إلى رئيس الحكومة المكلّف الأستاذ نواف سلام

جمانة حداد
أخيراً، "صار عنّا" رئيس جمهورية ورئيس حكومة مكلّف نعتزّ بهما، ونعتمد عليهما، ونتباهى بأخلاقياتهما ونظافة كفّيهما، ونأتمنهما على مهمة انتشالنا من بؤرة اليأس والمعاناة والقهر والفساد هذه التي تخبّطنا فيها لسنوات. مَن يعرفني ويعرف تطلعاتي وآمالي ورؤيتي لهذه البلاد، يعرف أنّ اعتزازي هذا، هو عندي من البديهيات.
وبعد،
دولتكَ تعمل على تأليف الحكومة.
بدون طول سيرة، أتوجّه إليك اليوم لكي أطالب، بصوتي، وبأصوات كثيرات وكثر، بوزارة مستحدثة للمساواة في حكومتك هذه، مهمتها الأساسية ضمان حقوق المرأة كاملة، وتطبيق مبدأ المساواة في الحقوق والفرص بين جميع المواطنين اللبنانيين، وصون كرامات النساء، وحماية كياناتهن الإنسانية، والتصدّي للانتهاكات التي يتعرضن لها يومياً بطريقة فادحة وممنهجة ومأسوية، كل ذلك بناء على خطة وزارية محكمة وشاملة.
حقوق المرأة، كما أعرف أنك تعرف، ليست ترفاً، وليست بنداً ثانياً أو ثالثاً في لائحة الشروط التي تساهم في إقامة دول وأنظمة حرّة وديموقراطية. بل هي بند أوّل وأساسي، ينبغي له أن يترافق في شكل متوازٍ مع البنود الأخرى.
نعم، إقامة دولة القانون والمؤسسات أولوية. ومحاربة الفساد والجوع والظلم والنهب أولوية. والتصدي للنعرات والتطرّف واللا قانون أولوية. لكن احترام حقوق المرأة، وتكريسها، أولوية أيضا.
إنّ وجود حقيبة وزارية كهذه جوهري وضروري في بلاد كبلادنا، لا تزال تعاني ذكورية ممأسسة تنهشها نهشاً، وأشكال تمييز واضحة ومستترة، باتت لا تحتمل: إن على مستوى الأجور، أو المشاركة السياسية، أو الحرية الشخصية، أو سواها من عناصر تحدّد كيان المواطن اجتماعياً ومدنياً وثقافياً وسياسياً.
الدفاع عن قضايا المرأة مسألة إنسانية. ولا بدّ من "انقلاب" جذري، بنيوي، غير عنفي، وغير لفظي، وغير شعاراتي، وغير فئوي، يطاول لبّ دولتنا ومؤسساتنا في هذا المجال.
أنا ونحن نطالبك اليوم بهذا الانقلاب الذي آن أوانه.
أعلم جيداً كم أن الحمل ثقيل على كتفيك وكتفي رئيس الجمهورية، وكم أن التوقعات منكما هائلة، لا بل ومستحيلة أحياناً، لكني أعرف أيضاً أن ما تتمتعان به من خصال، وما أثبته كلٌّ منكما في مجاله، يخوّلنا أن نعوّل عليكما كل التعويل، وأن نصدّق أنكما تستطيعان إنجاز المستحيل الذي نصبو إليه.
لطالما كانت غالبية الطبقة السياسية في لبنان تتعامل مع المرأة وقضاياها، باعتبارها شأناً ثانوياً. لكن المسألة ليست مسألة تحقيق المساواة فحسب. بل هي مسألة قيم إنسانية. وما لم تندرج هذه القيم في جوهر حياتنا السياسية وعملنا الحكومي، لن يكون ثمة تغيير حقيقي ولا مواطنة حقيقية، ولن تكون ثمة مساواة ولا عدالة، في الحياة الوطنية اللبنانية.
غالباً ما أسأل نفسي: "أنا امرأة لبنانية، ولكن هل أنا مواطنة لبنانية؟"
ولطالما كان جوابي عن هذا السؤال: "لا، ليس بعد".
كلّي أملٌ أني سأصير، أننا سنصير كذلك، حقاً وبالفعل والمبدأ، خلال عهدكما.
وتفضل بقبول الاحترام.