الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فضيحة العمل الذي وجدته رجاء في بيروت... "لا تثقوا بالمكالمات الهاتفية"

مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
فضيحة العمل الذي وجدته رجاء في بيروت... "لا تثقوا بالمكالمات الهاتفية"
فضيحة العمل الذي وجدته رجاء في بيروت... "لا تثقوا بالمكالمات الهاتفية"
A+ A-

حين يرمي الحاجب صفحات الجرائد المبوبة امام باب الشقّة، تبدأ المهمة. يتنازع اهل البيت على من يقرأها اولاً ليس حباً في المطالعة، بل رغبةً في منفعة ما تصل بهم، قبل سواهم، الى برّ الامان. قد يكونوا جميعاً من ارباب البطالة المتعدّدة الاوجه. لا فرق لديهم اذا كانت معلومات صفحات المبوب واقعيةً ام ساذجة. المهم ان الامل بالحصول على الوظيفة موجود، حتى ولو كان احساساً مصطنعاً يتبنّاه كل من احتاج ابتكار لوحة غدٍ استطرادها جميل. لكن النتيجة غالباً ما تكون مخيّبةً للتوقّعات. الا ان آخر ابداعات الحريصين على توفير الفرص المهنيّة للمواطنين، كانوا اولئك الذين يوفّرون على الموظّف عناء المواصلات والدوام فيصرّحون بالعنوان العريض: ستعمل من البيت". لكن الحقيقة اقرب الى التملّق. فما هي حقيقة ابرز عروض العمل التي تتكرّر اسبوعياً تحت شعار "مطلوب موظّفين وموظّفات للعمل من المنزل"؟


800 دولار عداً ونقداً
تتكرّر التجربة اسبوعياً، حين يتربّع اعلان طلب الموظّفين نفسه في وسط صفحات جرائد العروض المبوّبة. العنوان مغرٍ حين يقولون ان الوظيفة منزلية. آلاف الاتصالات يتلقاها مكتب الشركات المماثلة يومياً والتي تزاحم بعضها بعضاً في اصطياد ضحايا جديدة. رجاء كانت احداهن حين قرّرت الاتصال على احد الارقام كي تحصل على فرصةٍ ما، تدخلها معترك العمل. تقول: "اجابتني عاملة الهاتف، وحين سألتها عن طبيعة العمل، أوحت لي انه مختصٌ بوسائل التواصل الاجتماعي لكنها لم تصارحني فعلاً بالمضمون، ونصحتني بأخذ موعدٍ لمقابلة احد المسؤولين. بادرت بالموافقة خصوصاً حين علمت ان الراتب الشهري قد يتخطى الـ800 دولار كخطوة اولى".
حين وصلت الى مقرّ الشركة من الشمال الى بيروت كان لا بدّ لها ان تستعين بنقلٍ خاص "تاكسي" لأنها كانت تجهل المنطقة وشوارعها. تضيف: "انتظرت خارجاً بعد ان رحّبت بي موظّفة الاستقبال، وذهلت بالكم الهائل من المنتظرين للحصول على الوظيفة نفسها. كانوا يدخلون متحمّسين ويخرجون مذهولين".


"بيعي عالمجلّة" ؟
تسرد رجاء انه حين وصل دورها لمقابلة المسؤولة، استقبلتها الأخيرة بابتسامة عريضة وارتاحت لوجودها، الا بعد ان بادرتها بالحقيقة. تصرّح: "وضعت امامي مجلّة وصارحتني ان العمل عبارة عن مندوبة مبيعات ابيع خلالها الاغراض من خلال الصور حيث الجأ الى الجيران والاقارب او انشر صورة (المجرود) ومبرد الاظافر على صفحتي على فايسبوك ليبادر احدهم بطلب شرائه مني". وحول ما اذا كان تقاضي الراتب صحيحاً اجابت: "لا يوجد راتب مطلقاً، بل انني سأبيع الاغراض على المجلة لأسبوعين دون تقاضي اي مقابل، ومن ثم يقرّرون اذا كانوا سيتعاملون معي كمندوبة دائمة حيث لا راتب ايضاً، سوى نسبة صغيرة من سعر بيع القطعة التي لا يتجاوز سعر اهمها عن الـ 30 الف ليرة لبنانية. والمثير للسخط انه في حال زادت نسبة مبيعاتي ستقلّ نسبة ارباحي، وعلي ان احصي الاغراض المطلوبة والاخرى الغير مرغوبة في استمارة خاصة واقدمها لهم، كما يتوجّب علي نقل البضائع التي ابيعها على المجلّة على نفقتي الخاصة".


تأمين 10000 ليرة
لم تنتهي تفاصيل قصّة فرصة العمل المنزلية عند هذا الحدّ، بل كان لفصولها مفترقٌ مخجل يصح فيه شعار "يللي استحوا ماتوا". فتلفت رجاء الى ان "المسؤولة نصحتني بالتجربة فقد تكون النتائج ايجابية. أخذت المجلة لأنني لم ارد ان اعبّر عن سخطي بطريقةٍ مستفزّة. دوّنت اسمي وهممت بالخروج، فبادرتني بالتصريح عن ضرورة دفع مبلغ 10000 ليرة لبنانية كتأمين على عودة الكتيّب الصغير اليها في حال تغيّبت عن الحضور الاسبوع القادم ولم يحالفني الحظ في البيع".
وتقول ان "المسؤولة اطلعتني على جميع المستندات التي وقّع عليها طالبي العمل لديها، فجميعهم لم يتأخروا في دفع المبلغ الصغير الذي يعتبر اجراءً روتينياً". وحول ما اذا كانت قد دفعت المبلغ المطلوب اجابت: "المسؤولةمحنّكة، ولو لم يكن كذلك لما حصدت كل هذه التواقيع من المواطنين. شعرت بالخجل حين قالت ان منهم من يجد هذا الملغ كبيراً فيرفض الدفع. اعطيتها المبلغ، لكنني ندمت ومزّقت الكتيب، والجدير ذكره انها لم تتصل بي كما وعدتني لاستطلاع النسبة التي بعتها".


الربح الالكتروني
ابعاد هذه الاعمال الاقتصادية والاجتماعية يلخّصها الخبير الاقتصادي، الدكتور جاسم عجاقة: "هناك اربعة مضامين تدخل في موضوع الاعمال الالكترونية في لبنان. اوّلها الشق الاقتصادي الاجتماعي المعقّد واضمحلال الطبقة الوسطى في لبنان ما يدفع الشبان الى اللجوء الى الجرائد المبوبة وقراءتها، خصوصاً ان لا احد يهتم بمطالعة الصحف المجانية سوى عناصر الطبقة الوسطى الدنيا وما دونها. المستوى الثقافي يدخل الحلبة، حيث تختصر وجهة استخدام الفيسبوك في لبنان بنشر اللحظات الجميلة والآراء السياسية. دخول مبدأ تسويق المنتجات عبر الحسابات الخاصة كسر مفهومها في لبنان". وحول الاستراتيجية الماكرة التي تتبعها الشركات يشدّد على ان "لا احد منها يرغب في التوظيف بل انهم يستخدمون هذه الطرق الملتوية لتفعيل مواقعهم الالكترونية ما يكسبهم زيادة كبيرة في عدد المتصفحين التي يستفيدون منها مادياً. وهم قد يسرقون وحدات الهاتف المحمول في حال الاتصال على الارقام المدوّنة وهذا ما يسمى بعملية الغش المحترفة". وعن عدم صدقية الوظيفة يشرح ان "الهدف هو التقاط الزبائن ومن ثم استخدام طريقة لدحرهم. لا وجود للوظيفة، بل انهم يميلون الى صدّ من يقتنع بالوظيفة عبر اكسابه انه سيعمل دون اي مقابل".


المكتب الوطني للتوظيف
يشير الدكتور عجاقة الى انه "يستحيل على احدٍ ان يقنع المواطن الفقير بضرورة عدم الوقوع في فخّ الاعلانات المبوبة لأنه يحتاج الى امل. المشكلة انتجتها الحكومات المتعاقبة التي لم تهتم بالشق الاجتماعي في ظل غياب الانماء المتوازن. 99% بالمئة من الطبقة الفقيرة تنتمي الى مناطق نائية ولا تتمتع بالوعي الكافي لعدم الوقوع في هذه المفترقات". وعن امكانية ايجاد حلول لهذه المشكلة يحيل المسألة الى "المكتب الوطني للتوظيف وضرورة تنظيمه بشكلٍ اكبر وفعّال. كما يتوجّب على الدولة ملاحقة المعلومات والاخبار الكاذبة من خلال وحدات تحقيق خاصة. اضافةً الى مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية المتوجّب عليها كخطوة اولى اجراء دراسة ىمفصّلة حول تركيبة المجتمع اللبناني".


الامثولة الى تكرار
الاتصال بالشركات المماثلة ينتج واقعاً مشابهاً لتجربة رجاء. جميع الاجوبة تتلاقى في مضمارٍ واحد: "العمل من المنزل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والراتب الشهري ابتداءاً من 800 دولار شهرياً كخطوة اولى". السؤال عن تفاصيل الوظيفة يحرج عاملة الهاتف فتبادر لتقول: "بدك موعد بكرا؟ الاسبوع الجايي طيّب؟". الاصرار على معرفة المضامين الخفيّة مستحيل. اكثر ما يتم الحصول عليه معلومات مقتضبة عن ان العمل يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. اطلاق العنان للمخيّلة يثير الضحك: "تعالوا ننشر صورة مبرد الاظافر او شرشف الطاولة او مريول المطبخ على صفحتنا الخاصة على فيسبوك!".الملفت ان استطلاع جرائد العروضات المبوّبة الاسبوعية تظهر فارقاً في عناوين العرض الوظيفي. ارقام الهاتف نفسها تتكرّر وفق عناوين مختلفة مضمونها المشترك العمل من المنزل.


تشريع عمل المكاتب الخاصّة
يلفت مدير عام المؤسّسة الوطنية للاستخدام، الاستاذ جان ابو فاضل الى ان "هذه المكاتب عبارة عن مؤسّسات توظيف خاصة تعمل بصفة غير قانونيّة في ظلّ انعدام امكانيّة مراقبة أعمالها. تبلور الحلّ من خلال مشروع جاهز للتطبيق أعدّته المؤسّسة الوطنيّة للاستخدام، يكمن في وضع هذه المكاتب الخاصة تحت كنف المؤسّسة من خلال تشريع وضعها". ويؤكّد ان "المشروع يحتاج الى المصادقة من قبل وزارة العمل كخطوة اولى، ومن ثم انعقاد مجلس الوزراء وإقرار المراسيم الخاصّة به". ويضيف: "مسؤوليّة المواطن في هذا الاطار تكمن في تقديم شكاوى حول اي حالة مخادعة تطاله، وعدم الوقوع في فخّ عروض العمل الكاذبة من خلال استفسارٍ دقيق ومنطقي حول جميع التفاصيل التي تخصّ الوظيفة".


 


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم