مغامرة الى الارض الهامسة بالحب... استعدوا للسفر "ويك اند" الى تبيليسي وباتومي
استعدوا للسفر "ويك اند" فقط الى #تبيليسي و#باتومي، اكبر مدينتين جورجيّتين، لقطاف من نوع آخر. خط بيروت-تبيليسي-باتومي افتتحته اخيرا "#شركة_نخال" برحلة اولى جمعت نحو 150 لبنانيا، من اعلاميين ووكلاء سفر، في رحلة "شارتر" في طائرة لـ"اجنحة لبنان" امتلأت حتى الكرسي الاخير. "نريد ان نري اللبنانيين جورجيا الجميلة. ونأمل في ان يزوروها قريبا باعداد كبيرة، وان يحبوها. اهلا وسهلا بكم"، يقول مدير السياحة الوطنية الجورجية جورج شوغوفادزي لـ"النهار" (بالفيديو- خاص "النهار").
ارض التميّزات الجميلة
على تقاطع طرق بين شرق اوروبا وغرب آسيا، تقع جورجيا، موطن تلك الجبال القوقازية الاخاذة الخضراء المترامية الاطراف على طول البلاد وعرضها، المطعمة برائحة البحر الاسود وملحه. من اعوام، تبني مستقبلا جديدا لابنائها، منذ نيلها الاستقلال بعدما وضعت وراءها عهد الاتحاد السوفياتي العام 1991. هنا ارض التميزات الجميلة، بين مدن مرتقية الى الحداثة وبلدات منسابة في هدوئها وتراثها السري، وسط جبال وهضاب لا متناهية، على مدى 69,700 الف كيلومتر مربع فقط، ومع اقل من 4 ملايين نسمة.
اول التميّزات ان حتى جورجيا ليس اسمها جورجيا. الجورجيون يسمونها "ساكارتفيلو". الاسم يرجع الى العام 800، والبحث في تاريخه واصوله موضوع آخر. تميّز ثان لافت. اللغة تراثية قديمة تجمع اضادا لغوية كثيرة لتجعل من اللفظ امرا شاقا، والالفاظ اصوات غريبة ونادرة. 33 حرفا تخص جورجيا وحدها، وفي الاعتقاد ان لها اصولا من الآرامية القديمة المحكية، وتبدو الكلمات متشابهة، وكألغاز بالنسبة الى الاجانب.
هنا ارض الاجداد، من آلاف آلاف الاعوام. تبيليسي، وسط المدينة القديمة. ازقة ضيقة مرصوفة بالحصى، وتتعرج كأنها متاهة، بأبنية قديمة ملونة، معلقة على صخرة كبيرة شاهقة. شلال يهدر على مقربة، نهر صغير يشق طريقه بين حمامات الكبريت الاثرية بقببها القرميد. كنائس تعلو التلال بابهة، مسجد "الجمعة" في اوج الترميم، على غرار عشرات الابنية القديمة. الوسط يرمم تاريخه، يجدده.
صفحة عريضة من التاريخ تنكتب على الجدران، وتتكىء عليها شرف المنازل. نتكلم عن القرن الرابع على الاقل... والملك فاكتانغ غوركاسالي هو صاحب الفضل. نحن في "ميتيخي"، او القلب التاريخي للمدينة، تسيجها قلعة "ناريكالا" الابية. ويمكن قراءة كف المدينة القديمة وخطوطها المتعرجة من الجو. في السماء، "تيليفريك" يحلق ذهابا وايابا.
النخب... مع "تامادا"
لتذوق تبيليسي، يجب السير في ازقتها، جوا ومشيا. صقر وسط النافورة. تذكروا، انه شعار البلد. نوافذ منخفضة تغري بالتلصص. ابواب كثيرة، مداخل وادراج تقود الى قصة، الى اماكن سرية. التجارة والتسلية والسياحة تختلط بالامكنة الدينية والتراثية. تناقضات تضفي على المكان سحره الخاص. كنيسة فوق، كنيسة تحت. كنيسة في الزقاق القديم، قبالتها كنيس، فكنيسة اخرى. ووسط ذلك، نمرّ بـ"تامادا" الشهير رافع النخب دائما وشاربه، "جالب الحظ"، وفقا للمعتقدات المحلية. الخمر صناعة محلية بامتياز، لذيذ كخمر لبنان. وله خريطة خاصة تقود المتذوقين في كل ارجاء البلاد.
نغوص في الزقاق الرفيع. وجوه تبتسم، ترحب، محلات بسيطة تراصت في البازار من دون تكلف. بضائع ملونة، مزخرفة من صنع اهل البلد. مطاعم، بارات، ساحات صغيرة كبيرة خضراء في الانتظار. ويجب المرور بها تباعا للوصول الى بازيليك "انشيسخاتي" للقديسة مريم، وهي الاقدم في جورجيا (من القرن السادس). تنبيه للرجال والنساء. من موجبات زيارة الكنائس هناك، شال على رؤوس النساء، ولباس محتشم للجميع. وهذا يعني ان "الشورت" ليس مرغوبا فيه... كذلك التلهي بالتصوير و"السلفي".
ازقة بسيطة للغاية، لكن ذات عمق تاريخي. نافذة خارجة عن المألوف تفتح على معروضات عصرية. ملاكان "يقفان" في باب حديد. انه مدخل البطريركية الارثوذكسية الجورجية. هنا رسام يعرض رسومه. سياح توزعوا في الارجاء. وفي الجوار، المتحف الوطني الذي يستحضر تاريخ البلاد المنوّع مع المغول والفرس والروس، وآثارها الجورجية والقوقازية، مع ارشيف من الصور والفيديوات.
رشفة قهوة على مقربة، وبوظة شهية لترطيب الاجواء. وقبل المضي اكثر، تستحق الاستراحة امام الساعة المائلة، المذهلة بتكاوينها وزخارفها العجيبة الغريبة ومكعباتها الملونة بجنون. الكل في انتظار الملاك ليخرج من درفتي الباب العلوي بمطرقة، ويدق الجرس، كلّ ساعة.
اميرة الليل
مع كل خطوة، ترتسم فسيفساء سمينة بتكاوينها. وجليّ انها تستمد غناها من إتنيات عدة، ابرزها الجورجيون والارمن والاذربيجانيون. وفي المجموع، 6 طوائف "تتعايش بسلام"، وفقا للتأكيدات. الارثوذكس، الارمن الارثوذكس، الكاثوليك، اليهود، السنة، والشيعة. ولمفارقات الامور، يتشارك السنة والشيعة مسجد "الجمعة". خصوصيات جورجية كثيرة تذكر بلبنان، وتتشابه معه، بدءا بالجبال والبحر، وصولا الى الشوارع القديمة وناسها.
تبيليسي، او "تيفليس"، وفقا لما تُعرَف به ايضا، هي اكبر مدن جورجيا. يوم واحد فيها يجعل المرء ينبهر بليلها، ويُغرم بنهرها "كورا" (متكفاري) الذي تشرّع له صدرها. اميرة الليل هي، كساندريلا. عندما يسدل الظلام ستاره، ترتدي اجمل ما لديها، وتخرج الى الشوارع والاسواق لترقص، وتسهر، وتغني، وتفرح، وتشرب نخب الحياة. كل ما فيها يتغيّر، لتصير اخرى مختلفة كليا. هكذا كل ليلة، حتى طلوع الفجر.
يوم ثان... وتحقن تبيليسي سحرها في الشرايين. كثير من تاريخها يُقرأ في ابنيتها. وما يحكيه هو نهضتها نحو العصرية، بهدوء وثبات. الى جانب مبان سكنية حديثة وفنادق وجسور وطرق وقصور تعانق الابداع والحداثة، تبقى مبان من آثار الاتحاد السوفياتي السابق، وتعرف بالابنية السوفياتية. كتل ضخمة من الباطون تكدست جنبا الى جنب، في العرض والطول، مترهلة، خائبة، بلا روح. علامات فارقة تبقى، شواهد آنية لما مرت به البلاد خلال 70 عاما (1921-1991).
وعبق البخور، ذهول!
اينما كانت الوجهة، ثمة ما يحبس الانفاس، لحظة. "جسر السلام" ذات الهندسة الباهرة الذي يمر فوق نهر "كورا". نموذج بسيط عن احلام تبيليسي للمستقبل. كاتدرائية الثالوث الاقدس ذات القبة الذهبية اللماعة، والتي تجمع حولها اطراف المدينة بما يشبه دائرة كبيرة. اوبرا زكريا بالياشفيلي، مسرح الباليه الاكاديمي، قصر الشباب، جادة روستافيلي الراقية، والتي تبدأ بساحة الحرية... اماكن تكتب على طريقتها تاريخ العاصمة. وتستكمله في الاعالي كنائس وبلدات واراض عذراء ضائعة في غور الجبال.
كنيسة الصليب الاقدس في متسخيتا، والصامدة على رأس الجبل منذ القرن الرابع (586) لا تُفوَّت، قبلة الحجاج المسيحيين في القوقاز على مر العصور. كانت النسوة يصلين ترتيلا، همسا رقيقا. الالحان ترقرقت كمياه الينابيع، وعبق البخور. ذهول! كأن الزمن يتوقف هنا، عند قمة الجبل. في الخارج، ذهول من نوع آخر. الطبيعة تفجرت الوانها، اخضر، اخضر، اخصر... والرياح حملت خبريات الماضي المجيد. اراض تهمس بالحب.
الكنائس الارثوذكسية الاثرية حجّ برمته لوحده. من تبيليسي، الى متسخيتا وشيدا كارتلي وكفيمو كارتلي ومتسخيتا متيانيتي وسامتسخي جافاخيتي وكاخيتي وايميريتي وغوريا وساميغريلو وسفانيتي، وصولا الى راشا ليتشخومي وادجارا وابخازيا، تنضح الارض بالارثوذكسية. جواهر لا تثمن تفتح دفاترها امام آلاف الزوار والمؤمنين المتعطشين الى الجذور المسيحية.
كاتدرائية "سفيتيتسخوفيلي" للرسل الـ12 البطريركية في ميتسخيتا تعتبر اهم صرح من حيث التاريخ والهندسة والفنون الكنسية. الجذور التي ترجع الى القرن الرابع، يمكن تلمسها في كل حنايا المكان. ايقونات اثرية رصعت باب الهيكل، مئات الشموع اضيئت، صلوات امام صليب المسيح، زوار يدورون في المكان مندهشين. ولا تكتمل الزيارة الا برشة "حرزانة" من الماء المبارك يوزعها الكاهن بسخاء عند المدخل على الاولاد الضاحكين...
رشفة صغيرة... انه الغرام
في البازار المجاور، تجدون العسل والنبيذ المحليين والمصنوعات المحلية التي عرضت على بسطات بسيطة او في محال تراصت في زقاق ضيق، الى جانب مطاعم صغيرة، حيث يمكن تناول الطعام التقليدي... ولا تنسوا ان تسألوا عن شراب لونه "بيج". انه شراب الشوكولا المصنوع من وصفة سرية عمرها 128 عاما. رشفة صغيرة منه، وتقعون في الغرام! وللراغبين في مشاهدة كل تبيليسي من فوق، امامكم وجهة واحدة: "البارك" الاخضر الرابض فوق العاصمة، والذي يمكن فيه تمضية وقت ممتع مع الاولاد.
صفة واحدة تسم جورجيا، من اولها الى آخرها. الطبيعة السخية، الغابات والاشجار والفسوح والجبال والهضاب الخضراء، كأنها معلقة بين السماء والارض، شلالات تفيض خيراتها بوفرة. في تلك الارض، توجد ثاني اعلى قمة في العالم، "شكارا" (5,139 م)، لتغلب جبل "مون بلان" بنحو 400 م. في باتومي، ثاني مدينة بعد تبيليسي، يغني البحر الاسود المترامي على الشاطىء الواسع، منظر الجبال الشاهقة المزنرة المدينة، والمكحلة بالثلوج بعيدا.
باتومي الضاحكة
45 دقيقة في الطائرة من تبيليسي الى باتومي. 65 كيلومترا مربعا فقط تفتح الشهية، ليس على البحر والشمس و"الشوبينغ" والطعام التقليدي والنبيذ المحلي والسهر وتمضية الوقت الممتع فحسب، انما ايضا على التمتع بمناظر خلابة، من البحر الى الجبال، والتعمق في الجذور عبر تاريخ الابنية القديمة من كنائس او مبان اثرية، اضافة الى عشرات الفنادق والمباني ذات الهندسة العصرية الخلابة، تَمَيُّزُها الذي تتباهى به بفخر.
ساعات قليلة في تلك المدينة الساحلية، ويطلب القلب المزيد. كما في تبيليسي وغيرها من المدن الجورجية، تملأ الموسيقى التراثية المدى كله. الحان ارض الاجداد بوليفونية غنية، تذيب الجليد، وتتمايل كعاشقة ولهانة، ليشعل بها الراقصون الحلبة دورانا وقفزا وقتالا بالسيوف وعنفوانا، بما يُعرف بـ"أشارولي" او رقصة الحرب، في براعة لا مثيل لها. كل شيء في باتومي يضحك للصيف الآتي، للزوار. الوقت هناك يعد، كما في تبيليسي، بمتعة قوقازية خاصة، بمغامرة تزداد تشويقا كلما اخذتكم الى العمق. استعدوا للتحليق!