الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

لماذا يَمنح الربّ الجَمال والودّ للمغفّلين والبائسين؟

المصدر: "النهار"
رلى راشد
لماذا يَمنح الربّ الجَمال والودّ للمغفّلين والبائسين؟
لماذا يَمنح الربّ الجَمال والودّ للمغفّلين والبائسين؟
A+ A-

كتب إنريكي فيلا ماتاس مرّة "لا يمكن أن نفهم لماذا يَمنح الربّ الجمال والودّ والعينين الكئيبتين واللطيفتين لأشخاص مغفّلين وبائسين أو غير مفيدين، ولماذا يتمتّع هؤلاء بهذا القدر من الجاذبية".
الجملة المازجة بين الملاحظة والتهكّم والذهول ملائمة لشخص استطاع أن يتقمّص هيئة جنائزّي الحقبات المخيّبة للآمال والسُلطات المُحبطة والآلهة المُنهكمة بتدبير أمورها الذاتية، على حساب أمور الآخرين.
وإذا كان أحدنا يسأل عن يومه أو يغامر في تذكّر الأمس، فإن الكاتب الذي يقطن بدواخل الإسباني إنريكي فيلا ماتاس لم يسعه سوى الإستسلام إلى إغراء الحوم في دائرة المستقبل ليسأل ويصيخ السمع لعلّه يحصل على جواب.
والحال أن هناك ما يَجتذب المؤلّف المسموع وابن برشلونة الكوزموبوليتيّة وسليل المَكتبات الموسوعيّة فيلا ماتاس إلى الإستفهام عن أحوال النصوص والمُشتَغلين فيها فيسمح مثلاً في عنوانه "لا تَدعونا كاسيل للمنطق" باستخلاص بعض الكلام من نسق "كلما زاد منسوب الريادة عند الكاتب، قلّ إمكان أن يصنّف على هذا النحو. لكن من يهتمّ لذلك فعلا؟".


أجل. من يسعه أن يهتّم للتصنيفات في عالمنا الراهن الذي بات يحتاج إلى من يضبط دفّته؟ ومن سيتأكد من صوابيّة أن يعدّ أحد الكتّاب صاحب أحقيّة على سواه، في زمن بات يجافي الكلمة وحيث جَفّت جميع روافدها ومنابعها؟
لكن هذا الواقع المرّ لا يرخي بظلاله على رصيد فيلا ماتاس تماماً، إلى حدّ يجعله يعتصم في الصمت ويعكتف بالهدوء. لا يزال الكاتب المتلوّن الذي يتجاسر على التجريب ويعدّ في منجزه عناوين من قبيل "مرض مونتانو" يتمسّك بإلحاحه، ولا يزال يرى الأدب في كل فواصل حياته كما في صداقاته.
ها إنه مثلاً يستخرج من لقاءات عدّة جمعته بالفرنسيّة دومينيك غونزاليث فويرستر، في مقهى بونابرت الباريسي، كتاباً بهوية "ماريانباند الكهربائي"، في إلماح إلى "العام المنصرم في ماريانباند" الفيلم الفرنسي المُنتسب إلى ستينات القرن المنصرم وأخرجه آلان رينيه مُستندا إلى سيناريو أنجزه آلان روب غرييه.


تُوزّع غونزاليث فويرستر رؤيتها الفنيّة بين عروض الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والتجهيز، وتبيّن في الكتاب، قدرة على تحفيز فيلا ماتاس على طرح ثيمات متشعبة. يُغلق الكتاب الصادر للتو بالقشتالية لدى "سايكس بارال" بين دفّتيه على هذا النحو على فصول بعناوين- مفاتيح على نسق "رامبو المغامر" "انه لأمر نادر" و"أصوات اللامرئي" و"فن الحوار" و"الحكمة المختلّة" و"استعادة" وسواها. وإذ يتحدّث فيلا ماتاس عن إصداره فعلى نحو لعوب ليعاينه رواية غريبة يسعها أن تصير تجهيزاً أو بحثا أو قصيدة أو "رواية فريدة خارجة على جميع الأنواع".


يشير فيلا ماتاس في الفصل الأول إلى اللقاءات "البونابرتية" (نسبة إلى مقهى بونابرت) المهمّة وإلى الرسائل الإلكترونية التي توازيها أهمية وتصير امتدادا لفظيّا لمواعيد العاصمة الفرنسيّة. يسمح له هذا التواصل وعلى اختلاف أشكاله، بأن يُكمل مع "د. ج. ف" (مثلما يسمّي دومينيك غونزاليث فويرستر اختصاراً وتحببّا في آن) "حوارنا في شأن "حال الأمور" في جمهورية الفنّ التي تخصّنا".
والحال ان الجمهورية الفسيحة تتسع لرامبو في الفيليبين وواتسون وبيبو فالديس ومارغريت دوراس. هؤلاء يعنّون على بال الكاتب على نحو عفوي وكأنهم خلاّنه، فيتبادل الكاتب والفنانة شغف الإكتشاف أو يتشاطران الأفكار حول رسالة بعث بها رامبو إلى والدته من الحبشة أو يوليان الإهتمام لتلك الجملة الأثيرة التي لازمت الشاعر، كطبيعة ثانية: "أنا هو آخر".
تسأل "د. ج. ف" فيلا ماتاس "هل أنتَ آخر؟" فتفتح النقاش على مصرعيه، ثم يجيء فيض من كلام سيجد بعض معناه عند رامبو نفسه حين يذكر في "إشراقات" "في حوزتي فحسب مفتاح هذا الإستعراض العشوائي".


يؤكّد فيلا ماتاس مجدداً في عنوانه الأحدث ان حياة الكتّاب الشخصية استعراض غير متّسق يلامس العشوائيّة. يُعلن ذلك وهو ينظر ممتناً إلى حياته حيث دُعي كثيرٌ من المؤلّفين الموتى.
جاؤوه وتسامروا وتعالت ضحكاتهم، من دون أن يتنبّه أحد إلى وجودهم.


[email protected]
Twitter: @Roula_Rached77

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم