الراعي في رسالة الميلاد: نُصلّي لنجاح المفاوضات وإبعاد شبح الحرب وتمكين الجيش اللبناني من جمع السلاح غير الشرعي
أعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في رسالة إلى المؤمنين واللبنانيين، عشية عيد ميلاد السيد المسيح، أنه "ما إن غادر البابا كانت الموافقة الأميركيّة على المفاوضات وتعيين السفير كرم"، مصلياً "من أجل نجاح المفاوضات وإبعاد شبح الحرب وتمكين الجيش اللبناني من جمع السلاح غير الشرعي وحصره بيد السلطة".
أضاف أنّ "لبنان اليوم لا يحتاج الى إدارة أزمات متلاحقة، بل إلى رؤية وطنية شاملة وإرادة سياسية صادقة تخرخ البلاد من منطق الترقيع والانتظار إلى منطق البناء والمسؤولية".

وناشد في رسالة الميلاد، المسؤولين اللبنانيين "أن يجعلوا من الإصلاح أولوية وشعاراً ومن الشفافية نهجاً ومن العدالة قاعدة لا تنازلاً، فالإصلاح الاقتصادي المالي لم يعد خياراً بل ضرورة وجودية تبدأ بإعادة الثقة وتنظيم المالية العامة وحماية أموال الناس وضمان حقوقهم، وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي الكريم".
كذلك ناشدهم "أن تضعوا الإنسان في صلب السياسات العامة: الإنسان الذي يتألم، الذي يعمل، الذي يربي أبناءه بعرق جبينه، والذي ينتظر من دولته أن تكون له سنداً لا عبئاً. فالدولة التي لا تحمي مواطنيها، تفقد معناها، وتخسر مبرر وجودها"، مضيفاً: نناشدكم بروح الميلاد، أن تختاروا المصالحة لا الانقسام، والحوار لا التعطيل، والمصلحة العامة لا المصالح الضيقة. فالوطن لا يبنى بالغلبة، ولا يدار بالخصومات الدائمة، بل بالتلاقي، وبالعمل المشترك، وبالقدرة على تقديم التنازلات المتبادلة من أجل لبنان".
وأشار إلى أن "التاريخ لا يرحم، والأجيال المقبلة ستحاسب. والميلاد اليوم يضعنا جميعاً، مسؤولين ومواطنين، أمام سؤال واحد: ماذا فعلنا بالوطن الذي أعطي لنا أمانة؟ فليكن جوابكم أفعالاً تليق بالثقة، وتعيد الأمل، وتفتح باب المستقبل".

وتطرق الى "موضوعين أساسيين: التربية والاستشفاء"، موضحاً أن "المدارس الكاثوليكية في لبنان تشكل الرأسمال التربوي الحقيقي للوطن. لا يقتصر دورها على التميز الأكاديمي فحسب، بل يمتد ليشمل التربية على القيم الروحية والإنسانية والأخلاقية، وثقافة السلام، وروح المواطنية، واحترام التعددية، في إطار رؤية تربوية إنسانية شاملة، ما يجعل منها ثروة فعلية للكنيسة وللبنان على حد سواء".
وأفاد بأن "عددها 310 مدارس موزعة على الأراضي اللبنانية كاملة. وتضم ما يقارب مئتي ألف تلميذ، ثلثهم من غير المسيحيين، وخمسة عشر في المئة منهم في التعليم المجاني، موزعين على تسعين مدرسة مجانية، تقع غالبيتها في المناطق الجبلية والأطراف حيث لا وجود لمدارس رسمية أو خاصة".
ولفت إلى أن "المدرسة الكاثوليكية صمدت في وجه الأزمات المتعاقبة، وصولا إلى الحرب الأخيرة التي حولت بعض القرى إلى خراب ودمار. ومع ذلك، استمرت هذه في احتضان أبنائها، فآوتهم عند الحاجة، وتابعت أوضاعهم خلال النزوح".
وأكد "أن هذه المدارس، كسائر القطاع التربوي الخاص، ما زالت تواجه تحديات مصيرية، أبرزها:
1- أزمة مالية خانقة ناجمة عن الانهيار الاقتصادي، وضعت المدارس أمام مطالب معيشية محقة للمعلمين وضرورة تطبيق القوانين والمراسيم النافذة، في مقابل عجز متفاقم لدى شريحة واسعة من الأهالي عن تسديد الأقساط المدرسية، ما يهدد يوما بعد يوم استمرارية رسالة الكنيسة التربوية.
2- غموض مصير تعويضات المعلمين الحاليين والمتقاعدين وتقاعدهم، الأمر الذي يستدعي وفاء الدولة بالتزاماتها، والإفراج عن أموال المؤسسات التربوية الخاصة، وتسديد الديون المتراكمة عليها.
3- الإقفال التدريجي لعدد كبير من المدارس المجانية نتيجة تقصير الدولة في دفع مستحقاتها المتراكمة منذ عام 2019، ووفق نظام يحدد قيمة مساهمة الدولة بنحو 10 دولارات سنوياً عن كل تلميذ. إن فقدان هذا النوع من المدارس يعرض البلاد لخطر اجتماعي وتربوي كارثي.
4- التأخر في تشكيل المجالس التحكيمية حتى تاريخه، رغم الوعود المتكررة، والتي من شأنها إعادة انتظام العلاقة بين المدرسة والأهل على أسس قانونية عادلة.
5- الافتقاد الى تشريع عصري وعادل مبني على روح تشاورية، يعطي كل ذي حق حقه".
إلى ذلك، اعتبر أن "المستشفيات في لبنان تُعد الركيزة الأساسية للنظام الصحي وهي تلعب دوراً محورياً يتجاوز تقديم العلاج ليشمل الحماية الاجتماعية والأمن الصحي، وهي تؤمن الرعاية العلاجية والجراحية والخدمات الطبية المتقدمة من عمليات جراحية معقدة إلى علاجات متطورة، وتمثل خط الدفاع الأول في مواجهة الحروب والأوبئة والكوارث الكبرى، وتعمل المستشفيات الجامعية الكبرى كأدوات تعليمية لتخريج الأطباء والممرضين مما يحافظ على جودة الكوادر الطبية اللبنانية".

وأكد أن "المستشفيات الخاصة تمثل 80% من القطاع الاستشفائي ولقد أثبتت خلال الأزمات والحروب المتلاحقة جدارتها في تحمل مسؤولياتها، ولقد نجحت في اجتياز الأزمة الاقتصادية بأقل ضرر ممكن بالتعاون مع الهيئات الصحية الرسمية والخاصة والخيرين، لكنها لا زالت ترزح تحت وطأة الأعباء والأكلاف المادية الكبيرة من أجور ورواتب وطاقة وغلاء المستلزمات الطبية وغلاء المعيشة، وتعرفات لا تعكس التكلفة الحقيقية للأعمال الطبية والاستشفائية، وهي تحاول بالتفاوض مع الهيئات الرسمية والخاصة الحصول على بدل عادل لهذه الأعمال، ونرجو أن تتجاوب هذه الهيئات مع مطالبها المحقة كي تستمر هذه المؤسسات في تقديم نوعية خدمات استشفائية جيدة ومميزة".
نبض