الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

من أم عزباء وزوجة مُعنّفة... قصّة نور المرأة المحطمة

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
من أم عزباء وزوجة مُعنّفة... قصّة نور المرأة المحطمة
من أم عزباء وزوجة مُعنّفة... قصّة نور المرأة المحطمة
A+ A-

كشرت الحياة عن أنيابها باكراً، صفعات متتالية كان على نور (15 عاماً) تلقيها واحدة تلو الأخرى. بين رحيل أمها وإدمان والدها، وجدت نفسها في داومة لن تخرج منها سالمةً، وكان الثمن غالياً جداً. لم يتسنَّ لنور (دون هوية) ان تنعم بحنان والدتها وأمان والدها كما تكون الحال في كنف عائلة "طبيعية"، بدأت قصتها بأولى صدماتها الموجعة بعد هروب والدتها من المنزل وهي في السابعة من عمرها لتجد نفسها وحيدة مع شقيقتها في وجه والدها الذي يُفرط في الشرب. من طفلة الى أم عزباء فزوجة مُعنّفة فإمرأة تمارس الجنس مقابل المال وصولاً الى امرأة محطمة وموظفة تبحث عن لقمة عيشها...مشوار اجتازته نور من هروب فـ"دعارة" فخطف وسجن. 


صراخ مكتوم  

قصتها هي جزء من سلسلة قصص عدد من السيّدات في لبنان يتم نشرها ضمن إطار مشروع "دعم حقوق النساء المهمّشات في لبنان". كانت نور تبحث ضمنياً عن أسباب تخفيفية لتبرير هروب والدتها من تعنيف والدها مما ترك أثراً كبيراً في نفسها. كانت تبحث عن مبررات سماح تخفف من وطأة الغضب الذي يعتريها نتيجة العذاب وتحمّلها مسؤولية عائلتها المفكّكة.

من تلميذة على مقاعد الدراسة الى نادلة في مطعم، انتزعت نور من طفولتها في سنّ الخامسة عشرة ودخلت غمار العمل باكراً لتأمين ثمن القليل من الطعام لها ولشقيقتها والكثير من الكحول لوالدها. لكن والدها تخطى الحدود تحت تأثير الكحول، فانقضّ على شقيقتها وعليها بغريزة "رجل" لا "أب" وانتهى بضربهما في نهاية المطاف. استطاعتا ان تفلتا منه وخرجتا الى عملهما، كلُ واحدة في سبيلها، تحمل اوجاعها ومأساتها وتمضي في حياتها الحزينة.

في تلك الليلة بالذات، وبحسب رواية نور، كانت تريد ان تنسى ما جرى مع والدها، لكنها لم تكن تعلم انها ستعيش وجعاً أكبر سيقلب حياتها رأساً على عقب. فبعد انتهاء السهرة إنجرت نور مع أحد أفراد الفرقة الموسيقية الذي يعزف في المطعم الذي تعمل فيه في مباراة الشرب. لم يعدّ مهماً ما كانت تريد ان تثبته لنفسها لأن الأهم اليوم كيف ستنتهي علاقتها مع هذا الشاب المتزوج التي بدأت بالشرب وانتهت بجنين يعيش في أحشائها.

طفل دون زواج ...وقعت الكارثة 

"طفلٌ في داخلها، كيف يمكن لها أن تحافظ عليه دون زواج؟"، صارحته بتلك الحقيقة وبضرورة إجهاضه لكنه رفض ذلك واعداً اياها بالزواج منها بعد الطلاق من زوجته. نجحت في إخفاء حملها 6 أشهر قبل ان تفضحها زوجة عمّها وحلّت الكارثة! قام والدها بتقييدها بـ"سلسلة حديدية" في الكنبة، أيام وهي على تلك الحالة، لم يستنجد احد لصراخها وبكائها. نجحت في تحرير نفسها والهروب مسرعةً الى مركز الشرطة ونصف السلسلة الحديد ما زالت معلّقة بيديها. كانت نظرات الناس ترافقها نحو مخفر الشرطة، وصلت الى هناك وأخبرتهم بما تعرّضت له في المنزل. ساعدوها وادخلوا والدها السجن فيما هربت من واقعها الى اللامكان.  

بقيت اياماً في الشارع، تفكر في مصيرها. لم يكن لديها احد تذهب اليه وهناك اقترب منها شاب واخبرته قصتها. عرض عليها الزواج وتسجيل طفلها على اسمه، فهي حرمت من امتلاك اوراق ثبوتية. لم يكن عندها خيار آخر، قررتُ الذهاب معه الى سوريا حيث تزوجا.

لم يدم شهر العسل طويلاً، فبعد ولادة طفلتها تغيّرت معاملته لها، تعنيف منزلي وراقصة في ملهى، يأخذ مالها وتعبها حتى قررت الهروب والعودة الى لبنان بمساعدة احد المهربين. تنقلت من منطقة الى أخرى ومن عملٍ الى آخر حتى نجحت أخيراً في فتح كشك صغير تبيع فيه الكحول والقهوة. لكن أملها الصغير في العيش بسلام لم يدم طويلا، هي التي بذلت كل ما بوسعها لتجنب طفلتها المآسي والأوجاع التي عاشتها بنفسها، فجأة وجدت نفسها امام ظلم أكبر دون مقدمات، طرقات على الباب ووجوهم المسمرّة عليها وعلى ماضيها سرق منها أغلى ما تملك. مكتب حماية الأحداث هنا، في غرفة الصغيرة خلف الكشك، لم يشفع لها هذا الكشك في الحفاظ على ابنتها، انتزعوها من امام عينيها وسلّموها لإحدى المؤسسات الإجتماعية.

اقرأ ايضاً: توفي ريمي أمام عيون أهله، فتحوّلت مأساتهم الى أمل!

 أمل جديد؟ 

خسرت نور أملها الوحيد في الحياة، ماضيها الذي فرضته الظروف عليها ولم تستطع مقاومته كان حبل مشنقتها. هي تقول إن المؤسسة لم تترك لها مجالاً لتنجح في مسيرة حياتها الجديدة واكتفوا بأخذ طفلتها بذريعة "تعيش في محيط غير آمن". رحلت طفلتها وبقي طيفها يحوم في تلك الغرفة الصغيرة، رحلت لكن قرار استرجاعها بات هاجس نور الوحيد. ذهبت الى تلك المؤسسة وحاولت خطفها لكن الشرطة كانت لها بالمرصاد، دفعت ثمن امومتها حريتها، فسُجنت بتهمة الخطف.

بعد خروجها من السجن، عادت الى منزل والدها ولم يكن لديها مكان آخر تذهب اليه. وهكذا عاد كل شيء يدور في دوامة مغلقة من الوجع والخيبات والألم. رسمت لنفسها احلاماً إلا ان واقعها كان مغايراً لها، كانت تبحث عن الحب، لطالما بحثت عنه وسقطت مراراً في فخه الزائف. تعرّفت بعدها الى شاب وتزوجته لتكتشف بعدها انها وقعت ضحية الدعارة بغطاء "الزواج." وجدت نفسها في منازل الزبائن وزوجها ينتظرها في الخارج. أجبرها على "الدعارة" حتى قررت الهروب مجدداً نحو خطيئة اخرى لتنجب طفلاً آخر دون هوية.


كُتب على نور ان تعيش فصولا حزينة وقاسية، لم يبرد قلبها إلا اتفاقها مع المؤسسة التي سمحت لها برؤية ابنتها (10سنوات) مرة في الشهر. تحاول نور جاهدة ان تعيش حياتها بعرق جبينها وقدر المستطاع. إنتهت من الدعارة لكنها تعيش عدم استقرار مهني، تنتقل بين مهنة واخرى بوضع نفسي واقتصادي قاس. تواجه صعوبات كثيرة بسبب تاريخها العنفي الحافل من والد وزوج. هي اليوم تربي طفلها الجديد البالغ من العمر 3 سنوات، تعيش تحديا نفسيا في الانتصار على ظلم الحياة برغم حياتها المحطمة. 

همنا السجينات والنساء اللواتي يمارسن الجنس

أكدت المساعدة الاجتماعية في جمعية "دار الأمل" هبة أبو شقرا أننا "نعمل مع النساء اللواتي يمارسن الجنس مقابل المال والسجينات السابقات، إضافة الى النساء المعنّفات وحالات الاستغلال إلا ان تركيزنا الأساسي يشمل الفئتين الأوليين".

وتشير الى ان "الجمعية تسعى الى تقديم مجموعة خدمات وأهمها متابعة فردية مع المساعدة الاجتماعية والمعاجلة النفسية، استشارات قانوينة او تسليم ملف، دعم صحي (تأمين أدوية أو مساهمة في فاتورة صحية واستشفائية وتحويل النساء الى بعض الأطباء...) فضلاً عن تأمين ملجأ سكني لأي إمرأة بحاجة الى مكان آمن من خلال تواصلنا مع عدد من الجمعيات وتقديم خدمات يومية (استحمام- استراحة- طعام فحوص دورية خاصة بالإيدز...) وتقديم مساعدة مالية محدودة. هذا بالإضافة الى دورات تدريب وبرنامج مساندة مدرسية لأطفال هؤلاء النساء...".

ورأت اننا "نستقبل سنوياً نحو 42 الى 50 سيدة، لكن لا نخفي الصعوبة التي نواجهها في تأمين العمل لتلك النساء، نسبة تأمين العمل ضئيلة ويعود السبب الى تاريخ السيدات لا سيما السجينات السابقات، دون ان ننسى ان معظم هؤلاء النساء يفتقرن الى الخبرات المهنية او القدرات التعليمية مما يجعل فرصة العمل محصورة ومحدودة وبشروط غير ملائمة او جيدة".

يشار الى ان هذه الحالات توثقها كل من جمعية العناية الصحيّة، جمعية عدل ورحمة وجمعية دار الأمل. تمّ تطوير هذه المنشورة من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). يشار إلى انّ محتويات هذه المنشورة هي مسؤولية الإستشاري، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر أو آراء الوكالة الأميركية للتنمية أو حكومة الولايات المتحدة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم