انفجار مرفأ بيروت... الحقيقة لا الفخّ

آراء 04-08-2025 | 17:23

انفجار مرفأ بيروت... الحقيقة لا الفخّ

هاتوا من كانوا يعرفون حق المعرفة أن قنبلة كانت موجودة بين الأحياء السكنية ومن ادّعوا أنهم لا يعرفون. هاتوا لنا الحقيقة بلا فخّ!
انفجار مرفأ بيروت... الحقيقة لا الفخّ
مرفأ بيروت. (أ ف ب)
Smaller Bigger

قد يكون النسيان أو حتى التأقلم نعمة للاستمرار في العيش في هذا النهر الذي لم ولن يكف عن الجريان، لبنان. لكنّ ذاكرتنا التي تهتزّ اليوم تماماً  كما اهتزّت المدينة منذ 5 سنوات، تبدو كالشاهد الوحيد على مقبرة جماعية سميّت انفجار مرفأ بيروت. 


في السادسة من مساء 4 آب/أغسطس 2020، انفجرت أطنان من نيترات الأمنيوم المخزّنة في العنابر، مشاهد عناصر الإطفاء قبيل لحظات من الدويّ المرعب، تلاها بدقائق شوارع غارقة في الدم والجثث والردم والركام راسخة تسأل وتتذمر وتستغيث، لا تطلب شيئاً سوى الحقيقة.

قوة التفجير الهائلة التي دفعت وسائل الإعلام إلى  تسمية الانفجار  بـ"بيروتشيما"، نسبة إلى القنبلة النووية التي أسقطتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية، العصف الزلزالي الذي دمّر أجزاء واسعة من أحياء الجميزة ومار مخايل والكرنتينا، ووصلت آثاره إلى  بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، قُتل المئات، جُرح وشُرد الآلاف،  كل هذا لم يكن كافياً. 


مرفأ بيروت. (أ ف ب)
مرفأ بيروت. (أ ف ب)

 

في المدينة، ما زالت بعض الكتابات تتكئ على جدرانها: "لن ننسى"، "بيروت ليست بخير" وشارع أُطلق عليه مؤخراً "شارع ضحايا الرابع من آب"، ولكن ماذا بعد؟ 

نتذكر اليوم، هذه الجريمة من باب الحسرة والسخرية المرّة. فلبنان المقيّد بالولاءات المزمنة، لم يعرف حقيقة واحدة مجردة من "الأنا"، ينفض غبار حروبه واغتيالاته، يطوي الصفحة، ويخرج إلى أخرى بل يخرج إلى زمن آخر زمن فيه إعادة إعمار ومبادرات خارجية، إقليمية ودولية، وكأن شيئاً لم يكن. 


يزورنا رؤساء، مبعوثون، شخصيات، يطبطبون على جراحنا، يشدّدون، يؤكدون، يدعون، أما نحن فنرفض الاعتراف ولو بخفوت عن حال اليأس التي وصلنا إليها، نحمل نجاتنا سائرين إلى من فقدناهم لنخبرهم أننا باقون متمسكون بهذا الخراب نراقص الموت كل على طريقته. 


لا بدّ أننا ومن شدّة الفقد، نسينا أو تناسينا الإحساس أحدنا بالآخر. منا من يشاغل همومه بالسهر والرقص، ومنا من لم يعد يعنيه ومنذ زمن بعيد لا العدالة لأهالي ضحايا انفجار المرفأ ولا محاسبة المسؤولين، ولا الغلاء ولا سعر الدولار ولا الأموال التي تبخرت في المصارف، ولا سكان القرى الحدودية في جنوب لبنان الذين دُمرت بيوتهم، ولا تهديدات إسرائيل بأن هذه القرى ستبقى فارغة، ولا حتى سكان ضاحية بيروت الجنوبية الذين غدا كثيرون منهم بلا منازل تؤويهم، ولا حتى الشبّان والشابات الذين هاجروا من البلد إلى الأبد، كلّ منا أصبح يعيش في كوكب منفصل عن الآخر.

 

 

وها هي الأم التي فقدت ابنها في انفجار المرفأ، تحمل صورة ابنها على صدرها بالأمس وحيدة أيضاً أمام دموع رئيس الحكومة نواف سلام، حالها كحال ليليان شعيتو التي تحاول العودة إلى الحياة محرومة من رؤية ابنها وحيدة أيضاً. 


لا عزاء لهذه الأمّ ولا ليليان ولا لتلك العائلات التي فقدت أفراداً منها في بلد ممزق يحمل أبناءه إلى المنافي ويجرفه الفساد والتسويات من الداخل، وحروب نختلف فقط إن كانت حروبنا أو حروب الآخرين على أرضنا غير آبهين بأنه حين تحين ساعة العواصف والغرق لن ينفعنا لا مبعوث ولا تسوية. لن ينفعنا إلا انفسنا. 

 

إن كان التأقلم ملاذنا الأخير للاستمرار، فلنتأقلم. ولكن ونحن نرفض طيّ الصفحة، وتطالب بالحقيقة. لا عبر تبادل الاتهامات ولا عبر تنكيس الأعلام ولا بالدموع، بل بصدور قرار ظني غير مسيّس.  هاتوا صور الأقمار الاصطناعية مثلاً. هاتوا من قالوا إنهم سمعوا صوت الطيران قبيل الانفجار. هاتوا من كانوا على كراسي القرار حينها. هاتوا من كانوا يعرفون حق المعرفة أن قنبلة كانت موجودة بين الأحياء السكنية ومن ادّعوا أنهم لا يعرفون. هاتوا لنا الحقيقة بلا فخّ!

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت