الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

قانون بمادة وحيدة ضد الديموقراطية والحراك المدني بلا مواطنين ومواطنات

المصدر: "النهار"
ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
قانون بمادة وحيدة ضد الديموقراطية والحراك المدني بلا مواطنين ومواطنات
قانون بمادة وحيدة ضد الديموقراطية والحراك المدني بلا مواطنين ومواطنات
A+ A-

أياً تكن التبريرات التي رافقت إقرار قانون الـ15 دائرة بمادة وحيدة، بين "أفضل الممكن" أو "أسوأ الممكن" أو الإنجاز المحسوب للعهد، فإنه لن يعكس التمثيل الصحيح عند الإنتخابات النيابية في أيار 2018. أما تمديد مجلس النواب ولايته لـ11 شهراً، والتي أقرها المجلس سريعاً، فإنه يكون قد استفاد من تمديد لأربع سنوات أي ولاية كاملة رافقها كل أشكال التشنج السياسي والصراعات والفراغ، قبل ان تكتمل تسوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل نحو ستة اشهر وتشكيل الحكومة.وإذا كان القانون لم يقر بالاجماع بسبب اعتراض عدد من النواب، إلا أن إقراره بهذه السرعة أثبت أن القوى السياسية والطائفية في الحكم تمكنت من إخراج تسوية محاصصة بينها على قاعدة نسبية مشوهة، حسمت تقريباً النتائج سلفاً وفق تقسيم الدوائر والصوت التفضيلي الأكثري، ليتسنى لها خلال سنة تقريباً من التمديد تجيير ما يلزم لفوز أكثرية نوابها والإطباق على ما تبقى من الديموقراطية في البلد ونسج الخيوط المناسبة للهيمنة وتكريسها واقعاً على الأرض.

أن تقرر المكونات السياسية والطائفية الكبرى في البلد، حجز السلطة والمؤسسات بقوانين تقر بمادة وحيدة، كما حصل سابقاً مع قوانين لا تزال تجر نفسها وتراكم مشكلاتها إلى اليوم، وأن تتمكن من إلغاء الأصوات الاعتراضية، فذلك يدل على أن مجلس النواب المقبل، إذا سارت أمور البلد سياسياً وأمنياً نحو الإستقرار، سيتكون من قوى طائفية تقرر مصير الدولة سلفاً، وكأنها تحجز تطور البلد، عندما تصادر أصوات الناس لوضعها في صناديق الاقتراع "زي ما هي" في حين أنها قادرة على البت بكل شيئ، حتى في شكل المعارضات وتركيبها، وفق ما تشير مصادر سياسية متابعة لملف الانتخابات، والتي تقول أن التركيب السياسي والاجتماعي اللبناني سيكون مختلفاً لاحقاً، بحيث أن قوى طائفية لديها القدرة على تنفيذ حصار ضد أي معارضة ديموقراطية تحاول رفع رأسها في المستقبل، وهي في الأساس لن تكون قادرة على خرق المحادل الجديدة في قانون الانتخاب النسبي الذي قسّم الدوائر وفق المصالح والحصص والاعتبارات، إلى حد أن الاعتراض الشارعي على مشروع القانون قبل إقراره كان قاصراً ولم يتمكن الحراك المدني من جمع العشرات احتجاجاً على إقرار القانون وضد جلسة مصيرية للبلد مرّ فيها قرار التمديد لسنة، وكأن شيئاً لم يكن.

أقر القانون، ولم يفتح الطريق إلى الإصلاح. بدا أنه جرعة دعم للقوى السياسية والطائفية التي تتحكم بالبلد، ليفتح على مناخ سياسي جديد بعيداً من شعارات الإصلاح، ولتستمر الطبقة السياسية بمكوناتها المختلفة في تقرير ما تريد، وإن كان رئيس مجلس النواب اعتبره "أفضل الممكن تجنباً للوصول الى ازمة مصير". وإذا كان بعض النواب، ومنهم النائب سامي الجميل الذي شنّ حربا مفتوحة على القانون واربابه ووصفه "بأنه قانون البترون لصالح جبران باسيل" وسأل "كيف يمكن اقرار قانون انتخابي خلال 24 ساعة من دون مناقشة، وكيف تستطيع المعارضة مناقشة المشروع، هل المطلوب ان نكون شهود زور على القانون لانه صُنع في الغرف المغلقة ولم يتمكّن مجلس النواب من الاطلاع عليه؟في حين أن النائب بطرس حرب، قال إن المطلوب من مجلس النواب البصم ورفع الأيدي من دون مناقشة ودون إبداء رأي. وهذا ما نرفضه، ولو اقتضى الأمر أن يبقى المجلس مجتمعا طيلة الثلاثة أيام المتبقية من ولايته، فإن القانون أقربمادة وحيدة، ليتبين أن أزمة المصير التي تحدث عنها الجميع، ليست سوى فقاعة. وبينما اعتبر القانون لدى البعض إنجاز تاريخي، فإن السؤال الذي بقي بلا إجابة، هو لماذا أخرج هذا القانون في اللحظة الأخيرة قبل الفراغ؟. كان الأمر واضحاً، وفق المصادر السياسية، فالقانون المطلوب بالنسبة إلى القوى السياسية والطائفية هو إعادة نسج التركيب الذي يؤمن الحصص ويكرس الهيمنة. فلا إقرار لإصلاحات، ولا مشاركة حقيقية في إعداد مشروع القانون، الذي أقر خارج مؤسسات الدولة وبآلية مقفلة، حتى أن النواب لم يطلعوا عليه واقروه. وهو مشروع يكرّس مصالح جديدة بنسبية مشوهة لا تحقق عدالة التمثيل، فيما إدارة الإنتخابات ستبقى بيد الاقوى الذي يقرر ما يريد ويحدد سلفاً من يدخل الندوة النيابية.

أما الحراك المدني الذي نفذ وقفة احتجاجية ضد إقرار القانون والتمديد، فلم يكن على قدر التوقعات، ولم يستطع حشد العشرات، فيما كان صوته صامتاً طوال الأشهر الماضية، ليتذكر أن مشروعاً للإنتخاب يعد في اللحظة الأخيرة ويتحرك ضده، علماً أن القمع الذي تعرض له البعض خلال الاعتصام يدل على أن مساراً آخر سيحدد مصير البلد والديموقراطية، انطلاقاً من سياسة المادة الوحيدة المناقضة للإصلاحات. ويتبين من ذلك أن الحراك بات غير قادر على التعبئة، ودخل في دائرة البطالة، أو من تلك الفئات المتفرجة تنتظر ما يحصل لدى أهل الحكم. فأين أصبحت الشعارات التي رفعها الحراك منذ انطلاقته في 22 أب 2015 وفي التظاهرة الشهيرة في 29 آب؟ وأين أصبح شباب الحراك المدني وشعاراتهم من "إسقاط النظام" و"كلن يعني كلن" ومواجهة فساد الطبقة السياسية وعجزها.

أقر قانون الانتخاب، وهاهي المشكلة تظهر كبيرة في الجسم المدني بحملاته المختلفة. وقد بات في نسخته الحالية غير قادر على الحشد والاستقطاب، على ما ظهر في الاعتصام أمام مجلس النواب. ولأن هذا النوع من الحراك بات غير قادر على إحداث تغيير حقيقي في الحياة السياسية، عليه أن يتحضر للمرحلة الجديدة بعد إقرار القانون. ليست لديه اليوم مساحة كافية وتأثير على الفئات الاجتماعية، وسط الإصطفافات الحزبية والسياسية والطائفية، ولا بيئة حاضنة. وبات من الضروري الاعتراف من خلال التجربة، أن كل المطالبات بقانون عادل للانتخابات أو غيره لا يحدث فرقاً ما لم يجر العمل لرفد الحراك المدني وتياره بفئات شبابية جديدة وكتل اجتماعية تشكل ركيزة له لمواجهة ما يحاك سياسياً للبلد.

[email protected]

twitter: @ihaidar62

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم