بين الأرض والسّماء

آراء 24-07-2025 | 13:00

بين الأرض والسّماء

بين زمن مجيئك ويومنا هذا أكثر من ألفَي عام. المسافة كبيرة جدًّا... إنّها قادرة على إزالة أيّ رابط يشدّنا إلى الماضي.
بين الأرض والسّماء
كوكب الأرض (انترنت).
Smaller Bigger

*ابتسام غنيمه 

 

ما أكثر المؤتَمَنين على اسمك!
ما أكثر مَن يُعلنون إيمانَهم بك!
ما أكثر مَن يردّدون: "لتكُن مشيئتُك"!
وما أقلَّ المؤمنين بكَ يا إلهي!

 

بين زمن مجيئك ويومنا هذا أكثر من ألفَي عام. المسافة كبيرة جدًّا... إنّها قادرة على إزالة أيّ رابط يشدّنا إلى الماضي. يقولون: "الإيّام بِتْنَسّي" و"البُعد جفا"... وهذا ما نلمسه في حياتنا اليوميّة، متى ابتعدَ أحدٌ، أو هاجرَ، أو ماتَ... صحيح أنّ العاطفة القويّة تبقى، لكنّها تتحوّل مع الأيّام إلى نسمة ترطّب الذّكريات، إلى أن تزول مع تعاقب الأجيال. وهذا هو الإحساس البشريّ الطّبيعيّ في تقهقر مشاعر الفرد نحو آخر يعرفه؛ فكيف إذا كان الشّعور متوجّهًا نحو آخر لم يعرفه، بشكل مباشر، جسدًا؟ ولم يسمع صوته إلّا عبر ما تناقله الكتاب المقدّس؟ وهل عليه أن يصدّق ما ورد فيه؟ وكم عدد مَن يقرأ كلمة الرّبّ يسوع وأعماله وتعاليمه يوم جاء الأرض زائرًا متجسّدًا؟

 

لم أدخل كلّيّة اللّاهوت يومًا، ولم أستمتع بعظة إلّا نادرًا... لكنّي أتزوّد كلّ ليلة بقراءة من بشرى الخلاص تدفعني لأقول لبعض المثقّفين الذين يخجلون بمسيحيّتهم، ويفسّرون الدّيانة على أنّها تقاليد رجعيّة:
إنّ التّشكيك في صحّة الإنجيل هو تشكيك في صحّة كلّ التّراث التّاريخيّ والأدبيّ والفلسفيّ... الذي يعرفه العالم، والذي يعود إلى العصور القديمة حتّى ما قبل التّأريخ المسيحيّ، وذلك قبل أن يعرف الإنسان التّدوين والطّباعة. فقد كان الشّفهيّ المتناقَل على ألسنة الرّواة مصدرًا أساسيًّا، قبلناه كما وصل إلينا في مختلف المجالات، بعد خضوعه للتّحقيق والتّرجمة والتّدقيق... فلماذا علينا أن نشكّك بصدقيّة كتابِ بُشرى لا يعلّمنا سوى المحبّة؟!

 

النّصّ الإنجيليّ ليس أدبيًّا يجتذب القارئ، وهذا ما ألمسه في معظم الأحيان، سيّما مع بروز النّمط الإيعازيّ. وأبرّر ذلك بالتّرجمة التي تفتقر إلى الإحساس وتركّز على المعنى المُراد إيصاله. وآمل أن أتمكّن يومًا من إعادة صياغته بلغة القلب.

 

وإذا كانت الحقائق التّاريخيّة ثابتة بالأسماء والأفعال (هيرودس، بيلاطس...)، فإنّ ما واكبَ ذلك العصر ومَتَّ بشكل وثيق إلى حياة السّيّد المسيح لا يقبل الجدل، لأنّه منقول عن أصول يونانيّة وآراميّة تعود إلى مَن عاصر تلك المرحلة، وعاينَ بنظره الأعاجيب، وسمع بأذنيه التّعاليم. وهنا أعود إلى نقطة البداية (الفارق الزّمني) لأتساءل: لماذا كان الحقّ لِمَن عاصرَ يسوع، برؤيته وسماعه ومعاينة عجائبه، ونحن لا؟ ألسنا بحاجة إلى لمسة محسوسة في عصر أصبح فيه العلمُ النّاطقَ الأعلى صوتًا؟ كيف السّبيل إلى رَدْمِ الهوّة السّحيقة التي تفصل بين زمن الكلمة المتجسّد وزمن الجسد المتكلّم؟

 

صحيح أنّ يسوع قال لتوما: "طوبى لمَن آمن ولم يرَ" (يوحنّا، 20: 29)، غير أنّه يعرف ما في قلب الإنسان، ويعرف الضّعف البشريّ، فسمح لنا بأن نرى.

 

نرى مجده في كلّ قدّيس يُنعم علينا به من خلال حياته والعجائب التي تحصل بشفاعته، ما يجعل منه صوتًا يتردّد صداه من الماضي العميق يذكّرنا دائمًا بأنّنا أبناء الله... والقدّيس شربل، اليوم، هو الأقرب إلى عالمنا، حيث نستطيع أن نرى فراشه، وطبق القصب الذي كان يسجد عليه مناجيًا الله، وثوبه، وقبره... وبشكل خاصّ العجائب الشّفائيّة التي ينالها مَن يطلب بإيمان وثقة شفاعته لدى الله. 

 

كوكب الأرض (انترنت).
كوكب الأرض (انترنت).

 

نرى يسوع في فقر شربل وتقشّفه...
في زهده بالدّنيا وبهارجها...
في نسكه وصلاته... 
في حبّه الإنسان، كائنًا مَن كان وحيثما كان... 
في صورة الله التي انعكست في شخصه...
في جسد لم يعرف الفساد...

 

إنّه الخطّ العموديّ الذي يربط بين عالم "التّحت" وعالم "الفوق"، ما يمكّننا من الارتقاء معه، وبشفاعته، إلى مجد إله أحبَّنا حتّى الفداء. 

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/22/2025 12:24:00 PM
حرّر محضر بالواقعة وتولّت النيابة العامة التحقيق.
اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً.