الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هل خوف لبنان من لائحة العقوبات الأميركية الجديدة مُبرّر؟

المصدر: "النهار"
البروفسور جاسم عجاقة- خبير اقتصادي واستراتيجي
هل خوف لبنان من لائحة العقوبات الأميركية الجديدة مُبرّر؟
هل خوف لبنان من لائحة العقوبات الأميركية الجديدة مُبرّر؟
A+ A-

يعيش لبنان حالة ترقب لحزمة العقوبات الإقتصادية الجديدة التي ستُصدرها الإدارة الأميركية ضد حزب الله وعدد من حلفائه. وإذا كان لبنان قد تعامل بسهولة مع اللائحة الأولى التي أصدرتها الإدارة الأميركية، إلا أنه يعيش حالة من الهلع مع قرب صدور اللائحة الجديدة. فما هي مُبرّرات هذه المخاوف؟ 

عداء الولايات المُتحدّة الأميركية لحزب الله يعود إلى تاريخ إنشاء الحزب حيث قامت بإدراجه على لائحة الإرهاب لديها. وتعتبر الولايات المُتحدّة الأميركية أن على حزب الله الإلتزام بنقطتين أساسيتين: الأولى الإنسحاب من سوريا ووقف التدخلّ في شؤون الدول العربية، والثانية عدم التعرض عسكريًا للدولة العبرية. وتُشكّل النقطة الأخيرة سبب وجود حزب الله مما يعني أن المواجهة بين حزب الله والولايات المُتحدة الأميركية هي مواجهة مفتوحة خصوصًا مع التصريحات العالية اللهجة التي يستخدمها كلا الطرفين.

العقوبات التي صدرت بقانون أميركي مُوقّع من أوباما في العام ٢٠١٥، طالت أسماء ١٠٠ شخص ومُنظّمة "تابعين" لحزب الله أو يُسهّلون أعماله بحسب القانون الأميركي. وإستطاع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنذاك من تطبيق القانون الأميركي وإعفاء القطاع المصرفي والإقتصاد اللبناني من عقوبات كانت لتشمله لولا التعميم الذي أصدره رياض سلامة للمصارف مُطالبًا إياها بتطبيق القانون الأميركي. هذا الأمر أثار مواجهات كلامية بين حزب الله ومصرف لبنان تمّ تخطيها من خلال الثغرات الموجودة في القانون الأميركي.

نتنياهو والضغط على حزب الله

إبّان زيارة رئيس وزراء الإسرائيلي إلى الولايات المُتحدة الأميركية في شباط الماضي، قام بنيامين نتنياهو ببحث موضوعين أساسيين مع الرئيس الأميركي ترامب: الأول خطّة لضرب حزب الله وحماس ولجم نفوذ إيران في الشرق الأوسط، والثاني المساعدات الأميركية لإسرائيل. وتعتمد خطّة نتنياهو لضرب حزب الله على عدّة محاور أهمها (شق العقوبات منها):

أولًا – خلق فجوة بين إيران وحزب الله من خلال فرض عقوبات قاسية على إيران في كل مرّة تدعم فيها حزب الله؛

ثانيًا – فرض عقوبات مالية قاسية على حزب الله ومناصريه.

العقوبات الأميركية التي فّرضت في العام ٢٠١٥ أظهرت محدوديتها بالنسبة للأميركيين الذي يعملون على تعديل قانون العقوبات لتوسيع نطاق شموله وضرب البنية المالية التي يتموّل من خلالها حزب الله. وإذا كان توسيع اللائحة – أي إدراج أسماء ومنظمّات إضافية على اللائحة – هو شيء بديهي، إلا أن الجديد في هذه العقوبات هو إستهداف الآلية (الأنشطة) التي يستخدمها الحزب لتمويل نفسه وسدّ الثغرات التي طالت القانون بنسخته الأساسية.

ومما يدعم هذا القول إن توسيع اللائحة لا يحتاج إلى تعديل قانون ويكفي إصداره من قبل الإدارة الأميركية، في حين أن ما يتمّ تحضيره حاليًا في الكونغرس الأميركي هو تعديل لهذا القانون.


الأشخاص والقطاعات التي تشملها العقوبات

المعلومات الصحافية (غير الأكيدة) تُشير إلى أن اللائحة الجديدة ستطال نواب ووزراء وقياديين في حزب الله لكن أيضًا أسماء حلفاء سياسيين للحزب. هذه النقطة الأخيرة لا يُمكن تبريرها إلا عبر إثبات مُعاملات مالية بين هؤلاء الأشخاص وبين حزب الله.


أيضًا من المُتوقّع أن تشمل اللائحة أسماء شركات ومُنظّمات تتعامل مع الحزب لها (بحسب المعلومات الصحفية) وزن إقتصادي على صعيد الإقتصاد اللبناني.


وأدّت العولمة وإرتفاع مستوى التعقيد في الأنشطة الإقتصادية العالمية، إلى زيادة مُستويات التعقيد والغموض في بعض الأنشطة التجارية في ظل قوانين مُختلفة من بلد إلى أخر وفي ظلّ حرية النشاط التجاري العالمي. وهذا الأمر دفع بالإدارة الأميركية إلى زيادة عدد الأنشطة الإقتصادية والإدارية التي تطالها لائحة العقوبات على حزب الله.


وتبقى المخاوف من أن تطال العقوبات بعض البلديات اللبنانية (رؤساء وأعضاء) والتي تتهمها الولايات المُتحدة الأميركية بالعمل لصالح حزب الله. وهذا إن حصل سيكون له تداعيات سلبية على العمل الإداري والمالي داخل الدولة اللبنانية.


وتأتي الجمعيات الخيرية التي ترعى نشطات إجتماعية وصحيّة على رأس المؤسسات التي تستهدفها الولايات المُتحدة الأميركية في ظل التعديلات الجديدة لقانون العقوبات على حزب الله. ومن المُتوقّع أن يرد العديد من أسماء هذه الجمعيات على اللائحة التي ستصدر خلال شهر أيّار.


تقنيًا ماذا تعني هذه العقوبات؟

في النسخة الأولى للعقوبات الأميركية على حزب الله، إستطاع مصرف لبنان وهو الذي يتمتّع بشكل حصري في العالم بحق المقاصة بالدولار الأميركي، من تخفيف وطأة العقوبات عبر إستغلال ثغرة قانونية. وبالتالي قامت المصارف بإقفال كل الحسابات بالعملات الأجنبية العائدة للأسماء الواردة على اللائحة وتمّ السماح لهذه الأسماء بفتح حسابات بالليرة اللبنانية بحكم أن التداول يبقى محليًا ولا تعامل مع الخارج بالليرة.


في النسخة التي يتم التحضير لها حاليًا، تدور المخاوف حول منع المصارف كليًا من فتح حسابات حتى بالليرة اللبنانية لهؤلاء الأشخاص والمؤسسات. وبالتالي سيكون هناك إزدياد ملحوظ بالتعامل بالنقد على حساب الشمول المالي مما يعني أن الإقتصاد الموازي سيزيد حجمه على حساب الإقتصاد الرسمي.


أيضًا سيكون هناك صعوبة على المصارف في تطبيق التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان والتي تحدّ من كمية التعامل بالنقد. أضف إلى ذلك الصعوبة التي ستواجهها وزارة المال في إحتساب الضرائب المُستحقّة على المكلّفين الواردة أسمائهم على اللائحة الأميركية.


على صعيد أخر يأتي تسليط الضوء على بعض النشاطات الإقتصادية التي تعتقد الولايات المُتحدة الأميركية أنها تُستخدم من قبل مناصرين لحزب الله لتمويله، ليزيد التعقيدات على العمليات التجارية التي يقوم بها أشخاص أو مؤسسات ليست على لائحة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، يلاحظ اليوم أن المدّة التي يتطلّبها تحويل مالي من وإلى لبنان زادت بنسبة تصل إلى الشهرين في بعض الأحيان.


كل هذا للقول أن أمام رياض سلامة مُهمّة صعبة للخروج بحلول تقنية تسمح بتفادي التصادم الداخلي.


القطاع المصرفي غير مُستهدف

أظهرت التجربة التي خاضتها المصارف اللبنانية عند صدور اللائحة الأولى أنها إلتزمت بشكل كامل بالقانون الأميركي، ومن المُتوقع أن تلتزم حرفيًا ببنود القانون المُعدّل عند ظهوره. وهذا الأمر يتلائم وهدف العقوبات الأميركية التي تطال بشكل موجّه حزب الله ومناصريه، لذا من الأكيد أن هذه العقوبات لا تستهدف القطاع المصرفي اللبناني.


لكن هذا الأمر لا يعني أن الإدارة الأميركية ستغضّ النظر عن المصارف المُخالفة والتي سيتخلّى عنها حاكم مصرف لبنان حفاظًا على القطاع المصرفي. وستكون ردة فعل الإدارة الأميركية تدريجية من الغرامات بالمرحلة الأولى حتى إدراجها على لائحة الإرهاب في نهاية المطاف.


العقوبات والإستقرار السياسي

من الواضح أن الإنقسام داخل الطبقة السياسية اللبنانية سيدّفع بعض الأفرقاء إلى إستغلال هذه العقوبات للضغط على حزب الله. وقد تكون هذه الممارسة طبيعية في الحياة السياسية، إلا أن معرفة التداعيات التي قد تولّدها ستدفع حكمًا إلى التروّي في إستغلال هذه العقوبات خصوصًا أن الإنقسامات المذهبية والحزبية هي في أوجها مع البحث في القانون الإنتخابي. من هذا المُنطلق، نرى أن على رئيس الجمهورية الإمساك بزمام الأمر خوفًا على الإستقرار السياسي في لبنان وخوفًا من أن تتطوّر الأمور إلى مستويات بعيدة.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم