الدكتور عصام سليمان
رئيس المجلس الدستوري سابقاً

لا ضرورة لتقديم اقتراحات قوانين لاستعجال إنشاء مجلس شيوخ، لأن المادة 95 من الدستور رسمت مسارا لتطوير النظام السياسي يبدأ بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وينتهي بإنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية. ويترافق استحداث مجلس الشيوخ مع انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي. الذين وضعوا اتفاق الطائف أدركوا أن الطائفية والطائفية السياسية لا تلغيان بقرار، إنما بمسار تتلاشى العصبيات الطائفية ويُمنع توظيفها في السياسة، وذلك من خلال سياسات ترسمها الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وتأخذ طريقها إلى التنفيذ.

ونظرا إلى أهمية هذه الهيئة والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، نصت المادة 95 على تولّي رئيس الجمهورية رئاستها ومشاركة رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة في عضويتها، إضافة إلى شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، ينبغي أن تكون ممن لهم تاريخ يشهد على وطنيتهم وبعدهم عن الطائفية، ويتمتعون بكفايات عالية ويمتلكون رؤية لما يجب أن يكون عليه لبنان.

هذه الهيئة كان ينبغي أن تشكل منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولم يوضع حتى تاريخه القانون الذي يحدد كيفية تشكيلها وصلاحياتها وآليات عملها، وذهبت الممارسات السياسية في الاتجاه المعاكس للمسار الذي رسمته المادة 95، فتجذرت الطائفية وتعمقت الانقسامات في المجتمع وازدادت الدولة هشاشة.

إن البحث في إنشاء مجلس شيوخ الآن هو خارج المسار، وعندما يحين وقت إنشائه ينبغي أن ينشأ بقانون دستوري وليس بقانون عادي، لأن مجلس الشيوخ مؤسسة دستورية تحدد صلاحياتها بموجب نص دستوري. فالمادة 22 من الدستور نصت على استحداث مجلس شيوخ تنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، لكنها لم تحدد القضايا المصيرية والصلاحيات التي ستعطى له، ليكون له دور أساسي في القرارات المتخذة في شأن هذه القضايا. وهذه الأمور لا يجوز تحديدها إلّا بموجب تعديل دستوري.

وردت المادة 22 التي تناولت استحداث مجلس الشيوخ، في الباب الثاني من الدستور الذي حمل  عنوان "السلطات"، وجاءت في الفصل الثاني منه تحت عنوان "السلطة المشترعة"، ولم يجر الكلام في هذا الفصل إلا عن مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وهذا يعني أن مجلس الشيوخ سيكون جزءا من السلطة المشترعة، بحيث يصبح البرلمان مشكلا من مجلسين، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهذا يستدعي تنظيم العلاقة بين مجلسي النواب والشيوخ وتحديد الآليات الدستورية التي يتطلبها اتخاذ القرار التشريعي الذي سيشارك في اتخاذه مجلس الشيوخ في كل ما له علاقة بالقضايا الوطنية المصيرية.

عندما يحين وقت إنشاء مجلس الشيوخ ستكون صلاحياته موضع جدال كبير، ما يستدعي توافقا وطنيا لن يكون بالامر السهل.

لكي يشكل مجلس الشيوخ ضمانا فعليا للطوائف عند انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي، ينبغي أن يعطى صلاحيات فعلية، فلا فائدة من مجلس شيوخ من دون هذه الصلاحيات، لأنه يصبح مجرد هيئة لا فاعلية لها، وبالتالي لا لزوم لها.

لندع جانبا البحث في مجلس الشيوخ ونبتعد عن فتح الباب أمام مشكلة جديدة تضاف إلى مشكلاتنا المعقّدة، ولنبحث في حل المشاكل الناجمة في شكل أساسي عن عدم التقيد بتطبيق الدستور.

لنبحث في إجراءات تؤدي إلى منع توظيف العصابيات الطائفية في المجال السياسي، واستغلالها على أوسع نطاق، فالنظام الذي نص عليه الدستور طيفته الممارسات السياسية وشوهت المفاهيم التي بني عليها، وبخاصة مفهوم ميثاق العيش المشترك ومفهوم المشاركة في السلطة ومفهوم الديموقراطية البرلمانية، وسخرت هذه المفاهيم لتحقيق المصالح الخاصة والفئوية على حساب المصلحة العامة. وكان ينبغي أن تفسر بما يؤدي إلى بناء دولة قانون ومؤسسات تصون سيادتها وتوفر شروط العيش الكريم لمواطنيها بكل انتماءاتهم، ليقوى انتماؤهم الوطني ويتقدم على الانتماءات الأخرى. دولة يدرك المواطنون أنها ضمانهم الفعلي، ليغدو ثمة فائدة من عيشهم المشترك وليغدو لبنان فعلا لا قولا وطنا فعليا لجميع أبنائه.

فلنبحث عن حلول للمشاكل التي تعانيها الدولة والمواطن، تعيد إلى الدولة هيبتها واعتبارها، وإلى المواطن كرامته. ولنقرأ جيدا ما ورد في الدستور.