الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"إعلان بيروت": من أجلكِ يا مدينة السلام

"إعلان بيروت": من أجلكِ يا مدينة السلام
"إعلان بيروت": من أجلكِ يا مدينة السلام
A+ A-

هل تأخرنا عن القدس، أم ان الأمر لا يزال فيه متسع من الوقت؟ ألا نزال نعتقد بأن الخطب والبيانات قادرة على معالجة الكارثة التي نشاهد تفاصيلها كل يوم، كلما خطا الصهاينة خطوة مدروسة على طريق تهويد المدينة وقدسيتها ومقدساتها، مستغلا مقاطعتنا الظالمة للقدس ولأهلها وذاكرتها وذاكرتنا فيها؟ 

في هذا المفصل الذي يتفاقم فيه الخطر على القدس بعمرانها وكل رموزها ومعانيها وشواهدها، وعلى أهلها من خلال الإعتداءات المتكررة عليها، ومن خلال التضييق عليهم لدفعهم الى خيار الهجرة المرفوض، نحن مدعوون إلى ان نعلن انحيازنا وفعلنا الى جانب خلاصة السلام المتبقي على هذه الارض؛ مدعوون إلى أن نعيد فتح بوابات القدس على الروح ونعيد إلى الإنسان معناه الحقيقي في دروب المدينة العتيقة وحواريها حيث خطا السيد اخر خطواته على درب الجلجلة، وحيث عرّج الرسول قبل أن يعرج الى السماء.



إن الخطر الذي تتعرض له مدينة القدس بإنسانها ومقدساتها هو خطر مصيري- كما كان دوما- واكثر كثافة، وبات قاب قوسين او ادنى من ان يصبح استحقاقاً واقعاً، امام اصرار من يستولون على القدس ويحتلونها على عدائهم للإنسان والإنسانية وإستهداف القيم السامية في التوحيد الإبراهيمي الذي يشكل في معانيه المشتركة تحدياً حضارياً لمشروعهم المعادي للأرض والإنسان.

لقد فشلت الجهود التي راهنت على إعادة من يعتدي على الإنسانية اليوم، الى المساحة المشتركة مع الأديان الاخرى في فضاء التوحيد الإبراهيمي، ولم يبق لنا ومن أجل الدفاع عن الانسان الفلسطيني وبقائه في أرضه وعودته إليها والحفاظ على المقدسات، إلا سعي اسلامي – مسيحي مشترك لتصحيح العلاقة بين المقدس والانسان، لأن الإنسان شرط في قدسية المكان، وإلا تصبح الجغرافيا مكانا للنزاع يتغلب فيه من

يمتلك القوة متذرعا بنصوص دينية شكّلها لتخدم أهدافه في السيطرة وطرد الاخر المختلف لا المخالف.

 ان ما تشهده مدينة القدس هذه الايام، وما تتعرض له المقدسات في مدينة السلام من إعتداءات ومحاولات تهويد لن تقف فقط عند حدود هذه المقدسات، لأن هدف المحتل العمل على إلغاء جميع المقدسات ولن يتوانى أيضاً عن المقدسات المسيحية لاحقا، وسبق له ان حاول ذلك من قبل. وهو ما يجعل من امكان تكرار تجربة الشراكة الحضارية والتعايش الابراهيمي في الاندلس عصية على التكرار في فلسطين اليوم.

ان القضية الفلسطينية هي قضية حق الشعب الفلسطيني اولا، الا ان ذلك لا يلغي ان لها بعداً انسانياً أعمّ من البعدين الاسلامي والمسيحي واوسع واشمل. لذلك لا بد من عمل دؤوب وحقيقي من اجل الحفاظ على هذه المساحة المشتركة من التلاقي الانساني والتوحيدي خدمة للبشرية جمعاء.

إن منع الصلاة في المسجد الأقصى لا يعني أن الصلاة لا تصل الى ربها، فالصلاة هي فعل إيمان يتجاوز المكان والحيز الجغرافي "أينما تولوا فثم وجه الله" (القرآن الكريم)، وقدسية المكان ليست بالمكان، بل في المكان الروحي الذي يتجاوز من وقف على اسوار المدينة يؤدي الصلاة أمام أعين الجلادين، ليعم فضاءات الروح والكون.

القدس هي إحتياط مستقبلنا وشرط انسانيتنا، وحلمنا في النهوض والعودة، هي حلم الصلاة في الأقصى جمعة جماعة، والأبانا في القيامة فجر الميلاد وأحد الفصح وكل أحد.

قد لا ندرك هذا الحلم، فلنعمل بصدق كي يدركه أحفادنا وكل المستقبل، لأن القدس هي الوصلة العميقة بين الذاكرة والحلم ، من أجل فلسطين، من أجل القدس، لتكون رابطاً حضارياً وروحياً وحياتياً مشتركاً، معيشاً، كما هو معيشٌ الخوفُ على أهلها، وخوفهم وخوف أطفالهم، الذين لن يعوضهم عن القدس مكان في الدنيا.

من اجل ان يعود السلام الى مدينة السلام، سلام لفلسطين ولنا ولكل العالم امام هذا الحقد المتصاعد الذي لا ينتمي الى الانسان. لنحفظ مدينة السلام حتى نحفظ سلام أنفسنا وأرواحنا قبل فوات الأوان.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم