفكري، بكلِّ اتجاهاته وانتماءاته وأهوائه، السياسية والغرائزية المُوَظّّفة لخدمة مستقبلٍ مجهول، وممنوع أَنْ نعرف عنه شيئاً،  وفق مقتضيات سِرِّ الطبخات السياسية التي تُعَدُ لنا. والمثقفون،  إما أنهم خائفون وإِمّا نيامٌ أَوْ مُخَدَّرون أو جبناء إستراتيجييون . 

 

السياسة تغيّب المثقفين؟
السياسة تغيّب المثقفين؟

 

 لقد كان لافتاً جداً أن يغيب المثقفون ، وأن تختفي أدوارهم عن الساحة، في زمن الأزمات المتناسلة والتي تتكاثر بشكلٍ مطرد ومن دون أُفُقٍ، نظراً لخطورة الوضع المتفجّر والذي بدأت تداعياته تتخطى الساحات السياسية إلى مساحات  أخرى. فهل يتحمّل المفكرون والمثقفون اللبنانيون  مسؤوليةً، وَلَوْ شكلية، عن تنامي الأزمة  الناتجة عن موضوع سيادي، وتكاثر المزايدات حوله؟ وهل يعي بعض المندفعين أن الشعارات   التي يصدحون  بها في الساحات ومن على المنابر،  هي شعاراتٍ صادقة، لكن ثمة مَنْ حوّلها أشكالًا لفظية جوفاء ومفخّخة، تحمل في طيّاتها مؤامراتٍ مُتْقَنةَ الإخراج، بهدف قذف المجتمع اللبناني  إلى الهاوية القاتلة؟

 

 إن مراجعة بسيطة لبانوراما الأحداث والارتجاجات السياسية والأمنية التي لا تزال تعصف ببعض أوضاعنا، تشير إلى أن منسوب اهتمام الطبقة المثقفة بالأحداث الأليمة والمفجعة، لم يكن على المقدار المطلوب والمأمول والواجب أن يكون، خصوصاً وأن حالات الاعتراض على الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لم ترقَ إلى مطلبيّاتٍ صلبة، يُبنى عليها. بمعنى أن "الاعتراض الثقافي" ترك مطرحه للمزايدات المصلحية الفئوية، التي يتمّ استثمارها لتقويض أركان مكانة الحصن اللبناني، الذي  كان يعيش حالات من الهدوء والاستقرار  والتوافق، إن لَمْ نَقُلْ الرخاء الجزئي.

 

وليس في ذلك أيُّ محاباة أو مبالغة، سيّما وأن تدهور الأحوال السياسية إلى حد مهاور الخطر، وبهذه الطريقة المأسوية، ترك الكثير من الانطباعات السيئة في وجدان كل مواطن صادق حرٍ  رافض  لإطلاق  أحكامٍ  مُبرَمة وغير مرتدّة، تدينُ بشدّة استقالة المثقف من دوره، وهروبه من واجباته، وتعتبره "مارقاً" من المواطنة، وخائفاً أو خَجِلاً من هُويَّته!

 

 هذه الانطباعات المؤذية شعورياً وقومياً، تجعلنا في حالة دائمة من التساؤل عن أسباب غياب هذا المثقف، كتابةً وتفكيراً وقولاً وحراكاً، عمّا يحدث في بلدنا الذي أضحى مخطوفاً ورهينةً للمؤامرات والمخططات السوداء التي رسمتها دوائر القرار الخارجي للمنطقة، والتي في أُول استهدافاتها، ضربُ التعايش، وتقويض فرص التلاقي والحوار بين مكوّنات المجتمع اللبناني ذي التكاملية الحضارية والدينية والثقافية  بتكويناتها التوفيقية ودورها الوفاقي.

 

فهَلْ إن الهدف الرئيس من التآمُر، هو تشويه صورة لبنان، والطعن بوجوديته  وضرورته الحضارية؟ وإلى أي مدى يمكن لمهندسي المؤامرة أن يتمادوا في غيِّهم والإمعان بقتل  إرادة المثقف ومنعه من القيام بأي مبادرة إنقاذية، كصوت ثالث يعلو فوق أصوات معسكر المطالبين بالإسراع بتنفيذ قرارات المعسكر المتمسك بموقفه، كخوف إستراتيجي، له تبريراته في زمن التبدلات وهندسة خرائط افتراضية للمنطقة؟ 

 

ثم أين المثقف من استهداف حضارة الحرية وثقافة السيادة؟

 

 وإذا كانت بعض مركزيات السلطة الدولية، تهدف إلى تدجين أنظمة دول أخرى، لأهداف متداخلة ومصالح متقاطعة،  فلقد بات من حقّنا بل من واجبنا أن نسأل من حيثُ إننا ضحايا، عن دورنا في لزوم إنتاج حالة ثقافية تعترض بقوة على  الوضعية المُزرية التي نعيشها، ونتعايش معها على وقعِ التخاذل وقبول الأمر الواقع.

 

وهذا من أبسط الأدوار الوطنية المنوطة بالمثقف الذي أغلق عينيه عن المجازر التي تُنَفّذُ بحقِّ المواطنين، وأطبقَ فَمَه على كلمة الحقّ المفروض أن يقولها جَهْراً ورفضاً لمقايضة الدم بالإعمار .

 

 لقد كشف الإعلام ضموراً وقصوراً واضحين في عملية تظهير دور المثقفين وغيابهم عن ساحة الواقع المأزوم، بدليل أن إعلام القضايا، خلَا تماماً من الكتابات الفكرية والنقدية التي تحمل وجهات نظر محوريّة وذات ثقلٍ معرفيٍ، وتتعرّض للاوضاع الضاربة في أحوال شعبنا ومصيرنا كوطن وجماعات نخبوية ، لا أقلياتٍ جمعتها الصدف التاريخية في كيان جغرافي غناه بكثرة الديموغرافيات، وضعفه بتعدد الولاءات.

 

 والسؤال الأهمّ في هذا الإطار، عن مسؤولية الإعلام الفكري والتنويري بالتوازي مع مسؤولية المثقف نفسه، في عملية الغياب عن القيام بدورٍ فاعل وتغييريّ في مجال التفاعل المطلوب وجوده بين المثقف وقضايا الوطن؟

 

 وكيف نبرر للمثقف اللبناني عدم تصديه لحالات الانهيارات والسيناريوات التي تهدد وجوده؟ ولماذا لا  يتجاسر  و يطرح مبادرة عقلانية لحل التشابك السياسي الحاد قبل أن يتحول إلى خطر الاشتباك؟  

 

 وإلى حين يستعيد المثقف دوره الطليعي بالتصدّي للمؤامرات التي تستهدف حضوره، يبقى السؤال المركزي عن الجدوى المنتظرة من إعلامٍ حُرٍّ ، في الإسهام بصناعة أو بإعادة إنتاج الحرية في مجتمع أضاع إبرة البوصلة وتتوفر  فيه كاملُ شروطِ التباينِ والانقسام والنزاعاتِ الموصوفة لأن يقذفه الوضع إلى مهاوي التفتيت والشعور بذليَّةِ وضع اليد والاستقواء .

 

كل اللبنانيين يؤمنون أن خيارهم هو الدولة الراعية والحامية والضامنة. وكلنا نعي ونرفض مخاطر مواجهة قرارات الدولة، بمعزل عن ظروف اتخاذ القرار واحترام الميثاقية فيه. لكننا ندرك جيداً أيَّ تحديَّاتٍ قد يواجهها كل اللبنانيين إِنْ لم يتم الاتفاق على إيجاد منافذ طوعية لتنفيذ قرارات الحكومة والالتفاف حول كلمة الدولة، من أجل سلامة المواطنين ودعم هيبة الحكم وتحصين سيادة سلطتنا وحكمة المسؤولين وتدعيم حرية تحملها مهام تاريخية في هذه الظروف الاستثنائية والشديدة التهديد للتضامنية اللبنانية، التي هي جوهر الكيانية اللبنانية و روحيتها الرسالية.

 

فهل يخرج الصوت الثالث  ليذيع "بيان الحضور اللبناني الجديد" رأفة بلبنان وإنقاذاً للكيان، واحتراماً لكرامات الوطن، حيث كرامة الجزء من كرامة الكل، وكرامة الكل من كرامة الجزء؟

*وزير سابق

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟