الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حبّها للحياة أقوى من المرض... كيف انتصرت ريتا على سرطان الدماغ مرّتين؟

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
حبّها للحياة أقوى من المرض... كيف انتصرت ريتا على سرطان الدماغ مرّتين؟
حبّها للحياة أقوى من المرض... كيف انتصرت ريتا على سرطان الدماغ مرّتين؟
A+ A-

كثيرة هي التجارب التي نمرّ بها او تُفرض علينا بقسوة وألم. تأتي من حيث لا ندري، وكأنها صفعة قوية ألمّت بنا من دون سابق انذار. هكذا هي الحياة واقدارها تتفاوت بصعودها وهبوطها، بمفاجآتها السارة والحزينة، تأتيك الأشياء على غفلة وترحل على غفلة. هل كان باستطاعتنا منع الأشياء من الحدوث؟ من يدري! لكن بعض هذه الأمور لا قدرة لك على التحكم بها ، فكيف اذا كان السرطان قدرك الذي أتى باكراً، باكراً جداً.  

قصص كثيرة سمعناها عن "ذاك المرض"، لم نكن نتجرأ سابقاً على تسميته. هل كان خوفاً من تسلله الينا خلسة او من رهاب سماع الكلمة في نفوسنا؟ كثيرة هي القصص التي لم تُحكَ وعمد اصحابها الى دفنها في بيوتهم الصامتة، فيما بعضها الآخر يتشاركها ، يتحدث ويستذكر ويبكي عند استرجاعه هذه الفصول الصعبة من حياته. هي أرادت ان تحكي عن معاناتها مع مرض سرطان الدماغ، أرادت ان تجالس نفسها قبل الآخرين ومراجعة حياتها السابقة كما الجديدة. كان عليها ان تواجه هذا السرطان بكل قواها الجسدية والمعنوية، وان تصارع من دون انقطاع او توقف حتى تغلبه...وقد نجحت في ذلك!

إسمها ريتا طربيه (29 عاماً) وكانت مصابة بسرطان في الدماغ. إجتازت رحلة طويلة مع الألم والخيبات والتغيّرات الجسدية والنفسية على حياتها، وما زال امامها اشواط اخرى لتخطيها وحياة اخرى لتعيشها مختلفة عن حياتها السابقة. لديها الكثير لتقوله، تحب ان تتشارك قصتها مع الغير علّها تساعد في ايجاد سند معنوي لكل من مرّ او سيمرّ بالتجربة ذاتها وتعطيه دفعاً وأملاً واصراراً.

تعود ريتا بالذاكرة الى تاريخ تشرين الثاني في العام 2015 عندما بدأ كل شيء . تقول:"كنتُ أتسوق وفجأة شعرتُ بتنميل في يدي وشبه شلل في رجلي. قدتُ السيارة وانا لست على ما يرام وقلت لنفسي ربما لأنني لم آكل جيداً. لم اعر الموضوع أهمية، وقلتُ لنفسي انه مجرد تعب وقلة تغذية. إلا ان الحادثة تكررت بعد أسبوع وشعرتُ بالعوارض نفسها: تنميل وضعف على الجهة اليسرى، عندها قررتُ الذهاب الى طبيب الصحة الذي طلب مني اجراء الـ IRM كإجراء وقائي وبديهي ومعرفة سبب هذه العوارض المفاجئة".

في زمن الأعياد كان على ريتا ان تعيش فصولا صعبة وحزينة، وفي خضم الفرح وعجقة العيد كان عليها ان تواجه "مفاجأة" لم يكن احد يتوقعها. قررت ريتا أن تؤجل إجراء الـIRM بعدما رفضت شركة التأمين تغطية النفقة ( 600 $) لأنها بحاجة الى تقرير طبي من اختصاصي في الجهاز العصبي وليس صحة عامة. لكن هذا التأجيل لم يكن ليدوم كثيراً، ففي كانون الثاني وقعت ريتا في المنزل وقررت رؤية الطبيب في أسرع وقت لمعرفة ما يجري.

تروي ريتا هذه التفاصيل الصغيرة بدّقة بالقول: "توجهتُ في 8 شباط الى احد المستشفيات في الاشرفية واجريت صورة الرنين المغناطيسي. وبعد يومين إتصلت امي بي لتبلغني ان عليّ اعادة التصوير. لم يكن هناك من مقدمات او تمهيدات، ما سمعته امي نقلته اليّ حرفيا من دون تلطيف، لم انس ما قالته عندما اصبحت معها في السيارة "تبين ان هناك شيئاً وعلينا التأكد من صحة ذلك". بدأتُ بالبكاء لم أكن مستعدة لسماع مثل هذا الخبر وبدأتُ أعيش صراعاً داخلياً – فكرياً لا ينتهي".

أسئلة كثيرة طرحتها ريتا على نفسها، كانت بحاجة الى إجابات سريعة لكنها لم تجد سوى سراب مخيف: "لماذا انا؟ ماذا عن اولادي وزوجي؟ لماذا الآن؟ كنتُ ابكي طيلة الوقت في انتظار مقابلة طبيبة الأشعة التي اعترفت انها رأت شيئاً في الصورة وعليها ان تتأكد من نوعه ومدى خطورته. شرحٌ طبيٌ غامض يزيد صعوبة الأمر من دون ان يخفف عليكَ وطأة هذه المصيبة التي وقعت عليكَ فجأة".

هذا المرض الذي كانت تسمع عنه من بعيد بات قريباً منها، ويعيش في رأسها من دون ان تدري. وتتابع حديثها: "ذهبتُ الى اختصاصي في الجهاز العصبي الذي شرح لي تفصيلياً الإيجابيات الموجودة في حالتي رغم وجود الورم، اهمها ان الورم ليس موجوداً في منطقة النطق او السمع او التحكم بحركة اليد والرجل اليسرى وانما قريب منها. ورغم صعوبة الموقف إلا انني كنت أبتسم لأنني شعرتُ للمرة الاولى منذ اسبوع ان هناك املا وان وضعي ليس مستعصياً. وكنتُ في هذه الأثناء أسأل عن افضل الأطباء للقيام بالجراحة لأني كنتُ على يقين انني بحاجة الى عملية جراحية لاستئصال هذا الورم الدماغي".

هي قدرة إلهية او نيات طيبة سهلت الطريق امام ريتا، إجتمعت كل هذه العوامل لتشق طريقها مع هذا السرطان الخبيث الذي أتى على غفلة. وبالفعل إتجهت ريتا الى جراح في الجهاز العصبي بعد اتصالات مكثفة وملحّة من جهات عدة وتمكنت من مقابلته في اليوم التالي. وبعد اطلاعه على الملف قرر إجراء عملية مستعجلة لاستئصال السرطان الذي ما زال حجمه مقبولا نسبياً.

تستكمل ريتا يومياتها مع هذا السرطان، مُعربةً عن مشاعر عاشتها في تلك اللحظات الصعبة بالقول: "تمّ تحديد موعد العملية، كنتُ خائفة جداً، العملية خطيرة لاسيما انها في منطقة الدماغ. ورغم محاولات الطبيب للتخفيف من رهاب هذه اللحظة بترداده جملة واحدة"عليكِ الوثوق بي" كنت أُجيبه من دون وعي"لا اثق بأحد إلا بالله. كنتُ اقول في نفسي "هو يجري 10 عمليات يومياً اما انا فهذه المرة الأولى التي أُجري فيها عملية جراحية في رأسي".

وتضيف: "كانت العملية مقررة عند الساعة العاشرة صباحاً، لكن في الصباح الباكر أبلغني الطاقم الطبي ان عمليتي ستكون عند السابعة لأنها تستلزم حوالى 7 ساعات تقريباً. بدأتُ بالبكاء لأنني لم أتحدث الى ولديّ ولم أسمع صوتهما، إلا انهم سمحوا لي بالإتصال بهما ورأيت زوجي قبل ان أدخل الى تلك الغرفة التي ستحدد مصيري وقدري في هذه الحياة. بقيتُ 7 ساعات داخل غرفة العمليات. نجح الطبيب في استئصال الورم الذي تبين انه كان سرطاناً. خرجتُ من المستشفى وكأنني انسانة اخرى".

تتأثر ريتا عند حديثها عن هذه المرحلة الانتقالية في حياتها. تصف واقعها الجديد بخيبة ووجع قائلةً:"بعد خروجي من المستشفى، كنتُ عاجزة عن المشي بمفردي، حتى عند دخولي الى المرحاض. كنت بحاجة دائمة الى شخص يرافقني في التنقل. لم يكن باستطاعتي ان ارتدي حذائي او ان استحم بمفردي او مساعدة اطفالي في ارتداء ملابسهم او تسريح شعري...أسخف الأشياء لم يعدّ باستطاعتي القيام بها. 6 اسابيع مرّت بصعوبة كبيرة، كان عليّ ان اتعايش مع هذه التغيّرات من دون خيارات او بدائل حتى بدأت اتحسن رويدا رويداً. منعني الطبيب من قيادة السيارة او القيام بنشاطات تتطلب مجهودا. وكانت الأدوية التي اتناولها تُبقيني نائمة وبمزاج سيىء".

وبرغم العذاب الجسدي والنفسي، كان على هذه الشابة ان تواجه عذاباً جديداً تُضيفه الى قائمة مشوارها الطويل. وتصرح قائلة: "كنتُ اخشى ان اكون حاملاً وذلك قبل معرفتي بأني مصابة بسرطان، وقد صدقت توقعاتي وعلم الطبيب بذلك من خلال فحوص الدم قبل العملية بيوم واحد لكنه لم يخبرني بذلك قبل العملية خوفاً من ردة فعلي ورفضي لإجراء العملية. لذلك بعد خروجي من المستشفى، كان عليّ ان اعود اليها لإجراء عملية إجهاض لأنه يستحيل الإحتفاظ بحملي". هكذا كُتب على ريتا ان تعيش ألم الخسارة والفقدان لحلم كانت تنتظره قبل ان يُفاجئها المرض.

لم تصمد ريتا كثيراً مع سرطان الدماغ، فبرغم تطمينات الطبيب باستئصال الورم وقناعته بعدم حاجتها للخضوع لعلاج كيميائي او شعاعي، وقعت في شباك هذا السرطان الخبيث الذي عاد ليظهر مجدداً. وتشير ريتا الى انه "كان عليها ان تخضع لتصوير الرنين المغناطيسي كل 3 اشهر. وقد تبين في شهر تموز ان هناك ورما صغيرا لكن لم يُطلع احد الطبيب على هذه النتيجة. وفي تشرين الثاني بدأت انام كثيراً وعاجزة عن التركيز وأُغمي عليّ مرتين في المنزل. وبعدما خضعت لـIRM تبين ان الورم عاد من جديد وفي المكان نفسه".

كان على ريتا ان تواجه المرض بشراسة اكبر، كان عليها ان تنال منه قبل ان ينال من عزيمتها. قررت إجراء عملية اخرى لكن هذه المرة هي الأصعب لأنه كان عليها ان تبقى مستيقظة طيلة الوقت. إسم هذه العملية Brain awake surgery وهكذا دخلت ريتا الى الغرفة وفي داخلها قرار بمحاربة هذا السرطان حتى النهاية.

تقول متأثرة: "في العملية الثانية لم اعد اشعر بيدي وقدمي لمدة شهرين، ليعود الاحساس مجددا الى اطرافي. لم أعد كما كنت سابقاً، أصبحت اتعب بسرعة ولم أعد في كامل نشاطي وقوتي. تلك الشابة التي كانت تحب السهر والنشاطات ولا تهدأ، أصبحت اليوم غير قادرة على القيام بكل شيء، بالإضافة الى اكتساب وزن زائد. كنتُ اعاني من قلة التركيز والنسيان ومن الاكتئاب في العمليتين إلا انني تخطيت ذلك بسرعة. تغيرت تفاصيل كثيرة في نمط حياتي، لاسيما من ناحية طفليّ اللذين كنت ألعب معهما وآخذهما في نزهات. في حين لم يعدّ باستطاعتي اليوم القيام بهذه الامور لأني أتعب بسرعة كبيرة. لم يعد نهاري مليئا بالنشاطات والحياة بل اصبحت انام كثيرا، لكن أشكر الله على كل شيء، فأنا ما زلتً على قيد الحياة".

تشاركنا ريتا قلقها الدائم الذي يرافقها في حياتها اليومية. مناعتها اصبحت ضعيفة ومعرضة لالتقاط العدوى في اي وقت. ورغم التطمينات الطبية تؤكد ريتا "ان القلق يسكن في داخلي، اسئلة كثيرة تؤرقني، هل يعاود الظهور، هل سأصمد؟ هل سيكون الورم في المكان نفسه ام في مكان غير قابل للجراحة؟ مخاوف عديدة تعيشين في دوامتها ويبقى عليّ ان اراقب نفسي كل ثلاثة اشهر. حتى احلامي تغيّرت واصبح علي التعايش مع واقعي الجديد، صحيح ان لدي ولدين لكني كنت احلم بان اكوّن عائلة من 4 اطفال وان افتح محلا يهتم بتصنيع الحلويات الخاصة بالأعياد والمناسبات".

تقرّ ريتا بان الأدوية التي تأخذها تجعلها في مزاج سيىء وقلة تركيز وتعب دائم و حاجة ملحة الى النوم. مضاعفات عديدة لم تصمد كثيرا معها حتى قررت ان تغيّر الدواء واليوم توقيفه بنفسها. وصلت الى نقطة لم تعدّ تحتمل كل هذه السلبيات وكان عليها ان تنتفض في مكان ما، ونجحت!

تعيش ريتا مع حياتها الجديدة، المقيّدة في احيان كثيرة بقواعد ونقاط ممنوعة. إجتازت نصف الطريق وما زال عليها ان تستكمل مشوارها مع الوقاية والمتابعة المستمرة. تعي في قرارة نفسها ان حبها للحياة كان اقوى من السرطان، وبرغم غدره مرتين إلان انها ربحت المعركة واستحقت الحياة !




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم