الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"كلمات للضياع حبيبة للمنفى" لخريستو المر... كان جمالكَ مرآتي فصرتُ أنا لكَ مرآة

المصدر: "النهار"
جورج معلولي (طبيب ومحاضر في كلية الطب- جامعة القديس يوسف)
"كلمات للضياع حبيبة للمنفى" لخريستو المر... كان جمالكَ مرآتي فصرتُ أنا لكَ مرآة
"كلمات للضياع حبيبة للمنفى" لخريستو المر... كان جمالكَ مرآتي فصرتُ أنا لكَ مرآة
A+ A-

صدر للشاعر خريستو المر ديوان "كلمات للضياع – حبيبة للمنفى" عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، قصائده وليدة نجوم وجراح وهجرة: "نجوم جريحة/ تهاجر داخل داخلي/ تكوكب أوجاعها بي قصائد"، فتغدو نافذة من نور تقولها النفس صوراً في كلمات، حيث قسوة الجراح وجفاء المنفى يدفعان الإنسان المكلوم للتفتيش عن جنة ضائعة أو سماء.

كلمات الديوان حكايات مهداة إلى الأبرياء والمحبين في كل منفى. الحبيبة المسحورة مسجونة في برج ما، أو هي السماء تتخذ وجه الحبيبة طريقاً الى الكنز الدفين أو توأماً مرافقاً للشاعر الهائم. تقول الأم للطفل: "أترك جناحك خارجاً واكتب هنا: أفكارنا صفرٌ، مشاعرنا صفرٌ". تخنق كلماته وتجرّعه السمّ قسراً، سارقة منه كل قدرة على قول "لا". فإن صنع لنفسه أجنحة من شمع أحرقته نيران الظلم والحروب والأحقاد فسقط كما سقط إيكار. في هذا الإختناق يقول بجهد: "أدور/ على الكلمات/ فلا تتفوه طريقا". الألم الكبير صامت. يمكن للصمت أن يكون موتاً ويمكن أن يكون مخاضاً عسيراً لتولد الكلمات، حتى تتعلّم من جديد أن تقول "لا".

يعود المتألم الى الرحم، يفتش فيه عن حنان وعن رحمة. فالأم، وإن "لم تأت أعجوبة"، تحضّر لولدها "أغنيات المساء/ مكان ارتياح". اللطف يُفتقد في أزمنة القسوة فتفتر محبة كثيرين وينادي الشاعر: "ها أنا في مكان أنادي يدي/ أو أخي/ أو يسوعك/ أو أي شيء لطيف". تصبح الأم أو صورها هي الملجأ: "أمي حمتني/ وغاصت/ ومن خوفها فتشت صدرها/ بحثت عن هواء/ لتعطيني/ وعن آلهات/ لتحميني/ فأغمضت عيني كي أنتهي في يديها/ وراء جفون الأبد".

في هذه المسيرة لا بد من مرآة. يعوز الإنسان انعكاس ما ليفهم أو ليحاول أن يفهم بعد أن عطّلت المعاناة كل فهم. ويعوزه من يرافقه في الأتون أو في البئر التي رماها فيها أخوته البشر أو الظروف. في قلب الأتون ينكشف الغريب المصلوب مرايا للجراح: "وإني أشابه وجهي/ أمام جراح الغريب/ كما الله يشبه ذاته/ فوق الصليب"، "نصبت جراحي أمام العرش/ وأشعلت نار انكساري/ وكان جمالكَ مرآتي/ فصرت أنا لك مرآة".

وقد يكون عشق الحبيبين إحدى المرايا وبابا من أبواب الفهم: "معا نتسلّق المعنى/ منفى إثر منفى/ لا ينام لنا اشتهاء/ لا ولا وجع لنا يفنى". فشمس الفضاء تغيب لكن شمس القلوب لا تغيب كما اختبر الحلاج. وكما في نشيد الأناشيد "يجتاح سر الله" بشرة الحبيبين وتعود الى طيور النفس قدرة التحليق: "كم أحب حمام السلام/ الذي يتفتح نافذة نافذة/ في جداري/ ويشعل في حبنا حبا/ أو هو يشعل فينا/ إله الصباح".

بعد خبرة الجرح وخبرة الحب أو فيهما، يأتي الله النفس "عميقا"، وتنبت "حقول الورد في الوريد". وقد يكون شعر الشاعر "شهرزاد الصباح" الذي لا ينسى البداية ولا ينهي الحكاية. فبعد حكايات العصافير وحكايات الضوء، حكاية درويش ويلتئم الديوان كما من جرح يحمل "برق الملح" و"يشتهي حبا شريداً" ويفتح للقارئ نوافذ من شعر وحب.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم