الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

للمجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور

المصدر: "النهار"
عصام نعمة إسماعيل-حقوقي
للمجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور
للمجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور
A+ A-

تضمنت وثيقة الوفاق الوطني اللبناني نصاً يقضي بمنح المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور، حيث جاء النص كالآتي: ينشأ مجلس دستوري لتفسير الدستور وكانت الغاية من إنشاء هذا المجلس وفق المقاصد الواردة في هذه الوثيقة محدّدة صراحة بضمان انطباق عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية مع مسلّمات العيش المشترك.


إذًا للمجلس الدستوري هدف يسعى لتحقيقه وهو الحفاظ على مسلّمات العيش المشترك، وإذا راجعنا الأزمات التي مرّت على لبنان نجد أن معظمها تتصل بمواضيع ذات صلةٍ بالدستور وتحديداً بتفسيره، وبدأنا نكتشف من خلال أزماتنا السياسية وجود مشكلة حقيقية كبيرة وأزمة حكمٍ تستدعي البحث عن مرجعية حكماء نلجأ إليها لحسم الخلافات، وإلا فإن الأزمات السياسية ستتفاقم. فأين هو المجلس الدستوري من هذه الأزمات التي تهدّد مسلّمات العيش المشترك، ثمّ أليس من مهمته وفق وثيقة الوفاق الوطني البتّ بهذه النزاعات؟



بالعودة إلى العام 1990 يوم تقرّر تعديل الدستور اللبناني تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني كان مشروع القانون الدستوري الذي وضعته الحكومة آنذاك متضمّناً نصّاً حرفياً يمنح المجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور، كما أن اللجان المشتركة وافقت بموجب تقريرها على المشروع الوارد من الحكومة. ولكن لما اجتمعت الهيئة العامة لمجلس النواب اعترض البعض على منح المجلس الدستوري لصلاحية تفسير الدستور. وكانت الحجج المدلى بها مرتكزة على أن الصلاحية في تفسير الدستور هي لمجلس النواب حصراً، وليس من المألوف منح هذه الصلاحية للمجلس الدستوري، لكنّ هذه الحجة عدا عن كونها تخالف غاية إنشاء المجلس الدستوري وتشلّ قدرته في الحفاظ على مسلّمات العيش المشترك، فإنها حجج غير صحيحة، إذ إن العديد من الدول قد منحت للمحكمة او للمجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور.


برأيي أن للمجلس الدستوري صلاحية تفسير الدستور، ولا يحتاج لممارسة هذه الصلاحية لإقرار أي قانونٍ أو تعديلٍ دستوريٍ جديد وذلك للأسباب الآتية:



السبب الأول: إن القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 لم يلغِ النص الوارد في وثيقة الوفاق الوطني، حيث تضمّن هذا القانون في عنوانه: القانون الدستوري الرامي إلى إجراء تعديلات على الدستور تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني، وفي مادته الثانية: أُلغيت كل الاحكام الاشتراعية المخالفة لهذا القانون الدستوري. ويبدو واضحاً من السياق المذكور، أن القانون الدستوري المشار إليه لم يلغِ المواد الواردة في وثيقة الوفاق الوطني التي لم يدرجها في متن الدستور، كما لم يلغِ ضمناً النص المتصل بتفسير الدستور لأنه لا يخالف أيّ نصٍ واردٍ في القانون الدستوري المذكور، إذ إنّ ميدان رقابة دستورية القوانين هو مختلف عن ميدان تفسير الدستور، والصلاحية الأولى لا تتضمّن ولا تحجب الثانية. وان النواب المجتمعين لتعديل الدستور في العام 1990 ناقشوا بند تفسير الدستور، ولم يعمدوا إلى إقرار نصٍ صريحٍ يمنع المجلس الدستوري من تفسير الدستور، او يلغي البند المتعلق بهذه الصلاحية الوارد في وثيقة الوفاق الوطني.



السبب الثاني: عمد مجلس النواب إلى توسعة صلاحية المجلس الدستوري بموجب قانون عادي، خلافاً لما حدّدته المادة 19 من الدستور التي نصّت على أن يتولّى مراقبة دستورية القوانين، لكن المادة 18 من قانون إنشاء المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 14/7/1993 قد أضافت إلى صلاحياته الرقابة على سائر النصوص التي لها قوة القانون.
لم يرد في اجتهاد المجلس الدستوري تحديد للنصوص التي لها قوة القانون، ولكن من المتعارف عليه أن أبرز النصوص التي لها قوة القانون هي المعاهدات الدولية والتي يصدر فئات منها بموجب مراسيم، مشاريع القوانين المنفذة بمراسيم، والمراسيم الاشتراعية. إذًا فإن مجلس النواب بموجب قانون عادي قد أضاف إلى صلاحية المجلس الدستوري المقررة في الدستور صلاحية الرقابة على دستورية مراسيم لها قوة القانون وصادرة عن مجلس الوزراء. فكيف يكون مقبولاً توسعة صلاحية المجلس الدستوري، ثمّ لا يكون مسموحاً تطبيق النص الأساسي الذي أقرّ إنشاء المجلس الدستوري -نعني به وثيقة الوفاق الوطني - ونمتنع عن تطبيق البند الذي أقرّت به صلاحية هذا المجلس بتفسير الدستور!


السبب الثالث: إن كافة بنود وثيقة الوفاق الوطني لها قوة النص الدستوري، ونستند في تأكيد القوة الدستورية أو على الأقل القانونية لهذه الوثيقة إلى الحجج الآتية:
1- إن عنوان القانون الدستوري رقم 18 تاريخ 21/9/1990 "أنه يرمي إلى اجراء تعديلات على الدستور تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني". وهذا يعني ان الدستور قد عدّل تنفيذًا لوثيقة الوفاق الوطني، وهذا يدلّ على ان الدستور قد عدّل وفقًا لقانون مساوٍ له في سلم البناء القانوني الذي تتألف منه القواعد القانونية في لبنان.
2- إن قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 353 تاريخ 28/7/1994 قد أوجب على المؤسسات الإعلامية الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني ومقتضيات العيش المشترك والوحدة الوطنية. إن إدراج هذه الوثيقة في متن القانون يكون قد حصّنها من الإلغاء ومنحها قوة هذا القانون على أقل، وإن كنّا نرى أن هذا القانون يتحدث عن مبادئ عليا يتعذّر القول بأن لها قوة أقل من قوة النص الدستوري.
3- إن القانون رقم 57 تاريخ 29/5/1991 المتعلق بالإجازة للحكومة إبرام معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا، قد نصَّ أن هذه المعاهدة قد أبرمت... تحقيقاً للميثاق الوطني اللبناني. وإن إقرار اتفاقية تنفيذاً لوثيقة الوفاق الوطني يحصّن هذه الوثيقة من الإلغاء، ويرفع بنودها إلى مرتبة المعاهدة على الأقل أو تسمو على هذه المعاهدة أي يكون لها قوة النص الدستوري.


ونخلص للقول بأن وثيقة الوفاق الوطني لها قيمة دستورية، بل وُصِفت وبحقّ، انها "من حيث الجوهر نص تأسيسي سوبر – دستوري، فهي عقد حياة بين اللبنانيين برضى ومباركة دولية، ولا ينتقص من قيمتها أنها تسوية مرحلية وليست حلاً نهائياً للمسألة اللبنانية". وأن صلاحية المجلس الدستوري لم تعد مقتصرة على الصلاحية الواردة في المادة 19 من الدستور بل أضيفت إليها صلاحية الرقابة على النصوص التي لها قوة القانون، وبتوسعة صلاحية المجلس الدستوري بموجب قانون عادي يكون من بابٍ أولى أن نعمد إلى تطبيق النص الموجود المتعلق بصلاحية تفسير الدستور بخاصةٍ وأن هذا البند الوارد في وثيقة الوفاق الوطني لا زال مرعي الإجراء ولم يلغَ صراحة ولا ضمناً.
وإن بيان صحّة هذه الفرضية متوقّف على خطوة واجبة تتمثل بتقديم الجهة ذات الصفة مراجعة أمام المجلس الدستوري طالبةً بموجبها تفسير نصٍ دستوري.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم