
موسوعة أدبية أكاديمية رائدة، جمعت شعراء جبل عامل المعاصرين، للمرة الأولى في تاريخ لبنان. وتعدّ بحق خطوة جريئة وديوان الإبداع والأدب، نظرا إلى شموليتها وموضوعيتها ودقّتها، لا سيما أنّ مادتها أشرفت على اختيارها لجنة أكاديمية رفيعة. وما يلفت الانتباه أنها لا نستثني أي مذهب أو طائفة، فهي حرصت على التنوع الذي وسمها بموسوعة الوحدة الوطنية الأدبية وكتاب الهمّ الإنساني.
موسوعة "شعراء جبل عامل المعاصرون" أطلقت أخيراً في مهرجان ضخم، فمن أعدّها، وما البواعث والأهداف، ومَن شارك فيها؟ وما منهجيتها؟ وما معايير انتقاء شعرائها، وما ثغرها؟ أسئلة طرحتها "النهار" على الدكتور حسن عاصي، فأجاب عنها بصراحة...
مَن هو الدكتور حسن عاصي، وما علاقته بجبل عامل وشعرائه؟
أنا دكتور في الفلسفة. أستاذ جامعي متقاعد. صاحب "دار المواسم" للطباعة والنشر، وعضو اتّحاد الكتّاب اللبنانيين، وعضو مؤسس في حوار الثقافات والأديان؛ وحاليا الأمين العام لمركز البحوث والدراسات العاملية. إلى جانب فخري واعتزازي بالانتماء إلى "العاملية"، نظراً إلى ما تختزنه من تراث وحضارة وثقافة، وما نبغ فيها من أعلام كانت لهم الريادة في كل الميادين التي خاضوا غمارها، في الوطن وما وراء البحار.
علاقتي بشعراء جبل عامل قوية ومتلاحمة، فقد كانوا باكورة إصدارات مركز البحوث والدراسات العاملية، نظرا إلى ما يمثله الشعراء العامليون من مظاهر فخر واعتزاز، من خلال الجوائز التي أحرزوها والمناصب التي تبوأها في محافل الشعر ومهرجانات القوافي في العواصم العربية والعالمية.
تعدّ موسوعة "شعراء جبل عمل المعاصرون" رائدة، ما بواعث إعدادها؟
الموسوعة عمل غير مسبوق، نظرا إلى ما تتضمّنه من سيرة الشعراء العامليين ونتاجهم، ومن خلال المنهج الذي اعتمد في إعدادها؛ تضمّنت الشعراء المعاصرين، ونوّهت بإنجازاتهم ونجاحاتهم.
فقد كانت الموسوعة الحلقة الأولى من الإضاءة على أعلام جبل عامل في سائر ميادين العلم والمعرفة: أطباء ومهندسون ورجال أعمال، وما إلى ذلك من مجالات النبوغ والمعرفة التي شهدت لهم بها جامعات العالم.
ماذا عن توقيت إصدارها؟ وكم استغرق إعدادها؟
منذ مدة، ونحن مسكونون بالشأن العاملي، وقد زادت حماستنا لذلك أمام تواضع الجهود المبذولة لإشهار ذلك التراث، مع تعدّد تلك الجهود وأهميتها، قياساً لما يختزنه التراث العاملي من ذخائر ونفائس ومعالم وأعلام.
لقد استغرق العمل في الموسوعة ما يقارب السنتين، تظافرت خلالها جهود فريق عمل مثابر، تنسيقاً وتشاوراً ومراجعة.
ما المنهجية التي تبنّيتها في الكتاب، وما معايير اختيار الشعراء؟
كانت منهجيتنا في الإعداد أشبه بالعمل الميداني، حيث تواصلنا مع كل الشعراء شخصياً، ووافانا كلّ شاعر بالمادة التي تخصّه، إعدادا ومراجعة وتصحيحاً...
وكانت معايير اختيار الشعراء موضوعية، فمعظمهم كان أحرز جوائز في مهرجانات الشارقة وأبو ظبي وبغداد، وسواها من العواصم التي تقيم نشاطات ثقافية؛ ومن المعايير التي اعتمدت كذلك، ترجمة قصائد وأشعار بعضهم إلى الأسبانية والفارسية والفرنسية والإنكليزية؛ كما كانت أشعار بعضهم مادة لبحوث ودراسات جامعية لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه؛ إضافة إلى امتلاك الشاعر دواوين عدّة منشورة ومطبوعة.
ما الصعوبات التي واجهتكم؟
من خلال مركز بحوث ودراسات أجريناها ومن خلال إشرافنا على بحوث ودراسات جامعية، إضافة إلى تجربتنا في الطباعة والنشر، كل ذلك ساعدنا على تخطّي الصعوبات. لقد بذلنا جهداً كبيراً للتواصل مع الشعراء وإقناعهم بجديّة عملنا ومستواه.
هل اعتمدتم معياراً موضوعياً في اختيار الشعراء، وكيف تردّون على مَن قد ينتقد الموسوعة؟
البديهي أن يكون معيارنا موضوعياً في إعداد عمل بهذا المستوى، لناحية فرادته وأهميته وتميزه، والمعيار الذي اعتمدناه هو ما وردت الإشارة إليه أعلاه لناحية مستوى الشاعر ومكانته من خلال جوائز أحرزها، ومراتب وتنويهات ومناصب تبوأها.
وأبرز ما وقف عنده المنتقدون هو غياب أسماء بعض الشعراء، ما نال من شمول العمل، وهم محقّون في ذلك من دون شك، ففي ذلك نقف عند نقطتين:
- تلمّس بعض المنتقدين أهمية هذا العمل وفرادته وعدم أسبقية عمل من هذا النوع له، فلم يكن عنده ثقة بصدوره، يؤيد ذلك المفاجأة برؤيته يرى النور.
- ثانيا عدم علم بعض المنتقدين بالتحضير لهذا العمل، مع أننا لم ندّخر جهدا ولم نعدم وسيلة إلا اعتمدناها في الإعلان عن ذلك.
هناك مَن يتّهمكم بالتسرّع في طباعة الموسوعة...
منذ أن وردت فكرة الموسوعة في ذهننا، وضعنا خطة عمل وبرنامج زمني لإصدارها، وكان الإعلان عن ذلك والتواصل مع الشعراء وإبلاغهم بالأمر، حتى إننا مدّدنا موعد الإصدار بناء على رغبة بعض الزملاء والأدباء، مع مراعاة أن يتنافى ذلك مع المماطلة والتسويف؛ لذا، فإنّ إصدارنا الموسوعة لم يكن فيه أي تسرّع، وإنما أتى التزاما بالموعد، ما يثبت صدقيتنا وجدّية عملنا.
أطلقت الموسوعة في مهرجان ضخم، أي شعور أعطاك هذا الاهتمام العارم من الجمهور؟
لقد كان الإقبال على حفل إطلاق الموسوعة مفاجئاً لجهة عدد الحضور ومستوى المشاركين ومكانتهم، وفي الحقيقة كان مفاجأة غير متوقعة. يعود ذلك في رأيي إلى جدّية العمل وفرادته ومن ثم مستواه. تجلى ذلك بالكلمات التي ألقيت وبإقبال المشاركين على اقتناء الموسوعة، وقد كان ذلك دافعاً آخر أضيف إلى الدوافع التي كانت وراء مبادرتنا في تأسيس مركز البحوث والدراسات العاملية.
ما الرسالة التي تطلقها الموسوعة، ورسالتك أنت؟
الموسوعة في ذاتها رسالة، ويأتي إصدارها انسجاماً مع توجهنا في مركز البحوث والدراسات العاملية في الكشف عن الوجه المشرق والمضيء للتراث العاملي، نظرا إلى ما يمثّله الشعراء من جوانب الفخر في تراث جبل عامل. من هنا، فرسالتي أن تتبع ذلك العمل أعمالٌ أخرى للتنويه بأعلام الفكر ومباركة عملهم، وإشهار نجاحات العامليين وتميزهم في سائر المجالات والميادين التي خاضوا غمارها، في الأدب والطب والإعلام والاقتصاد، وسوى ذلك من ميادين العلم والعمل.
موسوعة ضخمة كهذه، ما مصادر تمويلها؟
سؤال في مكانه، خصوصا أنّ أعمالاً أخرى ستليها، في الحقيقة، مصادر التمويل هنا كانت ذاتية. راهنّا على إقبال المهتمين بالشأن الثقافي باقتنائها، وقد كان رهاننا في مكانه، حيث كان هناك إقبال على شرائها، في حفل التوقيع وفي تسويقها لاحقاً.
هناك شعراء لم يُذكروا في الموسوعة وسقطوا سهوا، ما السبب وماذا تقول لهم؟
في الحقيقة هذه مسألة توقّفنا عندها، وكنا نتمنّى أن يكون عملنا شاملاً كل الشعراء على مختلف مستوياتهم، لكن بعض الأسماء سقطت لسببين:
- عدم علم بعض الشعراء بالموضوع، مع أننا لم ندّخر جهداً في سبيل الإفصاح عن العمل.
- عدم ثقة بعضهم الآخر بجدّية العمل ومستواه، بدليل أن الجميع من دون استثناء راح يسأل عن موعد الإعداد للجزء الثاني من الموسوعة، ويلحّ في ذلك.
حدثنا عن مركز البحوث والدراسات العاملية...
مركز البحوث والدراسات العاملية مؤسسة رائدة وطموحة. هو مبادرة قام بها زملاء من الأساتذة الجامعيين والباحثين والمثقفين من سائر الاختصاصات النظرية والعملية، شعارهم الكشف عن الوجه المشرق لجبل عامل، من خلال الإطلالة على تراثه وحضارته واستنطاق معالمه، للبوح بأسرار تاريخه وجوانب حضارته، ومواكبة نجاحات العامليين والتنويه بريادتهم في كل ميادين العلم والمعرفة التي خاضوا غمارها.
ما طموحك في ما يتعلّق بالموسوعة؟ وهل سيتبّناها القيمون في المراكز التربوية؟
نحن عازمون على متابعة النشاط والسعي إلى بلوغ الأهداف التي رسمناها، فوضعنا الخطط للعمل في سبيل تحقيقها وإنجازها.
أما عن تبنّي القيّمين الموسوعة، فقد سعينا إلى ذلك ونسعى دائماً، ونتواصل مع ذوي الشأن وأصحاب القرار، عسى أن تنال ما تصبو إليه.
أستاذ في الجامعة اللبنانية
اقرأ للكاتب أيضاً: الشاعر محمد توفيق أبو علي لـ"النهار": لا أفهم شاعراً أو أديباً لا يلتزم الهمّ الإنساني