الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"فضيحة" فوز "لا تلمسني" بـ"دبّ" برلين: مدّعٍ، مستفزّ، قبيح، مملّ…!

المصدر: "النهار"
"فضيحة" فوز "لا تلمسني" بـ"دبّ" برلين: مدّعٍ، مستفزّ، قبيح، مملّ…!
"فضيحة" فوز "لا تلمسني" بـ"دبّ" برلين: مدّعٍ، مستفزّ، قبيح، مملّ…!
A+ A-

آخر فيلم شاهدته في #مهرجان_برلين السينمائي (١٥ - ٢٥ الجاري)، مساء الأحد الفائت، أي في العروض المكرّرة غداة توزيع الجوائز، هو أسوأ شيء شاهدته طوال 11 يوماً من المتابعة.  

الفيلم المقصود هو "لا تلمسني" للمخرجة الرومانية أديتا بينتيلي (لا أعرف لها صلة قرابة مع المخرج الكبير لوسيان بينتيلي) الذي قرّرت لجنة التحكيم برئاسة الألماني توم تيكفر إسناده “الدبّ الذهب”، مفضّلة إياه على ١٨ فيلماً مرشحاً، ومتجاهلة أعمالاً أكثر رصانةً وروعةً وجمالاً كـ”في الممرات” للألماني توماس شتوبر (آخر فيلم عُرض في المسابقة). الواحد منّا يدعو دائماً إلى عدم تحميل المهرجان خيارات اللجنة المنفصلة والمستقلة تماماً. ولكن في مثل هذه الحال، إعادة الاعتبار إلى فيلم كهذا في واحد من أهم المنابر السينمائية “توريطة” لهذا الصرح الثقافي الذي يدخل دورته السبعين بعد سنتين. ولا أرى فيها سوى تمجيد للرداءة وانعدام الموهبة واستفزاز لمجرد الاستفزاز، الأمر الذي لم يعد عملة نادرة في زمننا الحالي.

قليلاً ما أستخدم كلمة “تافه” في مقاربة نقدية لفيلم، ولكن بينتيلي لا تترك لنا أي خيار لتدوير الزوايا. لو همّشت اللجنة الفيلم كما فعلت بأفلام أخرى، كالأميركي “دامسيل” للأخوين زلنر، لما تناولناه. ولكن، أن يتسلق فيلم بهذا الخواء إلى هذه المكانة، ويصبح أهم خبر يصدر من الـ”برليناله”، فهناك، فعلاً، ما يدعو إلى الاستياء…

ناقد صحيفة الـ“غارديان” البريطانية بيتر برادشو شبّه الإعلان عن فوز هذا الفيلم بالبركسيت وبفوز دونالد ترامب. في مقاله كتب: “نعيش فعلاً زمن الكوارث”.   

الفيلم الذي قد يُحدث جدلاً عند نزوله إلى الصالات، يعبّر عن واقع معين فُرض على السينما في الفترة الأخيرة. فنحن أمام #سينما تحمل توقيع سيدة وتتحدّى القوالب الاجتماعية والجنسية الجاهزة وتأتي ببديل عن المفهوم السائد للجمال. بالأحرى، هناك سيدتان؛ واحدة قبالة الكاميرا وأخرى خلفها، يعترفن بأشياء خاصة كثر لم يألفوها. يا للأسف، هذا وحده أصبح علامة جودة، وبات رصيداً كافياً لنتحدّث عن عبقرية وفنّ طليعي وأشياء من هذا القبيل.

ينبغي التذكير لبعض من الذين يعيدون كتابة تاريخ السينما مرّة كلّ عقد ومع كلّ اكتشاف جديد، أنّ أعمالاً كثيرة تتجاوز جرأة بينتيلي أُنجزت قبل ٣٠ و٤٠ و٥٠ سنة، وليس هذا الفيلم سوى نسخة باهتة للبعض منها.

يصعب الحديث عن “لا تلمسني” وشرح ما يتضمّنه من قبح واستخفاف وسطحية وإسفاف ومحاولة غير أصيلة لإحداث صدمة، اذ لا يوجد حتى خيط يمكن الإمساك به والذهاب معه إلى النهاية، من كثرة عشوائية البناء وتخبّطه في سرد مبعثر. فالفيلم يبحر على موجة السينما التي لا هي وثائقية ولا روائية. لا مشكلة في خلط هذين الصنفين، لا مشكلة في أي شيء بالمطلق، فكلّ شيء يتوقف على الاسلوب والخيارات والقدرة الفنية. من خلال تأملات “نوعية” تدوم وتدوم لأكثر من ساعتين والإمعان في مَشاهد تجعلنا "نقرف" من الجنس، واستعراض لأجساد من كلّ الأشكال والأعمار، مترهلة أو مصابة بإعاقة، يحاول الفيلم في منحى ديداكتي الاتيان بأفكار يظنها جريئة وغير مسبوقة حول الجسمانية والحميمية والانجذاب والألم وكلّ هذه الأشياء التي استهلكتها السينما منذ زمن. كلّ ما تصوّره بينتيلي لا يتجاوز كونه أفكاراً مملة حول الفيتيشية والإشباع الجسدي وقبول الذات. 

يلاحق الفيلم لورا (لورا بنسون)، سيدة خمسينية تعاني ما تعانيه من عقد نفسية ورهاب وتروما وبؤس جنسي وأشياء متصلة بوالدها الذي يرقد في المستشفى (علماء النفس قد يجدون هذا الفصل مثير للسخرية). تتكلّم لورا وتستمع إلى الآخرين. تنطق بكلمات ولكن لا تقول شيئاً مهماً. نعلم إنها ترغب الجنس، ولكن تعاني فوبيا لمس الجسد. لورا ذريعة درامية كي ندخل في تماس فكري مع آخرين، ومنهم كريستيان المُصاب بضمور العضلات الشوكي الذي يتحدّى الأفكار المسبقة حول الجسد ويدعونا إلى النظر أبعد من الغلاف الخارجي، ويروي لنا أي جزء من جسده يفضّله. توظيف هذا الرجل الذي يقول بأنه لطالما اعتقد بأنه “عقلٌ يحمله جسد” في إطار جنسي فيه شيء مزعج واستغلالي.

من بين مجموع الشخصيات التي يحفل بها الفيلم، نجد أيضاً رجلاً متحولاً يقدّم فرماناً طويلاً يجعلك تشعر بالنعاس (“لا شيء غريباً في الجنس”)، وغيره من الذين يثرثرون طوال الفيلم في سياق ما يمكن تسميته ورشة بيداغوجية ارتقائية طبية. فوق هؤلاء كلهم: المخرجة نفسها التي تظهر وهي تصوّر فيلماً عن لورا، لتقول ما لديها وتصبح صلة وصل بين الأشياء وتوجه الفيلم إلى ما يمكن جعله “مانيفستو يصلح للعلاج”، في حين يخفي هذا الخيار هنّات واضحة في تركيب الحكاية. هذا كله يقع بعد مرور نصف ساعة من بدء الفيلم في الملل والادّعاء والخطابية، ليدور بعدها على نفسه للفترة المتبقية، وذلك بنرجسية قلما رأينا مثلها في السنوات الأخيرة. فـ“لا تلمسني” يشي بولادة مخرجة لا تبحث في النهاية الا عن لفت الانتباه، وهي نفسها تفاجأت من فوز فيلمها بـ”الدبّ”!

ادعاءات بينتيلي كانت لتثير السخرية مكسيموم، لولا وقوعها في ما تحاول ان تقف ضده. فنراها تربط تحرر الجسد بالجنس على نحو غير واع، والمتعة بنادٍ للمضاجعة، كأن المؤمن لا يستطيع ان يصلي إلهه إلا في كنيسة. والأنكى أن الفيلم يترجم إلى صورة ما يُقال بالكلام، في صوغ بصري يُعتبر الدرجة صفر للسينما، رغم خيارات تكوينية تبدو طليعية لوهلة (مدير تصوير: جورج شيبر ليلمارك). في النهاية، يفضح الفيلم لاوعي المخرجة و”ميديوكرية” فكرها أكثر من أي شيء آخر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم