آراء 20-08-2025 | 16:54

العلاقة الهندية الأميركية تهتز... فهل تقطع؟

رغم الحاجة الأميركية لشريك آسيوي قوي مثل الهند، إلا أنّ الوقائع المتطورة تبرز التباعد بين البلدين...
العلاقة الهندية الأميركية تهتز... فهل تقطع؟
هل تبقي واشنطن الطريق مفتوحة مع نيودلهي؟ (أ ف ب)
Smaller Bigger

ذكرت مجلة "إيكونوميست" أن الخلاف الهندو -أميركي بدأ يشهد تصعيداً مع تصاعد حدة التوتر التجاري بين الجانبين مع اقتراب دخول رسوم أميركية بنسبة 50% على كثير من الطائرات الهندية حيّز التنفيذ في وقت لاحق من هذا الشهر.

وبحسب التقرير، فإن الخلاف بدأ يمتد إلى ملفات زراعية، وتحديداً الزراعة الحيوانية الحساسة، على رأسها قطاع الألبان الذي يمثّل محوراً للخلافات المتكررة بين الجانبين.

أطلق رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، خطاباً نارياً في 7 آب/ أغسطس الجاري في العاصمة نيودلهي، رداً على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض الرسوم الجديدة، قال فيه إن "بلاده لن تساوم أبداً على رفاهية المزارعين ومربي الألبان والصيادين". هذا الخطاب يعكس إصرار الحكومة الهندية على الدفاع عن قطاع الألبان الذي يمثل رمزاً قومياً ومكسباً سياسياً كبيراً للحكومة القومية الهندية.

شارف الخلاف بين البلدين للوصول إلى نقطة "اللاعودة". والتقارب الهندي الأميركي بحكم الضرورة في منطقة جنوب آسيا بدأ يشهد على التدحرج بعدما كان الدعم الأميركي للهند يرتبط بخلق حالة تهويلية دائمة للصعود الصيني. تدرك الإدارة الأميركية أن الهند تصنّف أكبر منتج للألبان في العالم منذ ما يقرب من 3 عقود، وتسهم بنحو ربع الإنتاج العالمي، لكن واشنطن تصورها لدى شركائها التجاريين بأنها مرتبطة بقطاع "غير كفؤ، مدعوم بحواجز جمركية وغير جمركية معقدة".

كما الرسوم الجمركية المعقدة على قطاع الألبان في الهند، كذلك تبدو العلاقة بين نيودلهي وواشنطن في تعقيدها وعدم "الفهم" لخيوطها. فمن جهة يتبين أن العلاقة بين البلدين ذاهبة نحو التلاحم على أساس تمتين الحضور آسيوياً لردع الصعود الصيني، من خلال استغلال واشنطن نقاطاً أساسية تستغلها لتغذية الاقتتال الحدودي بين الجارتين، الهندية والصينية. النزاع لا يتوقف عند النزاع الحدودي، بل أخذ منحى خلافياً يرتبط بالتمثيل المناطقي، وفي رسم الممر التجاري الدولي.

في حين رسم الرئيس الصيني شي جين بينغ، طريق الصين "الحزام والطريق" منذ عام 2013، والذي يجد فيه رابطاً قوياً لبكين إلى العمق الأوروبي، تجد الهند أن لها حظوظاً مرتفعة لفرض نفسها ركيزة للتجارة الدولية، بعدما رسمت مع الولايات المتحدة والدول الغربية وبعد الدول الخليجية طريق البهار الهندي، "الممر الاقتصادي الهندي" الذي تمت الموافقة عليه في نيودلهي في 10 أيلول/ سبتمبر عام 2023.

شكّلت حرب غزة نقطة تحولية في صراع الممرات، بين شمال القطاع والمسعى الهندي الغربي لبناء "قناة بن غوريون"، الذي يستند إليه الممر الهندي، وبين جنوب القطاع، و"قناة السويس" التي تشكل محورية طريق الحرير الصيني، حيث لم يُفهم إلى الآن لماذا لم تتدخل الصين في هذه الحرب مع العلم أن مصالحها في خطر نتيجة الطموحات الإسرائيلية، التي على ما يبدو، حدودها تتوقف عند حلم "إسرائيل الكبرى" التي تحدث عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو...

لم تكن الهند بعيدة عن تقديم الدعم بكافة أشكاله إلى تل أبيب، فهي التي إلى الآن لم تصدر موقفاً تدين فيه المجاعة ولا مجازر القتل في غزة. لهذا لن يكون مفاجئاً التقارب الإسرائيلي مع الهند في حرب الأخيرة مع جارتها باكستان، فهذا ما دفع إسلام أباد لتوجيه تهديد نووي إلى تل أبيب في حال تمادت بقصف إيران.

رغم الحاجة الأميركية لشريك آسيوي قوي مثل الهند، إلا أنّ الوقائع المتطورة تبرز التباعد بين البلدين، وما رفض نيودلهي طلب واشنطن من وقف استيراد النفط الروسي إلا دليل على ذلك. لم تكتف الهند بتبرير استمرارية استجرار الطاقة الروسية على أساس أن هذا يخدم مصالح شركاتها وأمنها الاقتصادي بتوفير الطاقة بأسعار أرخص من أسعار السوق. تأتي الخطوة الثانية لتقطع الشكّ باليقين، بعدما قال المتحدث باسم وزارة خارجية الهند إن الشراكة بين نيودلهي وموسكو، "مستقرة ومجربة عبر الزمن"، وذلك بعد أيام فقط من انتقاد الرئيس ترامب للهند بسبب علاقاتها مع روسيا.

تنظر واشنطن إلى الصعود الهندي في آسيا بحذر شديد، تماماً كما حال الصعود الصيني، فالدولتان تشكلان معاً حلفاً في مجموعة "بريكس" الاقتصادية والمالية، إضافة إلى روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، التي كان الهدف من تأسيسها الوقوف في وجه الهيمنة المالية والاقتصادية الغربية، تحديداً الأميركية.

 

لم يعد مستغرباً أن يكون أعضاء هذه المجموعة هدف إدارة ترامب عبر فرضها الرسوم الجمركية عليها، هي التي تحتاج إلى تفكيك هذه المجموعة التي بدأت دولها تفكر جدياً بإيجاد عملة تبادلية بعيداً عن الدولار الأميركي، وبدأت تجذب إليها أعضاء جدداً على رأسهم حلفاء واشنطن كالمملكة العربية السعودية.

"التباعد" قد يكون سيد الموقف بين الولايات المتحدة والهند، ولكن بالطبع لن يكون هناك طلاق، والعلاقة بينهما تتكون على أساس الحاجة والمصلحة؛ إذ تنظر نيودلهي بعين الريبة للتقارب الإيراني الباكستاني، وتتوجس أيضاً من عدم تحقيق إسرائيل أهدافها في المنطقة لما لهذا من تأثير على رؤيتها المستقبلية. كذلك واشنطن تحتاج إلى القوة الهندية، كي تواجه المخاطر التي تحدق في تواجدها ومصالحها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. واشنطن تدرك أن الهند هي القوة الرادعة الرئيسية للصين في المنطقة، لهذا لا يمكن فرض القطيعة معها.

لا مجال إلا في التراجع الأميركي أمام الإصرار الهندي، لأنّ التقارب مع روسيا وربما الصين لا يصبّ في صالح الأميركي والأوروبي، خصوصاً وأن هناك تسريبات هندية بدأت تتحدث عن التوجه شرقاً في التسلح، خصوصاً بعدما تفوقت الآلة العسكرية الصينية في الحرب الباكستانية الهندية على تلك الغربية التي تستخدمها الهند كطائرات رافال الفرنسية من الجيل الرابع.

لن يترك لترامب الذهاب بعيداً في رسم العدائية المطلقة مع الهند، رغم التقارب المنتظر مع روسيا، والذي قد لا يشكل المفاجأة المنتظرة مع الإصرار الأوروبي على عدم استبعاد أوكرانيا من المفاوضات، واعتبار الفرنسي أن قرار التنازل عن الأراضي لصالح روسيا يتعلق بكييف فقط. لهذا ستبقي واشنطن الطريق مفتوحة مع نيودلهي الأمر الذي سيدفع بترامب على التراجع عن فرض الرسوم المنتظرة بعدما اعتبرت الهند أنها طالت أمنها الغذائي القومي، عندها هل سينتصر رفض الرسوم على مشتقات البقرة الهندية على راعي البقر الأميركي في هذه الجولة من النزاع؟

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟