الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

معركة الجرود: ما مداها الزمني وأي مشهد سيفرض نفسه في الداخل بعدها؟

المصدر: "النهار"
ابرهيم بيرم
معركة الجرود: ما مداها الزمني وأي مشهد سيفرض نفسه في الداخل بعدها؟
معركة الجرود: ما مداها الزمني وأي مشهد سيفرض نفسه في الداخل بعدها؟
A+ A-

السؤال الذي بات يفرض نفسه عند البعض هو: ماذا بعد معركة تحرير جرود عرسال وصولا الى القلمون الغربي من آخر مجموعات المسلحين فيها، وما هو انعكاسها على المشهد الداخلي اللبناني عموما؟  

هذا السؤال ينطلق من فرضيتين: الاولى ان هذه المعركة التي تأخذ الحيز الاوسع في المشهد السياسي قد صارت في حكم المنتهية قبل ان تبدأ مدافعها بالدوي ورصاصها بالازيز. والثانية ان ثمة وضعا جديدا بمواصفات مختلفة سيفرض نفسه على مساحة الواقع من الان فصاعدا.

الذين يشرفون على المعركة التي طال ترقب حصولها واستطال حبل التكهن بمآلاتها يتصرفون على اساس ان المجموعات الارهابية المنتشرة منذ اكثر من خمس سنوات في هاتيك الجرود القصية والوعرة لم يعودوا في وضع القادر على الصمود فترة طويلة، او في وضع الذي يملك مؤهلات صدّ الزحف اللبناني – السوري الذي بدأ على مواقعهم وتحصيناتهم. لذا فان هؤلاء (المشرفين) على سير العملية التي انطلقت فجر امس يخرجون سلفا باستنتاجات فحواها ان قتال هذه المجموعات المسلحة هو قتال اليائس الذي سُدّت في وجهه السبل وضاقت امامه الخيارات الى اقصى الحدود.

ويرفض الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد امين حطيط في اتصال مع "النهار" تحديد فترة زمنية ولو تقريبية ليبلغ هذا الهجوم منتهاه ويحقق مبتغاه "لان الخبراء يضعون دوما في صلب حساباتهم امكان حدوث مفاجآت عسكرية واحتمال بروز بعض التعقيدات"، ومع ذلك فانه يقدّر"ان المعركة لن تطول خلافا لكثير من التوقعات".

ويعزو حطيط ذلك الى جملة معطيات، ابرزها ان المجموعات المسلحة التي تقاتل تفتقد تماما اي غطاء اقليمي او داخلي يحميها ويرفدها بدعم معنوي وسياسي، فالزمن لم يعد زمن تقدم المجموعات الارهابية بل هي صارت في حال تراجع، وهذا ما اكدته تطورات ميدانية في العراق وسوريا اخيرا، بل ثمة مؤشرات توحي بان قرار المواجهة الجدية لضرب الارهاب قد اتخذ.

فضلاً عن ذلك، يضيف العميد حطيط ان كل المعلومات تؤكد ان الحال المعنوية لهذه المجموعات هي في ادنى مستوياتها، فقد مضى وقت طويل منذ ان فقدت زمام المبادرة ووقعت في حال حصار محكم منذ ان فقدت طرق الاتصال بعمقها السوري وبالداخل اللبناني، اضافة الى سريان الخلافات العاصفة بينها، لاسيما بعد اخفاق جولات التفاوض التي بدأت معها ورفضها شروط الانسحاب التي عُرضت عليها واستمرار بعض قيادييها في نهج المكابرة وتضييع الفرص لكي لا يفقدوا حضورهم والمكاسب التي يجنونها في وضعهم الحالي.

وبناء على كل هذه الوقائع، سرت خلال الساعات الماضية معلومات جوهرها ان بعض مجموعات المسلحين ايقنت ان معركتها خاسرة سلفاً وحكماً، وانها عاجزة عن الصمود وصد الهجمات الشرسة عليها من اكثر من محور لفترة طويلة امام القرار المتخذ على اعلى المستويات بطي نهائي لصفحة وجود الارهاب في السلسلة الشرقية على الحدود اللبنانية – السورية. لذا اتخذت قرارا مضمرا يقضي بخوض غمار مواجهة محدودة وقصيرة الاجل لكي تبرر لاحقا امام قاعدتها وامام مرجعياتها الخارجية عملية استسلامها او خضوعها لسقف الشروط المعروضة عليها، وذلك ليكون استسلامها وفق العِلم العسكري استسلام "الذئب الجريح " وليس استسلام "الكلب الذليل". لكن العميد حطيط يستبعد وجود مثل هذا السيناريو "لان هؤلاء استنفدوا فرص التسوية التي اعطيت لهم خلال الاسابيع الماضية واصروا على ركوب رأسهم والمضي في عنادهم اليائس الذي هو اقرب الى الانتحار منه الى اي شيء آخر".

وفي أي حال، فان الذين يشرفون على سير المواجهات وجدوا بعد الساعات الاولى لانطلاق الهجوم على مواقع الارهابيين ان كل حساباتهم كانت على درجة عالية من الصوابية، اذ ان عناصر هذه المجموعات ما لبثت ان تقهقرت سريعا واخلت مواقعها الامامية بأسرع مما كان مرتقبا. وهذا ما يشكل دليلا اضافيا على صواب نظرية ان معركة الجرود ترسم اليوم آخر فصولها وخواتيمها وليس بداياتها. فالذين يقودون هذا الهجوم بدأوا عمليا هجومهم قبل سبعة اشهر، وتحديداً منذ ان عُزلت منطقة انتشارهم عن عمقهم السوري، واعقب ذلك مباشرة عمليات اغارة جوية مكثفة وعمليات قصف مدفعي وصاروخي يومية بلغت ذروتها في الايام القليلة الماضية. ولاحقا أتت موجة الضغط المعنوي والاعلامي الذي تجلى في "تعييش" هؤلاء في مناخ ان ايامهم معدودة وساعة نهايتهم آتية ولاريب لان قرار شطبهم من المعادلة جدي اكثر من اي وقت مضى. ومما زاد في وتيرة ضعفهم ان بعضهم دخل اثر ذلك في عملية تفاوض للمرة الاولى من "تحت الطاولة" مع "حزب الله" ومع النظام السوري ومع مخابرات الجيش اللبناني.

وثمة من يذهب الى القول إن المجموعات في الجرود استشعرت انها فقدت "آخر عوامل الاستقرار والطمانينة" في اعقاب بروز تطورين مهمين: الاول عمليات الدهم الثلاث التي نفذتها وحدات الجيش اللبناني في زمن قصير على مخيمي النازحين السوريين في محيط عرسال (القارية والنور)، ثم عملية الدهم التي استهدفت اماكن اختباء شبكة ارهابية داخل عرسال نفسها والتي افضت الى مقتل نحو عشرة اشخاص بينهم خمسة ارهابيين واعتقال نحو 40 مشتبها فيهم، فضلا عن انها شهدت دخول الجيش الى هذه المواقع للمرة الاولى، اضافة الى ان الجيش استكمل ما بدأه على المستوى العسكري ضاربا عرض الحائط كل حملة الاعتراض المنظم على عمليتيه الاوليين والضجة التي واكبتهما.

والثاني تمثل في الكلام النوعي الذي ادلى به رئيس الحكومة سعد الحريري من على منبر مجلس النواب وتحدث فيه بوضوح عن غطاء سياسي اعطي للجيش لكي يبادر الى القيام بعملية "مدروسة" في عرسال وجرودها. في ضوء ذلك، ايقنت المجموعات الارهابية ان "وقت السماح" انتهى وان "الزمن الاول تحوّل"، وبالتالي صارت متيقنة من ان قرار شطبها قد اتخذ ليس فقط من "حزب الله" والنظام في دمشق، بل ثمة ايحاءات واشارات وامر عمليات أتى من المكان الابعد والارفع.

ومن الميدان نفسه أتت ايضا اشارات عززت ذلك، اذ بعد ساعات على بدء الهجوم على الجرود سارعت المجموعات المسلحة الى اجراء اختبار لمدى جهوز الجيش اللبناني للمواجهة، فحاولت بعض المجموعات ان تلوذ بداخل عرسال لكنها وجدت الجيش بالمرصاد، مما اكد لها ايضا مدى التنسيق الميداني غير المعلن من جهة والدور المنوط بالجيش في حماية عرسال ومخيمات النازحين من جهة اخرى. وهو ما من شأنه، وفق التقديرات، وضع المسلحين امام رفع راية الاستسلام او العودة مجددا الى دائرة التفاوض لتأمين انسحابهم. واذا صحّت التوقعات فان المعركة لن تستغرق اكثر من اسبوع، وبعدها ثمة حسابات جديدة في الداخل اللبناني حاضرا او مستقبلا.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم