من وادي قنوبين حيث الضباب يمسي بخوراً... حدثٌ تاريخيٌ

لا أدري ما هي قصتي مع هذا الوادي وحتى قبل أن أعرف قصته, ولربما هي قصة كل من زاره وتركه مثقلاً بالخشوع, مغموراً بالسلام, ممجّداً الخالق وخلقه.

من الصحيح أنّه أينما توجهنا في أرضنا وبين جبالها ووديانها, لا مفرّ من الانذهال وسط كل ما يقابلنا من لوحات رائعة مرسومة بريشة الخالق, ولكن هنا, في عمق وادي قنوبين, حالة الذهول هذه تتخطى المنطق لتلامس اللاوعي وعمق أعماق الروح, حاملة إياها في رحلة تصوّف وتنسّك مع ذاتها وفي حضرة خالقها, لتلتمس النور وتمتلئ بسلام غريب عن الوجود, من ذلك المكان اللاموجود, والذي هو كل الوجود منذ أول الوجود.

هل هي رهبة صخوره وجباله الشامخة أو هي عمق وديانه وخشوعها الرهيب؟ لربما هو طيفه عزّ وجل وكأنه لا يتوانى من الظهور مع كل بزوغ فجر ومغيب شمس ناشرا البخور في ممرات الوادي المنسية لتفوح وتبارك كل عطاءاته وتذكر بعطاءات المؤمنين وشهاداتهم على مر الأجيال.

وكانت هذه المنطقة من المناطق التي انتشرت إليها المسيحية من أورشليم ونقلت معها الأورشليم الخاصة بهم كما أوضح الأب هاني طوق, من "قمة الشهداء" (القرنة السوداء) إلى "الجبل الكامل" (جبل مكمل); مكللاً بأرز مكرس للرب، ومروراً بمزارات القديسين على كتف الوادي وضمنه، وصولاً إلى سيدة الحصن في إهدن. وأورشليمهم هذه دفعت أيضاً ثمن الإيمان بالاضطهاد والشهادة على مر الزمن، وكان وادي قاديشا ومغاوره الملجأ والمخبأ حيث لم يخترق فعلياً إلا من المماليك في سنة 1283 وتم استشهاد أكثرية سكان المنطقة.

فأي مكان أجل من هذا الوادي لنرفع الصلوات لأمنا العذراء وفي أول يوم من أيام شهرها المبارك. وأليست الطريقة الفضلى هي دائماً بإحياء عادات وتقاليد جدودنا والإبقاء على الإرث من جيل لجيل. ومن هنا، ارتأت شبيبة البابا يوحنا بولس الثاني أن تكرم العذراء في بداية شهرها بنشاط روحي يجمع أكثر من 15 قرية من القرى الكامنة على كتف وادي قاديشا والتي أصلها من هذا الوادي.

يقع وادي قاديشا في قضاء بشري, شمال لبنان, ويعتبر من أعمق الوديان, على ارتفاع 1500م عن سطح البحر، وعلى مسافة 1210 كلم من بيروت وهو مقسم إلى قسمين, الأول باتجاه إهدن ويعرف بوادي قزحيّا والآخر باتجاه الأرز ويعرف بوادي قنوبين، وادي القديسين ويشقه نهر قاديشا. وتشتق كلمة قاديشا من جذور سامية ومعناها المقدس.

وهو معروف بطبيعته البرية الخلابة والغنية بما يفوق الـ 900 صنف من الأشجار والنباتات.

تأسست شبيبة البابا يوحنا بولس الثاني (Clan Jean Paul 2) سنة 2015 من قبل الأب ريمون عبدو، الرئيس الإقليمي للرهبنة الكرملية، متأثرة بحياة البابا يوحنا بولس الثاني الذي كان شغوفاً بالطبيعة ورياضاتها كالـ hiking وغيرها وبرسالته لجمع الشباب حول الطبيعة وتمجيد خالقها. وتقوم هذه المجموعة بعدة نشاطات روحية  نذكر منها مسيرات دروب القديسين، درب شربل والحرديني والقديسة مارينا وقريباً درب البونا يعقوب والأخ اسطفان.  ففي كل عيد قديس يحملون تقادم القداس (خبز وخمر وميّ) سيراً على الاقدام من بيت القديس الى ضريحه.  وإحدى المسيرات تعود الى الاحتفال بعيد القديسة رفقا وآخرها هي هذه المسيرة في وادي قنوبين والتي كانت فكرة الأخ أنطوني حنا والساعي لها.

وبالعودة إلى الأول من شهر أيار وبجهود من الشبيبة وتعاون مع مطران الأبرشية, أقيم إحياء تقليد يعود إلى أكثر من ألف سنة ولم يعمل به منذ أكثر من مئتين سنة وهو يعتبر حدثاً تاريخياً وعرساً مريمياً حيث نزل الرعايا من أكثر من خمس عشرة قرية واقعة على كتف الوادي ومن جميع الأعمار, إلى الوادي عبر دروب القديسين القدامى مرتّلين ومصلّين المسبحة على أربع مراحل. وكل منها كانت تحمل غرضاً من التقديمات للاحتفال بالقداس.

ومنها الى حين الالتقاء في دير سيدة قنوبين في تمام الساعة الواحدة على دق الأجراس وحيث احتفل بالقداس الإلهي وبعدها صلاة آخر بيت من المسبحة سوياً خلال زياح أيقونة سيدة قنوبين. وكنت قد نقلت مباشرة هذا الحدث على مواقعي الـ Instagram و الـ Facebook ويمكنكم الرجوع في أي وقت للـ story highlights

وفي الختام ليس لي إلا أن احترم جهود هذه الشبيبة والقيمين عليها لجمع الشباب بهدف تمجيد اسم الرب في قلب الطبيعة، وأتمنى أن تصل صلواتهم من قلب وادي القديسين وتتحد بصلوات شعبنا كافة للوصول بلبناننا إلى بر الأمان.

وأودعكم بالصورة التي حمّلنا إياها الوادي عند المغادرة وكأنها الصرخة الدائمة الملازمة: لا تخافوا أنا معكم...

ويمكنكم دوماً متابعة نقلي المباشر عبر حساباتي على Instagram @ nidal.majdalani

وعلى facebook @ Travelling Lebanon @ Nidal Majdalani

وعلى Twitter @ Nidal Majdalani ،

كذلك يمكنكم تصفّح مدوّني Travelling Lebanon Blog @ 

#العرس_القنّوبيني #شلوملخ_مريم #العرس_المريمي_القنّوبيني