لحظة الحقيقة... "حماس" وسؤال المصير: انقلاب استراتيجي في الإقليم!

عقب الإعلان عن "خطة ترامب" لوقف النار في غزة، قفزت التساؤلات عن مستقبل "حماس"، وتغيّرت الأرض تحت أقدام الحركة المسلّحة، فزاد موقفها سوءاً أكثر من أيّ وقت. تأبى "حماس" تفكيك سيطرتها على القطاع؛ في المقابل ترفض إسرائيل أي حلّ لا يفكّك قدرتها على الحكم أو المقاومة. تثور أسئلة حساسة عن المشروع السياسي للحركة وعلاقته بالسلاح، بينما يصبح النقاش داخلها أشد حدة، على أبواب "انقلاب استراتيجي" في الشرق الأوسط.
تحولات ثقيلة؛ فعندما بدأت إسرائيل حربها على غزة عقب 7 أكتوبر 2023، أعلنت أن هدفها هو القضاء على "حماس". وبعد عامين من القتل والتدمير، نجح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترامب في وضع الحركة تحت ضغط هائل: إما أن تسلّم أسلحتها بل وقادتها، وإما أن تتحمل مسؤولية إفشال خطة سلام بائسة؛ سلام القوة، أي تركع بقوة السلاح، فتستسلم لشروطه إذا أردت العيش بسلام. تصادر خطة ترامب مكتسبات النضال الفلسطيني، وتضع غزة تحت "مجلس وصاية"، في خطة تلفيقية هدفها الربح المادي على حساب أهالي القطاع، تعتبرهم "زائدة دودية" حضارياً. وفي صلب الخطة وصاية أميركية، ما يجعل سيناريوات المصير "الحمساوي" كابوسية إجمالاً!
مصير "حماس" أمر حيوي، أبعاده استراتيجية سياسية وأمنية وإيديولوجية، لا تقف عند غزة، بل تلقي بظلالها على الإقليم والعالم، بغض النظر عن الموقف من حماس - معها أو ضدها - بين من يعتبرها حركة مقاومة عظيمة أو من يعارضها لخلط الدين بالسياسة، بالمقاومة، بالأرض، بالمصير. بين من يعتبر أن عملية 7 أكتوبر أعادت الحياة إلى القضية، أو من يرى أنها قتلت 65 ألف مدني، يصعب توقع النهايات، في ظل وجود شبه "اتفاق كوني" على ألا يكون للحركة دور.
من رحم جماعة "الإخوان المسلمين"، تأسست "حماس" في 1987 بمباركة إسرائيلية، لمنافسة حركة "فتح"، فحدث شرخ في اللحمة الفلسطينية. تتوزع أجنحة الحركة بين غزة والضفة والخارج. ومنذ اغتيال يحيى السنوار، يقودها مجلس من خمس شخصيات برئاسة محمد درويش، وعضوية خالد مشعل، وخليل الحية، وزاهر جبارين، ونزار عوض الله، رجل الظلّ القويّ. تقوم هذه القيادة على توافقات الحد الأدنى، منعاً للانفجار الداخلي. لكن التشققات العمودية تضرب الحركة، بين العسكريين و"الإخوان"، خاصة "التنظيم العالمي".
يغيب عن الجميع أن "لا وقت للفرص الضائعة"، فـ"حماس" في فخّ خطير، محشورة في زاوية خانقة. رأت "وول ستريت جورنال" أن "حماس" تعاني العُزلة، وانكسار "حزب الله"، وإضعاف إيران والحوثيين، مع تدهور قدرات الحركة. لم يتخيّل قادتها أن إسرائيل ستهاجم قطر، محاولة اغتيالهم بينما يدرسون مقترحاً أميركياً للهدنة.
يمارس نتنياهو كل الحيل لتحطيم آمال الفلسطينيين في دولة مستقلة، فوجد في الحرب ذريعة للسيطرة على الأراضي، والتهجير، والاستيطان. قال سيمون تيسدال في "الغارديان": "نتنياهو لن يقبل أبداً بالسلام، أي هدنة وقفة قصيرة وخادعة في حرب أبدية". ورأت "هآرتس" أن نتنياهو يمارس "تلاعباً يفتقر إلى الشرف". موازين القوة بين إسرائيل و"حماس" مختلة، لكن استئصال الحركة شيء آخر. اقترح نتنياهو خروج قادتها من غزة، مقابل الإفراج عن الأسرى. "جيروزاليم بوست" قالت إن انتصار إسرائيل على "حماس" لن يكون حاسماً أبداً، فالحركة "لن تختفي ببساطة، وسوف نضطر لمحاربتها مستقبلاً، ويصعب إخضاع من تبقوا من سكان غزة لعمليات مسح لمعرفة من يدين بالولاء لـ’حماس‘".
يظل المحك من يحكم غزة، ومن يملك سلاحها. تفضي ترتيبات "خطة ترامب" إلى تجفيف وجود كوادر "حماس" في القطاع، واستبعاد أي دور لها في الحكم. نقطة التحول في الخطة هي نقل عبء التعامل المباشر مع الحركة المسلحة إلى دول عربية وإسلامية، وتصبح غزة تحت وصاية إقليمية – دولية تمثل فيها إسرائيل الضامن الأمني، وواشنطن القائد السياسي، والعرب والدول الإسلامية هم منفّذو عملية نزع سلاح الحركة، المعضلة عندئذ لن تكون مجرد البحث عن "ملجأ" يستقبل من تبقى من قادة "حماس".
هذه التحولات قد تدفع الحركة إلى تغيير استراتيجيات المقاومة بمفهومها المسلح، وستظل "حماس" - بشكل أو بآخر – موجودة بوصفها جزءاً من نسيج المجتمع، ويمكن أن تسعى للمشاركة على طاولة المفاوضات من أجل حلّ القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر، أو تعمل على انتزاع قيادة منظمة التحرير؛ ولا سيما أنها تعتبر هجوم 7 أكتوبر مماثلاً لمعركة الكرامة في 1968 التي مكّنت ياسر عرفات ورفاقه من السيطرة على المنظمة.
الأرجح أن حماس لن تتبخر، بل ستدخل في مراجعات جذرية، وسيخلد تنظيمها المسلح "كتائب القسام" إلى استراحة موقتة. ولو طبقنا مفهوم "الإنسان ذي البعد الواحد" للفيلسوف ماركيوز على الحالة الحمساوية، فإننا نفاجأ بأن تجارب حركات "الإسلام السياسي" كانت تعاني في أغلب الأحيان سطحية المراجعات وتضعضع البصيرة أمام الأخطار. فكم جنت هذه الحركات على أوطانها بحسن أو بسوء نية، وبعض الحروب لا تحرر أوطاناً، ولا تسقط إلا "ورقة التوت الأخيرة".
إن "مقاومة الاحتلال" حقّ لكل فلسطيني، قد تتغير أسماؤها وأشكالها واستراتيجياتها، لكنها تبقى فكرة وفعلاً نضالياً. تكمن النار تحت الرماد زمناً طويلاً، والشرق الأوسط يفيض بالمفاجآت المدوية!