الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

في خبايا الهرمل ونهر العاصي... قصص كثيرة جديرة بالاكتشاف

المصدر: "النهار"
نضال مجدلاني
في خبايا الهرمل ونهر العاصي... قصص كثيرة جديرة بالاكتشاف
في خبايا الهرمل ونهر العاصي... قصص كثيرة جديرة بالاكتشاف
A+ A-

يقع قضاء الهرمل، التابع لمحافظة بعلبك الهرمل، في أقصى البقاع الشمالي، وينحدر من القرنة السوداء، أعلى قمم لبنان. وهناك طريقان رئيسيان للوصول إليه، إما عبر قضاء بعلبك، أو عبر جرود قضاء عكار. يحدّه من الجنوب والشرق قضاء بعلبك، ومن الغرب قضاء عكار وقضاء الضنية، ومن الشمال سوريا، على بعد حوالي 143 كلم من بيروت، ومعدّل ارتفاع 780 متراً عن سطح البحر.




يشقّ هذا القضاء نهر العاصي الذي ساهم في انتعاش السياحة في هذه المنطقة، إن بسبب انتشار المقاهي والمطاعم على جانبيه، أو نتيجة مغامرات الرافتينغ، أي رياضة التجذيف المائي الجماعي، التي تجذب الكثير من السياح من لبنان والجوار. كما أن الحضارات المتعاقبة على هذه الارض تركت وراءها الكثير من الاثار والمواقع التاريخية التي سأعرض البعض من جوانبها ههنا. الجدير بالذكر، أن العديد من سكان المنطقة يتّكلون على تربية أسماك الترويت كمصدر رزق. وأصبحت المنطقة من أهم موارد الترويت للأسواق المحلية اللبنانّية.




اليوم، سأبدأ الرحلة في إحدى أروع الليالي التي تلألأت سماؤها بنجوم تجعلك لا تصدّق عينيك وتنقلك إلى عالم حسبت وجوده فقط في لوحات الرسم والفن أو الفوتوشوب. فإنّ طبيعة المنطقة والجبال المحيطة بها تحدّ من التلوث الضوئي وتسمح بمشاهدة الملايين من النجوم وخصوصاًفي غياب ضوء القمر. وهناك عدّة أماكن معدّة للتخييم المريح من قبل أهالي المنطقة مراعية للبيئة، ضمن غابات متفرّقة من اللزاب، وتقدّم وجبات الطعام التقليديّة، بالاضافة إلى الانارة والمياه الساخنة وجميع المستلزمات ضمن غرف من الطين والخيم.



وبعد انقضاء ليلة ساهرة تحت النجوم، تغفو لبرهة من الوقت ويسرقك النعاس في وقت متأخر لتعود وتستقبل نهاراً جديداً مع النجمة الأكبر، الباعثة على النشاط لبدءمغامرة في جرود الهرمل، كقيادة الدراجات الهوائية أو تسلّق الجبال أو غيرها كالـhiking وخصوصاً في هذا الوقت من السنة الاقل حرّاً، ومن ثمّ العودة لوجبة الغداء والراحة.



المرور بهذه الاكواخ التراثية المنتشرة في جرود الهرمل والمتوارثة منذ القدم، وهي في الاغلب بيوت مزارعين ورعيان يلجؤون اليها للمبيت الليلي وللاحتماء من البرد أو الحرّ، بمعظمها مستطيلة الشكل وتبنى حول إحدى الاشجار الصلبة كاللزّاب والسنديان التي تمثّل العمود الفقري للكوخ وتتّكىء الجدران على جذوعها. هذه الجدران مبنية من الحجر الصخري، والسقوف من الطين وجذوع وأغصان شجر الحور والسنديان و"الكِبكاب"، وهو نبات من جرود الهرمل ويشبه البلان الشوكي ومعروف بعزله للحرارة ومقاومته لعوامل المناخ وتسرب المياه.





امّا اللزاب فهو من الأشجار الاكثر انتشاراً في الهرمل والمعمّرة لاكثر من ألف سنة، وتمتاز بأنها لا تنتج شجرة أخرى إذا لم تمر عبر الجهاز الهضمي لبعض الطيور كأبو الحن والفري والسنونو. في البداية، تأخذ الشجرة شكلاًمخروطياً ثمّ تنمو بأشكال مختلفة وارتفاع يصل إلى أكثر من عشرين متراً. وللشجرة فوائد كبيرة، فصمغها تتغذى منه خلايا النحل التي تنتج عسل اللزاب المشهور بأنه أجود أنواع العسل في العالم، كما أن كل شجرة تعطي حوالي الخمسين طنا من الأوكسجين، وتمتص الكثير من المواد الملوثة في الهواء.


ومن جهة أخرى، ماذا يمكن أن يكون أكثر انتعاشاً ومرحاً من الـ rafting أو الـ Kayak في النهر العاصي على القوانين لأنّه يجري من الجنوب إلى الشمال، عكس الأنهار الأخرى في المنطقة. ومن هنا جاءت تسميته، بالإضافةإلى أسماء أخرى كالنهر الكبير والمقلوب والميماس والأورنط. ومن أهمّ منابعه عين الزرقا القريبة من مغارة مار مارون.



العودة إلى نقطة الانطلاق، المؤمّنة من قبل المطعم، لوجبة الغداء.


تقع مغارة "مار مارون" في قلب الجبل الذي يطل على الضفّة الشرقية لنهر العاصي بمحاذاة نبع عين الزرقاء،على ارتفاع حوالى مئة متر وفوق انحدار شديد لأسفل النهر. وتعتبر من المعالم التاريخية والدينية والأثرية ولكنّها مهملة جداً. يطلق عليها أيضاً اسم مغارة الرهبان وقصر البُناة.


يقال إن هذه المغارة طبيعية في أصلها، وإنّها سكنت من قبل قبائل في عصور ما قبل التاريخ لحسن موقعها. وقد قام الرومان ببنائها حوالي سنة 200 قبل الميلاد كقلعة دفاعيّة وكمبيت للعمّال الذين كانوا يحفرون قنوات جرّ المياه من نهر العاصي إلى مملكة تدمر. ومن هنا ينسب اسم قصر البُناة إليها. كما يرجّح أن يكونوا بنوا قاموع الهرمل باستعمال نوع الحجارة ذاته.


أمّا بالنسبة إلى اسم المغارة المعروفة بمغارة مار مارون أو مغارة الرهبان، فقد ذكر بعض الباحثين أن دير القديس مارون المعتقد أنّه في سوريا هو في الواقع هذه المغارة، ويعتقد أيضاً أن أحد تلامذته تنسّك فيها بعد وفاة القديس مارون، وأطلق عليها اسم معلّمه. كما أن بعض الروايات المحلية الأخرى تقول إن القديس مارون قد لجأ إلى هذه المغارة مع بعض الرهبان في القرن الرابع للميلاد، وكانت ديراً له قبل انتقاله إلى قورش، ولكن يرفض بعض المؤرخين هذه النظرية على أساس انّه عاش في قورش فقط.


في جميع الاحوال، وفي القرن الرابع للميلاد وهب الملك هذا الموقع لرهبان مار مارون مقابل مقاومتهم الأعداء. وقد قاموا بتوسيعه وببناء بئر وصوامع في المغاور المحيطة بها، وأصبح ديراً للتنسّك ونشر الرسالة ومن ثم الاستشهاد. وهي مؤلفة من عدّة غرف موزّعة على ثلاث طبقات من الطين لها نوافذ وفتحات ضيّقة ودرج داخليّ يصل بينها.


يرتفع الهرم أو القاموع 26 متراً، ككتلة واحدة من ثلاث طبقات من الرخام الأسود، خالية من أي فتحة نافذة أو باب، مزيّن بنقوش ولوحات فنية، بعضها يمثل صوراً لملوك،وغيرها يعرض مشاهد صيد خنازير برية وغزلان، وعدّة صيد وغيرها. وهذا النوع من البناء يلحق بالطابع الخاص للآثار الرومانية والأوروبية في ذلك الوقت. وليس هناك من رواية موحّدة لهذا الصرح، ولكن من الأخبار الشائعة أن خنزيراً برياًّ صرع ابن أحد ملوك الفرس أثناء قيامه برحلة صيد في هذا المكان، فأقيم هذا البناء تخليداً لذكراه. أما الرواية الأخرى فترجّح تشييد البناء فوق قبر ملك روماني كان يدعى هرمليوس، وكان يرجّح أيضاً استعماله لمراقبة المنطقة من الجيوش الغازيّة، وكدليل للقوافل التجارية. وفي الأغلب أنّه بني بين 150-175 قبل الميلاد في العهد الروماني.


أخيراً، أتمنّى لكم عطلة أسبوع مفعمة بالنشاط والتنزّه في ربوعنا الجميلة، ويمكنكم متابعة تجوالي والـhiking عبر الـ stories على موقعي على Instagram: nidal.majdalani


Facebook: Travelling Lebanon


Twitter: Nidal Majdalani



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم