المشهد من طهران بعد اتفاق غزة: حماس حقّقت بعض المكاسب وإيران خسرت

وهنا يُطرح السؤال: ما الجدوى التي جنتها فلسطين أو إيران من هذه الحرب؟
الصراع الممتد منذ 77 عامًا بين العرب وإسرائيل كان في جوهره صراعًا عبريًا-عربيًا-غربيًا، ودخول إيران إليه بعد انسحاب الدول العربية كان خطأً مكلفًا. لذلك، آن الأوان أن تترك إيران هذا النزاع أو السلام فيه لأطرافه الأصلية.
فالهجمات التي شنّها كل من "حماس" و"حزب الله" والحوثيين على إسرائيل وسفنها في البحر الأحمر أدت إلى ثلاثة مواجهات مباشرة بين إيران وإسرائيل، كلفت الطرفين خسائر بشرية ومادية كبيرة. ولو لم تبدأ حماس الحرب، لما اندلعت المواجهات بين إسرائيل وإيران، ولما دفعت طهران ثمن نزاع عبري-عربي لا يعنيها مباشرة.
ولو لم تشارك "حماس" و"حزب الله" في الهجمات، لما استهدفت إسرائيل قادة إيران العسكريين ومراكزها الاستخباراتية. كذلك، لولا تلك الهجمات لما قُصفت منشآت نطنز وفوردو وأصفهان النووية، ولما اغتيل العلماء النوويون، الذين كان يمكن أن يشكلوا رصيدًا استراتيجيًا للأجيال المقبلة.
كما أن العقوبات الدولية لم تكن لتُعاد، ولا الدولار كان سيتجاوز 100 ألف تومان، ولا الذهب ليبلغ أكثر من 100 مليون تومان.
ومع ذلك، لا تزال العقيدة الرسمية في طهران قائمة على دعم حماس و"حزب الله"، وهو ما ترجمته زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي إلى لبنان، رغم أن أي دولة عربية لم تعد مستعدة للانخراط في تلك المغامرات. بل على العكس، تدعم الدول العربية والإسلامية، مثل تركيا وباكستان، بقوة خطة السلام المكونة من 20 بندًا التي طرحها دونالد ترامب، وقد شكرت حماس نفسها ترامب على جهوده.
الواقع أن إيران بدأت تخسر أوراقها التقليدية: فحزب الله فقد قدرته الردعية القديمة، ويخضع لضغوط أميركية وسعودية وتركية وفرنسية لنزع سلاحه. والشيء نفسه ينطبق على "الحشد الشعبي" في العراق، الذي تُمارس عليه ضغوط للاندماج في الجيش العراقي.
من جهة أخرى، تربط باكستان اتفاقية دفاعية مع السعودية، وقد أبلغت طهران أن أي هجوم على الرياض سيُعد هجومًا على باكستان نفسها. والأهم أن ترامب، بعد قصف إيران لقاعدة العديد في قطر والهجوم الإسرائيلي على اجتماع قيادة حماس في الدوحة، أصدر أمرًا يقضي بحماية قطر من أي هجوم خارجي. أما تركيا وأذربيجان، فهما في خلاف مصالح مع إيران وتستضيفان وجودًا إسرائيليًا فعّالًا.
+كل هذه المعطيات تشير إلى أن الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط تتغير ضد المصالح الوطنية الإيرانية. وإيران اليوم أمام مفترق طرق: إما مواصلة العقيدة القديمة المكلفة، أو تغيير الاتجاه نحو التسوية والقبول بخطة السلام وحل الدولتين والتفاهم مع الولايات المتحدة.
ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها حماس، إلا أن مقاومتها أسفرت عن نتائج ملموسة، منها إدانة بنيامين نتنياهو بجرائم حرب من المحكمة الجنائية الدولية، واعتراف 160 دولة بدولة فلسطين المستقلة.
الحروب قد تبدأ كملهاة، لكنها لا تنتهي إلا بمأساة، ويمكن رؤية آثار ذلك في الحروب كافة. ففي السابع من تشرين الثاني/أكتوبر 2023، كسرت حركة حماس الجدار الحديدي ودخلت إسرائيل.
هذا الحدث، الذي أراده محور "المقاومة" ضربة قاصمة لإسرائيل وأميركا، تحوّل إلى "كوميديا مريرة"، إذ شهدت شوارع طهران احتفالات وتوزيع حلوى وإطلاق ألعاب نارية، لكن النهاية جاءت تراجيدية لهذه الجماعة التي سعت إلى تدمير إسرائيل وأميركا مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي فُرض بضغط أميركي بعد عامين من الحرب.
علي صالح آبادي – مدير تحرير صحيفة "ستاره صبح" الإيرانية