نظام بورتسودان: تصدير المظلوميات بدلاً من حل الأزمات

آراء 29-12-2025 | 06:01

نظام بورتسودان: تصدير المظلوميات بدلاً من حل الأزمات

السودانيون قادرون على تجاوز بلاء "الإخوان"، لكن التنظيم يتقن تبادل أدوار المجرم والضحية
نظام بورتسودان: تصدير المظلوميات بدلاً من حل الأزمات
نازحون سودانيون في غضارف.(أف ب)
Smaller Bigger

رافد الحارثي 

 

 

يتنصّل نظام بورتسودان من الأزمات التي ألحقها بالشعب السوداني، مصدّراً مظلوميات زائفة بدلاً من حلها من الجذور. وفيما يعتاش النظام على الاستثمار في هذه الادعاءات الهشة لتبرير بقائه، لا يبالي السودانيون إلا بوقف الحرب واستعادة حياتهم المفقودة بعيداً من هذه المناورات.

 

يُفتت العسكر و"الإخوان" الدولة السودانية بتجاهل الانهيار والتحذيرات الدولية، مع تجريم القوى المدنية الداعية للسلام، وبدلاً من الحل، يصدّر النظام أزماته نحو دولة الإمارات وتشاد والشركاء الإقليميين هرباً من مأساة أشعلها "الإخوان"، ورغم هذا التعنت يظل جدار الرباعية الدولية الأمل الأخير للسودانيين لوقف الجنون الدموي والانتهاكات، وتخليص البلاد من قبضة "الإخوان" والجيش الذي يرهن مستقبل السودان لمصالحه الحزبية.

 

بلغت التحذيرات الدولية ذروتها في مجلس الأمن، حيث دان المندوب الأميركي مايك والتز  فظائع الجيش السوداني، ما يؤكد فقدانه الهوية الوطنية وتحوله مجموعة تستولي على الحكم. شملت الإدانات الانتهاكات والجرائم الإثنية في مدينة "ود مدني" واستخدام الأسلحة الكيميائية، مما يضع صدقية الاتفاقات الدولية على المحك، وتأكيده على وجوب إخضاع السودان للمساءلة. وانتهت الإحاطة بمطالبة الجيش والدعم السريع بإنهاء النزاع فوراً، مع التلويح بآليات الإخضاع والمحاسبة وفق القانون الإنساني الدولي لردع من يستمر في ارتكاب الانتهاكات.

 

يُمثل نظام بورتسودان نموذجاً فاشلاً يخطف الشعب ويُديم الحرب والتنكيل، بينما يكمن "الإخوان" داخل مؤسسات الجيش والأمن بانتظار الانقضاض التام على السلطة. هذا السيناريو يُنذر بمستقبل أكثر خطورة، إذ يهدف الإسلام السياسي لنشر الفوضى الإقليمية تحت شعارات أيديولوجية، مما يهدد أمن سائر دول البحر الأحمر ويستهدف استرداد الحكم بأي ثمن، ولو كان ذلك فناء الشعب السوداني.

جلسة نيويورك التي أشرت إليها فاصلة وحساسة وتمثل بوابة خطيرة نحو مرحلة جديدة إذا لم يتدارك نظام بورتسودان اللحظة، وهي أيضاً خيبة أمل لنظام بورتسودان وجماعات الإسلام السياسي، ولجميع الأطراف المتحالفة معهم والداعمة استمرار الحرب كذلك، لتحقيق أجندة وأهداف سياسية عبرها، تعيد السودانيين الذين عبروا عن رفضهم لنظام "الإخوان" بثورة شعبية إلى دائرة الظلام. وتجلت خيبة أمل كامل إدريس أمام سرد واشنطن لجرائم الجيش، التي فضحتها تحقيقات "سي إن إن" وصحف عالمية، كاشفة سجلاً صادماً من الانتهاكات الموثّقة دولياً.

 

 عانى أخوتنا  في السودان من استفراد "الإخوان" والجيش بالسلطة ثلاثة عقود، بحيث تسببت تحالفاتهم النفعية بحروب وجرائم إبادة، مما وضع قادتهم العسكريين والمدنيين تحت طائلة الملاحقة الجنائية والعدالة الدولية.

يواجه السودان اليوم خطرين، كمون "الإخوان" داخل الجيش لإدارة الحرب من خلف الستار، أو الانقضاض التام لاسترداد الحكم. ويُعد الأمين العام للحركة الإسلامية على كرتي المطلوبين للعدالة الدولية أحمد هارون والرئيس المخلوع البشير، رموزاً لهذا التحالف الذي يقاومه السودانيون الطامحون لإنهاء العقود العسكرية وحمام الدم. ويتطلع الشعب الى حكم مدني مستقر يُنهي تمكين "الإخوان"، ويقود البلاد نحو مسار التنمية بعيداً من المهدّدات.

 

ينطبق مثل شعبي لدينا يقول "عوقك في بطنك" على السودان، فالسودانيون قادرون على تجاوز بلاء "الإخوان"، لكن التنظيم يتقن تبادل أدوار المجرم والضحية. وبدلاً من مواجهة فشلهم التاريخي، يصدّرونه للخارج عبر استهداف الجوار كتشاد وكينيا والإمارات باتهامات زائفة، بحثاً عن ملاذات آمنة وهروباً من مسؤوليتهم عن معاناة الشعب المبتلي بتبعات حكمهم وتآمرهم المستمر على استقرار المنطقة.

لم تكن دولة الإمارات إلا طرفاً يدعو لتعزيز الامن والاستقرار في السودان، لكن حملات تشويه السمعة معروفة الدوافع والمغذيات، ولاتريد الإمارات إلا وقفاً فورياً للنار بين الاطراف المتحاربة، والشروع في مسار استعادة الحكم المدني الدستوري، والفصل بين التحزب والجيش من أجل حياة السودانيين، والإلتفات إلى الموارد والتنمية، وتوفير الفرص للحياة الكريمة، والتوقف عن تصدير الإرهاب والأزمات بما يهدد كل جوار السودان، ويهيئ لنسخ نموذج سوداني مشابه في دول أخرى بما يعنيه ذلك من تفتيت للدول العربية، وتهيئة لتوطين الإرادات الاقليمية ومشاريعها للعبث بمنطقتنا العربية.

هنا لابد من الإشارة إلى تبني الإمارات موقفاً حازماً يدعو الى وقف الحرب واستعادة الحكم المدني، رغم حملات التشويه الممنهجة كآخر ملاذات هروب "الإخوان". والواقع أن فصل الجيش عن التحزب ضرورة لحماية السودان والمنطقة من تصدير الإرهاب، وقطع الطريق أمام المشاريع الإقليمية التي تسعى الى تفتيت الدول العربية والعبث بأمنها القومي، وهذا مطلب السودانيين قبل أن يكون لغيرهم.

إن تصدير المظلوميات والاتهامات الزائفة لن يحجب حقيقة أن رهن الدولة والجيش لمصالح حزبية وأيديولوجية هو ما فجّر الصراعات، وأوصل السودان الى هذا الواقع المأسوي خدمةً لأجندات خارجية دمّرت البلاد. لذلك يكمن الحل في وقف التهرب من الاستحقاقات الدولية ومبادرات السلام، فالمراوغة السياسية ومهاجمة الوساطات لن تحمي النظام من التكلفة الباهظة، ولن تزيد السودان إلا دماراً على يد ثنائية العسكر و"الإخوان". وما مبادرة كامل إدريس في مجلس الأمن إلا جولة "ماراثون" جديدة للهروب إلى الأمام من دفع استحقاقات السلام الذي يعبّر عن تطلعات الشعب السوداني، وليس الثنائية المدمّرة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/27/2025 1:57:00 PM
قوة للجيش الإسرائيلي، مؤلفة من ست آليات عسكرية، دخلت من اتجاه التلول الحمر، مروراً بالمنطقة الواقعة بين بلدتي بيت جن وحضر، وصولاً إلى قرية طرنجة.
المشرق-العربي 12/27/2025 3:25:00 PM
وقعت وزارة الدفاع العراقية في 2024 عقداً مع شركة إيرباص لشراء مروحيات H225M كاراكال، في إطار خطة لتحديث أسطول طيران الجيش وتنويع مصادر التسليح بين الشرق والغرب.​
المشرق-العربي 12/27/2025 4:36:00 PM
صودرت المضبوطات وفق الأصول القانونية المعتمدة، فيما أحيل المقبوض عليه إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه.
المشرق-العربي 12/28/2025 9:46:00 AM
يواجه الفلسطينيون في غزة مأساة إنسانية