الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الاقتصاد الإيراني بين العقوبات الأميركية والممانعة الأوروبية

د.أيمن عمر- باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
الاقتصاد الإيراني بين العقوبات الأميركية والممانعة الأوروبية
الاقتصاد الإيراني بين العقوبات الأميركية والممانعة الأوروبية
A+ A-

مقومات الاقتصاد الإيراني 

تتميز الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتماسك بنيوي مؤسسي، وتماسك عسكري وأمني واقتصادي استراتيجي، وبيئة شعبية حاضنة لمبادئ النظام. وتمتلك إيران ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد المملكة العربية السعودية، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي في عام 2016 نحو 412.2 مليار دولار. ويتميز الاقتصاد الإيراني بوجود قطاع هيدروكربوني، وقطاعي الزراعة والخدمات، وحضور ملحوظ للدولة في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات المالية. وتحتل إيران المركز الثاني في العالم من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي والمركز الرابع في احتياطيات النفط الخام المثبتة. تمتلك إيران 10% من احتياطيات النفط المؤكدة بالعالم. وتنتج إيران 4 ملايين برميل يومياً أكثر من نصفها يصدر إلى الخارج فيما تذهب الكمية الباقية للاستهلاك المحلي. وتقدر الاحتياطات المؤكدة بـ 152 مليار دولار. واعتباراً من عام 2010، تمثل عائدات النفط 80% من عائدات إيران بالعملات الأجنبية و60% من الميزانية العامة للبلاد.

تاريخ العقوبات الأميركية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979. في عام 1995 أصدر الرئيس الأميركي بيل كلينتون أوامر تنفيذية تمنع الشركات الأميركية من الاستثمار في النفط والغاز الإيرانيين وهذا ما فعله الكونغرس ايضاً. وفي عام 1996 أصدر الكونغرس الأميركي قانون العقوبات على إيران وليبيا. في العام 2008 منعت الولايات المتحدة المصارف الأميركية من أن تكون وسيطاً في تحويل أموال من إيران أو إليها. واستهدف القانون الأميركي لعام 2010 إمدادات الوقود الإيراني التي تعتمد على المنتوجات المكررة. وقد شددت واشنطن عام 2011 عقوباتها على الأشخاص الذين يقدمون دعماً لتطوير القطاع النفطي الإيراني. وجمدت في كانون الثاني 2012 أرصدة مؤسسات مالية أجنبية تقيم علاقات تجارية مع البنك المركزي الإيراني. ومع أخذ المفاوضات شكلاً أكثر جدية في العام 2013 بدأت الإدارة الأميركية تتريث في تطبيق عقوبات جديدة ضد طهران.

وتم توقيع الاتفاقية النووية الإيرانية في العام 2015، والتي رفعت العديد من العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.

التأثير الاقتصادي للانسحاب من الاتفاق النووي

بتاريخ 8 أيار 2018 أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران والمعروف باتفاق (5+ 1) . وقد كشف وزير الخزانة الأميركي ستيف منوشين أن "قسم مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة الأميركية يباشر الإجراءات لتنفيذ قرار الرئيس"، مشيراً إلى أن العقوبات سيعاد فرضها في الفترة من 90 إلى 180 يوماً. وبحسب توضيحات وزارة الخزانة، فإن الولايات المتحدة ستستأنف جهودها للحد من صادرات النفط الإيرانية بعد 180 يوماً. وخلال هذه الفترة ستجري الخارجية الأميركية مشاورات مع دول أخرى، وستقيّم مدى تقليص الدول الأجنبية لمشترياتها من النفط الإيراني. وبعد 90 يوماً من المقرر أن تفرض الولايات المتحدة قيوداً على بيع العملة الأميركية لإيران، وشراء الذهب والمعادن الثمينة الأخرى من إيران، بالإضافة إلى شراء الصلب والألومنيوم والاستثمار في السندات الإيرانية، وصفقات مع شركات صناعة السيارات الإيرانية. وسيتم أيضاً سحب تراخيص التصدير من شركات الطيران المدني، بما فيها "بوينغ" و"إيرباص". واعتبارا من 6 آب سيفرض الحظر على استيراد السجاد والمواد الغذائية الإيرانية. وبعد الـ 180 يوماً ستطال العقوبات الموانئ الإيرانية وسفنها ومصانع السفن. كما ستفرض قيود على تحويلات مالية بين المؤسسات المالية الأجنبية والبنك المركزي الإيراني وخدمات التأمين.

ويأتي القرار الأميركي هذه المرة ضد إيران وسط تخلي معظم الدول الأوروبية والدول الصاعدة عن مساندة أميركا، مما قد يفقد هذا القرار تأثيره الاقتصادي. إن قرار إعادة فرض العقوبات على إيران كان صداه سلبياً على الشركاء الأوروبيين، مما دفع وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير في 9 أيار إلى اعتبار أنه من "غير المقبول" أن تنصب الولايات المتحدة نفسها "شرطياً اقتصادياً للعالم". وبالاطلاع على بيانات الشركاء الـ 10 الكبار تجارياً مع إيران، نجد أنه من الطبيعي أن ترفض هذه الدول القرار الأميركي، فالصين تأتي في المرتبة الأولى بقيمة تبادل تجاري بنحو 23.8 مليار أورو، تليها الإمارات بـ 20.4 مليار أورو، ثم الاتحاد الأوروبي 19.9 مليار أورو، والهند 9.8 مليارات أورو، وتركيا 9.1 مليارات أورو، وكوريا الجنوبية 9 مليارات أورو، واليابان 3.6 مليارات أورو، وسويسرا 2.1 مليار أورو، وروسيا 1.9 مليار أورو، وسنغافورة 1.3 مليار أورو.

ولقد قفز حجم التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوروبي من 13.7 مليار أورو في 2016 إلى 19.9 مليار في 2017. وهناك مصالح أخرى لدول الاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الصاعدة، تتمثل في تبادل استثمارات، وحصول هذه الدول على تعاقدات لتطوير حقول النفط والغاز الإيرانية، واستيراد عُدد وآلات ووسائل نقل، على رأسها الطائرات المدنية. وكانت شركة "توتال" الفرنسية قد وقعت عقداً بقيمة خمسة مليارات دولار مع إيران بعد الاتفاق النووي. كذلك لدى شركة "بريتش بتروليم" شراكة مع الشركة الحكومية الإيرانية للتنقيب في حقل روم الإيراني للغاز. ووقعت شركتا "بوينغ" و"أيرباص" تعاقدات مع طهران لتبيعها الأولى مئة طائرة، والثانية 80 طائرة تجارية، بعد إبرام الاتفاق النووي في 2015، وهو ما يجعل تلك الشركات عرضة لخسائر كبيرة نظرا لاحتواء الطائرات على مكونات أميركية الصنع.

وارتفاع أسعار النفط نتيجة العقوبات الأميركية يضر باقتصاديات الدول المستوردة له، وبخاصة الدول الصاعدة، وفي إطار سيناريو ارتفاع اسعار النفط، سوف تعود إيران إلى ممارسة سياساتها القديمة المعروفة بـ "النفط الرخيص"، حيث تداعب مصالح الدول الصاعدة بعرض النفط بأسعار أقل بنحو 5 أو 10 دولارات عن السعر العالمي، وهو ما يجعل كلاً من الصين والهند أن تطلب استثناءها من العقوبات الاقتصادية على إيران، وبخاصة في مجال النفط، وتشاركهما في هذا السلوك تركيا، التي تعد مستورداً صافياً للنفط.

لا شك في أن العقوبات الأميركية سوف يكون لها انعكسات سلبية على الاقتصاد الإيراني وخصوصاً ما ستولده من ضغوط على الريال الإيراني وتأثيراته التضخمية. ولكن هذا التأثير سوف يبقى محدود الأثر في ظل امتناع الاتحاد الأوروبي عن فرض العقوبات.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم