ودائع الناس… هل آن أوان وقف العربدة؟

آراء 22-02-2025 | 17:50

ودائع الناس… هل آن أوان وقف العربدة؟

تمرّ هذه المؤسسة المدنية، كما بالتأكيد الكثير من الجمعيات والهيئات المدنية المستقلة التي شكلت القوى الحيويّة الأساسية في الحراكات والانتفاضات على مدى عقود
ودائع الناس… هل آن أوان وقف العربدة؟
الليرة والدولار.
Smaller Bigger

طلال خوجة

 لا أريد أن أقسم بأنني لم أعد أرغب في الكتابة عن قضيّة الودائع التي شكلت أهم معالم الانهيار النقدي والمالي والاجتماعي والأخلاقي في بلاد الأرز الفائقة الجمال. أبدأ بهذه الكلمات البسيطة، وأنا أنظر من شرفة مكتب جمعية بوزار للثقافة والتنمية الواقع في شارع عزمي في طرابلس الفيحاء. أجلي نظري يميناً بالأبيض الذي يكلل الجبال الشمالية عاكسة صقيعها وأنوار بياضها على العاصمة الشمالية، وأجلي نظري شمالاً بالأزرق الذي تتمدّد على شواطئه الشرقية الحاضرة الشمالية العميقة الجذور. ولطالما شكل هذا المكان جاذباً للمثقفين والأكاديميين والكتّاب الذين كانوا يحضرون ليتحاوروا مع النخب الشمالية في الثقافة وفي المال والاقتصاد والبيئة وفي القضايا الأكاديمية، خصوصاً في قضيّة المدينة الجامعية التي شكلت أحد أسباب إنشاء الجمعية المصممة على متابعة معركة استكمال هذا الصرح الحاضن للعلم والثقافة والتنوع، علماً بأن الجمعية شكلت ملتقى ناشطي وقادة المجتمع المدني في الأزمات والمواجهات التي عصفت بالمدينة، وفي الحراكات المختلفة، خصوصاً في انتفاضة الغضب التشرينية التي اكتسبت الفيحاء خلالها لقب أيقونة الانتفاضة.

 

تمرّ هذه المؤسسة المدنية، كما بالتأكيد الكثير من الجمعيات والهيئات المدنية المستقلة التي شكلت القوى الحيويّة الأساسية في الحراكات والانتفاضات على مدى عقود، بمشكلة حجز الودائع التي تؤثر على دورها ونشاطاتها واستقلاليتها، خصوصاً أن معظم مصادر دخل الجمعيات الذاتي من الدراسات والنشاطات والهبات قد تراجعت أو نضبت مع انفجار الأزمات والأوبئة والحروب العبثية.

 

علماً بأن المايسترو رياض سلامة منع تطبيق التعميم ١٥٨ على الجمعيات والنقابات المهنية، التي حُرمت أيضاً من الاستفادة من تعميم الخرجية رقم ١٦٦ الذي أصدره د. منصوري، فاضطرّت هذه الجمعيات لأن تستنفد معظم ودائعها بهير كات كارثي بالتعميم الإجرامي رقم ١٥١ الذي ما زال مستمراً في نحر المودعين بعد أكثر من سنة على إلغائه واعتبار الحاكم بالنيابة سعر السوق للدولار في حسابات المصارف، تاركاً لحكومة الفساد والتواطؤ والخضوع غير المأسوف على رحيلها أن تقوم بتسعير الدولار المصرفي. وللتذكير فإن رئيس هذه الحكومة قد راوغ مراراً في هذا الموضوع، كما في موضوع الكابيتال كونترول وفي الإنعاش المالي وفي إعادة تأهيل المصارف، تاركاً لأصدقائه في المصارف متابعة مسح ما تيسّر من فلس الأرملة، سواء بالهير كات، أو بما ابتدع من مصاريف تشغيلية تقارب السرقة، علماً بأن معظم هذه المصارف تتابع جني الأرباح من حسابات ما يُسمّى الفريش التي يضطر التجار والمستوردون وكثير من اللبنانيين إلى اعتمادها من أجل التحويل أو الحماية من السرقات والتعديات المتزايدة.

 

لفتني في مقابلة الرئيس نواف سلام عفويته في إجابته عن الأسئلة المنهمرة من الثلاثي الإعلامي بو منصف والربيع وعباس، خصوصاً في جوابه على ما إن كان البيان الوزاري سيتضمّن قضية الودائع التي تقضّ مضاجع أكثرية اللبنانيين والمقيمين في الوطن الصغير، إذ قال: أنا كمان مواطن ووديعتي محجوزة في البنك، متابعاً: وكيف لاقتصاد حرّ أن يستمر وينمو دون إعادة تأهيل لهذه المصارف وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي؟

 

العفوية، حين تخرج من فم القاضي الأرفع والأكاديمي البارز والديبلوماسي المواجه ورئيس الحكومة القابض على الدستور، تضفي على الجدية والصلابة مسحة إنسانية في عالم السياسة الذي يزداد برودة ووحشية وفي وطننا الصغير يزداد وقاحةً وصلافة. وبعض سياسيينا يتصرفون كأنهم أنصاف آلهة.
لقد شكل انتخاب الرئيس جوزف عون وتشكيل حكومة الرئيس نواف سلام، المتحررة للمرة الأولى في عقود من قوة التعطيل ومن المناورة الميثاقية، مؤشراً على بدء U Turn الذي ستسلكه الحكومة في مقاربة قضايا الإصلاح السياسي (بما فيه الإصلاح القضائي والإداري والانتخابي) والاقتصادي والمالي، فضلاً عن إعادة الإعمار وتطبيق ١٧٠١ كاملاً وسيطرة الدولة بقواها الشرعية على كامل تراب الوطن، فوق وتحت.

 

قد لا يكون التعامل المهني مع الشغب الحزب اللاهي على طريق المطار بمستوى خطورة الشغب والاعتداءات على موكب اليونيفيل. واللبنانيون يراقبون ويتابعون تنفيذ التصريحات والأوامر العلنية من رئيسي الجمهورية والحكومة ومن وزيري الدفاع والداخلية لجهة اعتبار أمن المطار والطريق والمواطنين والمسافرين ذهاباً وإياباً خطاً أحمر. كما يجب تظهير الاعتقالات والمحاكمات للمعتدين على قوات اليونيفيل والمواطنين بالصوت والصورة.

 

ومع ذلك يجب الإقرار بأن التعامل مع الموضوع بدا مختلفاً بالكامل عن ماضٍ كان يتسيّد فيه "حزب الله" بفائض قوة فقدت إلى غير رجعة بحرب الوكالة التي استجرّت الموت والدمار والاحتلال، مهما حاول اختراع بدائل لها في المرحلة السياسية الجديدة بوضع بيئته الموجوعة والمنكوبة بمواجهة الدولة وقواها الشرعية، بدلاً من ضائع.

 

 ولا تنطلي ذريعة الطائرة الإيرانية على أحد، فوزير "حزب الله" السابق علي حميّة اضطر إلى أخذ إجراءات أقسى ضد الطيران الإيراني بسبب التهديدات الإسرائيلية، علماً بأن ٧ أيار غير المجيد ذهب إلى عير رجعة.

 

 وللمناسبة، فإن التصريحات التي تقحم الآن قضية مطار القليعات (وإلى حدّ ما حامات ورياق) في إطار اللامركزية تقارب الفدرلة، خصوصاً مع استحضار مدرج حالات، تصبّ الزيت على النيران التي يحاول "حزب الله" إشعالها. فعلى أهمية مطار القليعات (الذي منع "حزب الله" تأهيله وإشغاله بتواطؤ وخوف من سلطة الإذعان) الإنمائية في عكار وفي عموم الشمال ودوره في رؤية طرابلس الكبرى عاصمة اقتصادية للبنان، وضرورة أن يبدأ تأهيله وتشغيله من حكومة التشغيل لا التعطيل، إلا أن موضوعه منفصل، ذلك أن أمن مطار رفيق الحريري الدولي من أمن لبنان وهو درة تاج لجميع اللبنانيين.

 

على كل، إن التزام رئيس الحكومة بقضيّة المودعين وبالإصلاح المالي والمصرفي، يجعلنا نعتقد أن عربدة المصارف ربما تشهد U Turn أيضاً.
وأجرؤ على القول إن معظم أصحاب المصارف شركاء في الفساد وكانوا حلفاء لسلطة التواطؤ مع فائض القوة، بمن فيهم بعض "السياديين" الذين طاب لهم أن يتسيّدوا على فلس الأرملة في محاولة للتهرّب من تداعيات قراراتهم وتبعياتهم وخضوعهم. ربما البعض اتقاءً وخوفاً، وأكثرهم طمعاً في الربح السريع.

 

وعليه يجب:

أولاً:
 أ- وقف جريمة التأهيل في الودائع على أساس حاجز اليوم الأسود في ٣١/١٠/٢٠١٩ التي طالت الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطة المدخرة بالعملة اللبنانية أساساً من رواتبها أو مداخيلها المتواضعة، ولم تطَلْ مافيا الشيكات المدعومة التي عرفت مع من تتواطأ لتسييل هذه الشيكات.

ب- لقد حرمت هذه الفئة من الاستفادة من التعميم ١٥٨ فاضطرّت لهيركات إجرامي بالتعميم ١٥١. وبعد سنوات جاء تعميم الخرجية ١٦٦ من الحاكم بالنيابة. ومع أن الكحل أحسن من العمى، إلا أنه أكد التأهيل بطريقة غير مباشرة، وإلا لقال علناً بتطبيق ١٥٨ على من حُرموا سنوات طويلة.

 

لذا، المطلوب إلغاء هذه البدعة غير الدستورية التي تعاقب الضحيّة لا المجرم لأن التحويل بعد ٣١/١٠/٢٠١٩ تم بموافقة مصرف لبنان والمصرف المعني ومعظمه تم في شهري ١١ و١٢ من سنة ٢٠١٩ حين كان الدولار حوالي ١٧٥٠ ل وليس ٦٠٠٠ و٨٠٠٠ كما روّج بعض منافقي السياسة والاقتصاد.
ومن الطبيعي توحيد التعميمين وإعطاء تعويض مقبول عن الفترة السابقة وعدم اعتماد حلول للودائع على أساس التأهيل.

 

ولا نظن أن القاضي البارز والمتأبط للدستور يقبل استمرار التمييز غير الدستوري وغير القانوني وغير الأخلاقي.

 

ج: اعتماد الوديعة المشروعة والوديعة غير المشروعة، بما فيها ودائع مافيا الشيكات وأرباح صيرفة وقضية القروض التي أغنت البعض على حساب البعض الآخر.

 

ثانياً: نطالب بوقف سحق ودائع الجمعيات المدنية المستقلة وتطبيق التعاميم على ما بقي من ودائعها فوراً، علماً بأننا نقرأ أن هناك اتجاهاً للحلحلة في قضيّة ودائع النقابات، ما يستدعي حلاً فورياً ومناسباً لودائع الجمعيات.

 

ثالثاً: وقف عربدة أصحاب المصارف، الذين يتفننون بتنحيف الودائع بكل الطرق، علماً بأن بعضهم يتمنع عن تطبيق التعميم ١٥٨ وتعديلاته بحجج واهية، وهم على ثقة بأن "ضحاياهم" غير قادرين على دفع كلفة الدعاوى التي ربما لن تصل إلى نتيجة بقضاءٍ ينخره الفساد. وهذا يستدعي إيجاد صلة لها صدقية بين المركزي والمودعين لمواجهة هذه الارتكابات التي يستضعف أصحاب المصارف شرائح المودعين فيها.

 

يبقى أن نشير إلى ضرورة المواكبة الناشطة والفعالة والضاغطة بالسبل الديموقراطية من قبل المودعين وعموم اللبنانيين للخطوات الضرورية والإصلاحات التي سيعتمدها مصرف لبنان وحكومة د. سلام.

 


العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/6/2025 12:01:00 AM
لافتات في ذكرى سقوط نظام الأسد تُلصق على أسوار مقام السيدة رقية بدمشق وتثير جدلاً واسعاً.
المشرق-العربي 12/6/2025 1:17:00 PM
يظهر في أحد التسجيلات حديث للأسد مع الشبل يقول فيه إنّه "لا يشعر بشيء" عند رؤية صوره المنتشرة في شوارع المدن السورية.
منبر 12/5/2025 1:36:00 PM
أخاطب في كتابي هذا سعادة حاكم مصرف لبنان الجديد، السيد كريم سعيد، باحترام وموضوعية، متوخياً شرحاً وتفسيراً موضوعياً وقانونياً حول الأمور الآتية التي بقي فيها القديم على قدمه، ولم يبدل فيها سعادة الحاكم الجديد، بل لا زالت سارية المفعول تصنيفاً، وتعاميم.