خطة واعدة لعودة النازحين السوريين… إذا تمسّكت بها حكومة سلام

سام هيلر
بعد سنوات من المشاجرات والتناطح بين المسؤولين اللبنانيين وبين شركاء لبنان الدوليين حول مسألة النزوح السوري، أقرّت حكومة الرئيس نواف سلام أخيراً خطة لعودة السوريين إلى بلدهم، ذلك، لأول مرّة، بدعم دولي. وبالرغم من أن الخطة الحكومة قد لا تلبّي مطالب بعض الأطراف اللبنانية الداعية لإعادة جميع النازحين السوريين فوراً، فإن هذه الخطة فعلاً واعدة، ومن المرجّح أن تأتي بنتائج ملموسة إذا التزمت بها السلطات اللبنانية.
وقد تحققتُ في خطة الحكومة في تقرير جديد صادر عن مركز القرن الدولي (Century International) الأميركي، قمتُ فيه بتقييم للخطة ولفرص نجاحها. وقد استخلصتُ أن الخطة من شأنها أن تمكّن عودة قسم معتبر من السوريين النازحين في لبنان، حتى وإن كانت بعض العوامل خارج سيطرة لبنان – منها الوضع المضطرب في سوريا وتراجع التمويل الدولي للمساعدات في كلٍ من لبنان وسوريا – قد تضع حداً لعدد العائدين على المدى القريب.
خطة الحكومة
ولقد أطلقت حكومة الرئيس سلام خطتها في أول شهر تموز، حين بدأت مديرية الأمن العام اللبناني والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بحملة إعلامية حول تسهيلات جديدة لسوريين راغبين في العودة إلى بلدهم، منها منحة مالية بـ100 دولار لكل فرد عائد وإعفاءات عند الحدود اللبنانية-السورية من أي رسوم أو غرامات متعلقة بمخالفة الشخص العائد لشروط الإقامة في لبنان ومن دون إصدار بلاغات منع دخول بحقه. ولكي يستفيد السوري الراغب في العودة من هذه التسهيلات، عليه أن يتواصل أولاً مع مفوضية اللاجئين، التي، بعد التحقق من طوعية العودة، تسجّل بدورها هذا الشخص في برنامج العودة وتُصدر له وثيقة خاصة يُبرزها على الحدود. وعند صدور تلك الوثيقة، تغلق المفوضية ملف العائد وتشطبه من قوائم المفوضية في لبنان، وذلك بتنسيق وتواصل مع الأمن العام اللبناني.
وتشتمل الخطة على نمطَين للعودة: العودة "المنظّمة" والعودة "المنظّمة ذاتياً"، حيث يعود السوريون في الحالة الأولى بقوافل ترتّبها المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، أما في الحالة الثانية، فيقوم السوريون أنفسهم بترتيب عودتهم، ما قد يعطيهم مرونة أكثر في التوقيت وبعض الجوانب اللوجستية.
وقد انطلقت أول قافلة عودة "منظّمة" في أواخر شهر تموز على متنها 71 شخصاً – ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن تلك القافلة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة من عدد العائدين، إذ يفضّل، وفقاً لمفوضية اللاجئين، 97 بالمئة من الذين تواصلوا مع المفوضية أن ينتقلوا ضمن عودة "منظمة ذاتياً". وقد قدّمت المفوضية بالفعل مِنَحاً مالية لما يقارب 1,500 شخص سُجّلوا في برنامج العودة، حسب آخر إحصائيات للمفوضية بنهاية شهر تموز.
فأبدى، حتى الآن، نحو 72 ألف سوري اهتمامهم بالمشاركة في برنامج العودة، وفقاً لنفس الإحصائيات للمفوضية. وقد صرّحت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد أن الحكومة تستهدف عودة ما بين 200 ألف و400 ألف نازح إلى سوريا عبر الخطة الحكومية للعودة.
ومن أكثر ما يميّز خطة الحكومة عن محاولات سابقة لإيجاد صيغة لإعادة السوريين النازحين في لبنان، أن الخطة تتمتع هذه المرة بدعم دولي. فقد التزمت الحكومة في خطتها ببعض الضوابط والمبادئ الناظمة والمتماشية مع القانون الدولي والاحترام لحقوق السوريين، ما سمح للمنظمات الدولية والجهات المانحة بأن تدعم الخطة، بطرق منها الرعاية للمنح المالية ولوسائل النقل. ولتلك الالتزامات لدى الحكومة اللبنانية أهمية في تأمين تعاون نظيرتها السورية، التي من دون مشاركتها لا يمكن أن تنجح أي خطة للعودة. فقد أكدت لي مي برازي المستشارة للاجئين واللاجئات في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية خلال مقابلة في دمشق أن الحكومة السورية حريصة على أن تكون أي حركة عودة مرتّبة وطوعية وتتم بطريقة تحفظ كرامة المواطنين السوريين العائدين. وكما قالت لي: "لا نريد أن نراهم يُذلون من جديد – راحت تلك الأيام".
تحديات تحدّ من عدد العائدين
تواجه خطة الحكومة تحديات عديدة، معظمها خارج أيدي الحكومة، وقد تحدّ من إقبال السوريين في لبنان على العودة خلال الفترة المقبلة. وبناءً على ذلك، يجب أن نكن واقعيين حيال النتائج التي يمكن أن تتحقق عبر خطة الحكومة على المدى القريب.
فإن ما سيحسم قرار العودة أو عدمها لدى أغلب اللاجئين السوريين هو، في المقام الأول، الظروف في سوريا – ولا تزال تلك الظروف، للأسف، عسيرة جداً. فتبقى سوريا، رغم التخلص من دكتاتورية الأسد، مكتئبة اقتصادياً ومدمّرة مادياً بعد أكثر من 14 عاماً من الحرب الطاحنة. وعلاوة على ذلك، الوضع الأمني في سوريا ليس مستقراً بعد، وهو ما لا يطمئن سوريين نزحوا أصلاً نتيجة حرب وعنف، ويترددون في العودة إلى بلد مستقبله مجهول.
وتراجع التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية قد يؤثر سلباً على العودة. فمن جهة، قد يدفع توقف الدعم الدولي لللاجئين السوريين في لبنان بعضهم للعودة إلى بلدهم، إلى أن يتراجع، من جهة ثانية، مستوى التمويل للاستجابة الإنسانية في سوريا أيضاً. أما الوعود الخليجية والدولية بالاستثمارات والمشاريع الضخمة، فإنها لا تصلح لتلبّي الاحتياجات العاجلة لدى اللاجئين العائدين، من سكن وخدمات وفرص عمل.
وفيما يؤكد المسؤولون السوريون، من طرفهم، أن كل مواطن سوري مرحّب به في بلده، فإن الحكومة السورية الجديدة تواجه حالياً تحديات كثيرة وشائكة، وليست عودة اللاجئين على رأس أولويات دمشق.
وبينما يشدّد المسؤولون اللبنانيون في كل مناسبة على أن عدد السوريين الذي استضافه لبنان يفوق طاقة البلد – ومعهم حق في ذلك – فإن أيّ موجة عودة كبيرة سوف تفوق طاقة سوريا كذلك، فيما الوضع في سوريا هش ودقيق للغاية. فالواقع أن سوريا تحتاج إلى بعض الوقت لكي تتعافى، حتى تتمكن من أن تستوعب جميع اللاجئين السوريين الذين يتطلعون للعودة.
آفاق للنجاح
وبالرغم من العقبات التي تواجه خطة الحكومة، يمكن للخطة أن تمكّن عودة قسم معتبر من السوريين النازحين في لبنان.
وتصلح خطة الحكومة للشريحة الثانية أكثر شيء، وتتضمّن سوريين جاهزين للعودة ولكن غير قادرين على تغطية تكاليف النقل من دون مساعدة، أو هم متوجسون من دفع غرامات على المعابر الحدودية الرسمية. وقد تمثّل هذه الشريحة عدداً جيداً من السوريين في لبنان، بناءً على عدد النازحين الذين تواصلوا مع المفوضية حتى الآن ليُبدوا اهتمامهم بالتسجيل. ومع أن بعض الأصوات في لبنان قد تدعو لإعادة جميع السوريين دفعة واحدة، إلا أن المقاربة العملية والواقعية لحل عقدة النزوح في لبنان هي مقاربة تدريجية، تقوم على تسهيل عودة اللاجئين شيئاً فشيئاً – شريحة بشريحة.
عودة مستدامة
فليس من مصلحة لبنان أن يضغط للعودة "السابقة لأوانها"، بالمصطلح الإنساني. فلبنان يحتاج، لكي يحقق عودة أعداد أكبر من النازحين السوريين، إلى تجارب عودة ناجحة ومستدامة – أي إلى أن يستقر السوريون في بلدهم ويزدهروا. وقد شدد مسؤولون أمميون على نقطة "الاستدامة"، كما تبنّت الحكومة اللبنانية هذه الصياغة في خطتها كذلك. وذلك لأن السوريين العائدين، إذا رجعوا إلى مناطق غير صالحة للعيش فيها وعجزوا عن الاستقرار فيها، فإنهم قد يضطرون لينزحوا مرة أخرى، إما داخل سوريا أو إلى لبنان من جديد عبر طرق غير نظامية. ويجب على لبنان، على وجه الخصوص، أن يتنبّه لهذا الخطر، نظراً لانسيابية الحدود اللبنانية-السورية، ما يجعل لبنان مكشوفاً أكثر من غيره من جيران سوريا على حركات نزوح عكسي أو أي نزوح جديد.
ويحتاج لبنان إلى تجارب عودة ناجحة أيضاً لكي يشجع المزيد من السوريين في لبنان على الالتحاق بزملائهم العائدين ويبني زخماً للعودة. فيظل السوريون العائدون إلى بلدهم على تواصل مع أقاربهم ومعارفهم في لبنان، وبالتالي، إن كانت تجاربهم من العودة إلى سوريا تجارب سلبية وفاشلة، فإنهم سينقلون ذلك الخبر إلى ذويهم في لبنان، ما سوف يثنيهم عن العودة في المستقبل.
ويمكن للبنان أن يبني ذلك الزخم فعلاً، إذا استمرت الحكومة بتنفيذ خطتها، وإذا – وهذا الأمر مهم – مدّتها الحكومة إلى ما بعد يوم 30 أيلول، حين تنتهي الإعفاءات التي أعلن عنها الأمن العام في أول شهر تموز. فيجب على الحكومة، لكي تشجع حركات عودة متلاحقة، أن تترك باب العودة مفتوحاً، لا أن تغلقه من جديد. فقد أصبح للبنان، بعد سقوط الأسد، فرصة حقيقية لتمكين عودة عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ولكن ذلك، لكي يتحقق، سوف يتطلب من لبنان التمسّك بخطتها والمبادئ التي تتضمّنها.