وزارة الأمن الداخلي في لبنان

العميد المتقاعد أنور يحيى*

بنتيجة هجمات 7 تموز/ يوليو 2005، التي استهدفت محطات قطارات لندن، وأدّت إلى عشرات الضحايا، ثمّ تكررت بعد أيام قليلة لكن بخسائر أقلّ، تمكنت أجهزة الأمن البريطانية في شرطة لندن من توقيف الجناة الإرهابيين، واعترف مفوض شرطتها بعجزه عن تأمين الحماية التامة للسكان وطلب تعاونهم. أدخلت إصلاحات تنظيمة، منها دمج فرع الأمن الداخلي 12 SO مع الفرع الخارجي SO13 ليصبح SO15، والهدف تسهيل تبادل الاستخبارات الأمنية، وهي ترتبط بوزارة الأمن الداخلي Home Secretary.

أما في الولايات المتحدة، التي تعرضت لهجمات إرهابية يوم 11 أيلول/سبتمبر 2001، استهدفت مركز التجارة العالمي في نيويورك، وأسفرت عن آلأف الضحايا والخسائر البشرية غير المسبوقة، وبنتيجة أعمال لجنة شكلها الكونغرس لتقييم ما جرى، ومحاسبة المقصرين وتقديم المقترحات لحماية أمن الولايات المتحدة بشكل أفضل، تبين قصور التبادل الأفقي للاستخبارات الأمنية في ما بين الأجهزة لقلة الثقة بينها، كما في معظم الدول، وأدخِلت إصلاحات تنظيمية للأمن الوطني، منها:

استحدات وزارة الأمن الداخلي Home Land Security Secretary التي تضم ممثلين عن إدارات:

مكتب التحقيقات الفيديرالي (FBI)، الوكالة المركزية للمخابرات (CIA)، مكتب مكافحة المخدرات (DEA)، مكتب مكافحة الكحول والتنباك والأسلحة (ATF)، الخدمات السرية (Secret Service).

كما تم استحداث مراكز الأنصهار الأمني Fusion Centers في الولايات كلها، حيث يتم تحليل المعلومات data الأمنية وتحويلها إلى استخبارات intelligence، واستخلاص القاعدة Inference التي تُبين ميكانيكية الجريمة.

أما في فرنسا، التي استهدفها الإرهاب الكبير 2015، ثم هجمات ملعب باتي كلان، التي أسفرت عن مئات الضحايا، إضافة إلى ضحايا صحيفة "شارلي إبدو"، فشكل البرلمان الفرنسي لجنة لدراسة أسباب اختراق الإرهابيين لتدابير الحماية الفرنسية، فكان من نتائجها:

إدخال إصلاحات إلى بنية الأجهزة الأمنية لتسهيل سرعة تبادل الاستخبارات الأمنية بين الأجهزة، وتفعيل النيابة العامة المختصة بالإرهاب.

نائب مفوض شرطة إيرلندا Fitzgerald، رئيس البعثة التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة إثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم 14/2/2005، وبعد دراسة ميدانية لحالة القضاء وأجهزة الأمن اللبنانية، أصدر تقريره ورفعه إلى الأمين العام، وفيه يؤكد:

-القصور الخطير لأجهزة الأمن اللبنانية بتوقع الاغتيال وتأمين الحماية المناسبة.

-الغياب المطلق للاستخبارات الصحيحة.

-عدم ثقة الأجهزة في ما بينها لتبادل الاستخبارات الأمنية.

إن وزير الداخلية مناط به مسؤولية الأمن الوطني (المادة 12 من المرسوم الاشتراعي رقم 102/1983) ويرأس مجلس الأمن الداخلي المركزي، ومن أعضائه:

محافظ بيروت، النائب العام لدى محكمة التمييز، قائد الجيش أو من يمثله، المدير العام لقوى الأمن الداخلي، المدير العام للأمن العام (يحق للوزير استدعاء من يراه مناسباً لحضور جلسات المجلس، ومنهم المدير العام لأمن الدولة، مدير المخابرات... وفي كثير من الأحيان، كان ممثل المخابرات السورية في لبنان يحضر هذه الاجتماعات قبل العام 2005)، أمانة عامة للمجلس برئاسة ضابط قائد من الأمن الداخلي.

للأسف، فشل هذا المجلس في منع حدوث اغتيالات وطنية كثيرة استهدفت: الرئيس رفيق الحريري وباسل فليحان، سمير قصير وجورج حاوي، جبران تويني (2005) ثم أنطوان غانم، وليد عيدو، العميد فرانسوا الحاج، النقيب وسام عيد وغيرهم .

إن المديرية العامة لأمن الدولة تم استحداثها العام 1985، ضمن قانون الدفاع الوطني، ومن مهامها مكافحة شبكات التجسس والأعمال الأرهابية، علماً أن مديرية المخابرات في الجيش لديها إنجازات كثيرة مع شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بالتصدي لهذه الشبكات التي تستهدف الوطن، كما أن هناك قسم مكافحة الإرهاب في وحدة الشرطة القضائية ينتظر التجهيز والتنسيق والتفعيل للقيام بمهامه المحددة ضمن المرسوم التنظيمي الرقم 1157/1991.

إن داتا الاتصالات يتم توزيعها إلى: الأمن العام، مديرية المخابرات، شعبة المعلومات تباعاً للاستثمار الأمني ولتدارك جرائم محتملة (الضابطة الإدارية)، أو لكشف جرائم حصلت (الضابطة العدلية). وتعمل هذه الأجهزة بكل تقنية واندفاع لحماية الأمن الوطني، حيث تزداد التهديدات الإرهابية وجرائم تكنولوجيا المعلومات Tech Crimes. وأضحت جرائم الإنترنت والقرصنة والابتزاز الشخصي كثيرة الأنواع والأصناف وترتكب بتقنيات عالية، ولا سيما مع تنامي ظاهرة الذكاء الأصطناعي Artificial Intelligence (AI). وتكثر جرائم استهداف الحسابات المصرفية والأسرار العائلية والابتزاز الشخصي، مما يستوجب إدخال تعديلات تنظيمية إلى هيكلية الأمن في لبنان.

لا يمكن التصدّي لجرائم تُرتكب مستخدمة تقنيات عالية التكنولوجيا بوسائل قاصرة عن تطور التكنولوجيا. وكما قال مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي Louis Freeh: "غالباً ما يكون الإرهابيون مزوّدين بتقنيات ووسائل متطورة عالية التكاليف، وتقصر عنها تجهيزات الشرطة لضمور الموازنة الحكومية".

بحث مجلس الوزراء اللبناني في جلسته برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، بتاريخ 6/10/2005، استحداث المكتب المركزي للمعلومات، لكنهم اختلفوا بمن يرتبط؟ هل يرتبط بأمانة مجلس الدفاع الأعلى، الذي يرأسه رئيس الجمهورية أو نائبه رئيس مجلس الوزراء، أم بوزير الداخلية ضمن هيكلية أمانة سر مجلس الأمن الداخلي المركزي؟

إن جرائم: تكنولوجيا المعلومات، الإرهاب، تبييض الأموال، قرصنة الحسابات الإلكترونية، الابتزاز، الإتجار بالبشر، وغيرها، تزداد يوماً عن يوم، وربما تبقى الأجهزة الأمنية القائمة، رغم التفاني في المكافحة، غير قادرة كلياً على منعها أو كشف كامل أسرارها ربما لضعف بالتجهيز، أو بالتدريب وتأمين المعلومات اللازمة لتسهيل عمل أجهزة المكافحة.

وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار

يجهد وزير الداخلية العميد أحمد الحجار بكل الإمكانيات لإدارة الوزارة وتأمين اللوجستية المطلوبة وفقاً للإمكانيات المتاحة بالميزانية المحدودة، وتحقق أجهزة إدارته النجاحات الكثيرة في مجال مكافحة المخدرات الممنوعة وغيرها، بغية التصدي لجرائم هذا العصر بالوسائل المناسبة لتأمين سلامة المواطنين وتفعيل ثقتهم بالدولة الراعية لأمنهم واستقرارهم.

وبهدف تفعيل الأجهزة الأمنية وسرعة تبادل الاستخبارات المطلوبة في ما بينها لحفظ أمن الوطن بصورة أفضل وأجدى... أقترح:

1-استحداث وزارة الأمن الداخلي ضمن إدارات الحكومة اللبنانية وتضم:

أ-المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي

ب-المديرية العامة للأمن العام

ج-المديرية العامة لأمن الدولة

د- المديرية العامة للمخدرات (القانون رقم 673/1998)، علماً أن المراسيم التطبيقية لهذا القانون لم تصدر لحينه.

ه-جهاز أمن المطار

و-الضابطة الجمركية

2- تطبيق الفقرة ب من المادة 95 من الدستور اللبناني ولا سيما: "أن وظائف الفئة الأولى مناصفة بين المسلمين والمسيحين (بانتظار إلغاء الطائفية السياسية)، دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

إننا نتطلع مع هذه الإدارة الجديدة منذ 9/1/ 2025 إلى لبنان الكيان والوطن بنظرة تفاؤلية وإصلاحية علنا نرى من هاجر من شبابنا، وربما لغير عودة، ثانية في وطنهم، يعملون ويجهدون بتفوق كما تفوقوا في الخارج، ونالوا أعلى المراتب، وإلى جانب من ربوهم وأصبحوا في خريف أعمارهم!

*قائد سابق للشرطة القضائية (2005-2010)

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.