الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

في أحد الشعانين: طرابلس للجميع

المصدر: طرابلس - "النهار"
رولا حميد
في أحد الشعانين: طرابلس للجميع
في أحد الشعانين: طرابلس للجميع
A+ A-

اليوم الأحد، حلت شعانين الطوائف المتبعة للتقويم الغربي، فترأس قداس الشعانين راعي أبرشية طرابلس المارونية جورج أبو جودة في كاتدرائية مارمارون التي أعطت للشارع الذي تقوم فيه اسمها. كانت الكنيسة الطرابلسية تعج بالمؤمنين، فلم يبق مقعد فارغ، كأنها رسالة إلى العالم أن طرابلس والطرابلسيين مصرون على الحياة المشتركة، وليس من إشكالية تعكر صفو مدينتهم متى حل السلام، وزالت الحرب.


إثر انتهاء القداس، تقدم أبو جودة رعيته، وجاب شارع مار مارون، ومنه إلى شارع عزمي، فالبولفار، فطريق الميناء، وعاد بعد الزياح إلى الكنيسة. تقليد مسيحي طرابلسي بامتياز لا يعرف إلى أي زمن يعود، فمنذ زمن غير محدد، تحل الشعانين في طرابلس، إن لدى الطوائف المتبعة للتقويم الغربي كالموارنة والكاثوليك، أم تلك المتبعة للتقويم الشرقي كالروم الأرثوذكس والسريان، فيقومون بزياحاتهم، أحيانا داخل كنائسهم الكثيرة المنتشرة في أحياء المدينة، قديمها وجديدها، أم في الشوارع المحيطة بها.


يهيء الناس الزهور التي باتت وفيرة مطلع الربيع، يجمعونها من البساتين قرب أحيائهم، وباتت قليلة اليوم بسبب الزحف العمراني، ويزينون بها الشموع التي يفترض تقليدا أن تكون على طول حاملها من الأطفال والأولاد. يحمل المؤمنون السعف، أو طرابين الزيتون المنتشرة بكثرة في مدينتهم، يجوبون بها الكنيسة ودارها، ويخرجون إلى الشوارع المحيطة، وهم يتلون تراتيلهم التقليدية المستلهمة لتعاليم الانجيل، وقصصه.


تاريخ
يفيد النائب العام على أبرشية طرابلس المونسنيور بطرس جبور الذي يقيم في الأبرشية منذ ١٥ سنة، أن راعي الطائفة كان يقيم في مقر البطريركية إن في بكركي أم الديمان، أما أبناء الرعية، فكان عليهم أن يقصدوه عند الحاجة في مقر إقامته.


ويستعرض جبور بقية رعاة الأبرشية من مطارنة وهم بعد كساب، المطران اسطفان عواد من عام ١٨٧٨ حتى ١٩٠٨، المطران أنطون عريضة بين أعوام ١٩٠٨ و١٩٣٢، ويعرف عنه الدور الكبير الذي لعبه في تأسيس الكيان اللبناني، ثم المطران أنطون عبد بين ١٩٣٣ و١٩٧٥، لقبه العامة، خصوصا الطرابلسيون، بالمطران محمد العبد نظرا لحبه للمدينة بكافة فئاتها دون تمييز.


تعددت البلدات التي تحدر المطارنة منها، كساب من جزين الجنوبية، وعواد من حصرون، وعريضة وعبد من بشري، وجبير ولد في البرازيل وجاء منها إلى الأبرشية، وطوبيا من داربعشتار - الكورة، والحاج من زحلة، وأبو جودة من جورة البلوط في المتن، ودهمان من كرمسدة في زغرتا.


جولة على مسقط رأس المطارنة تؤكد أن كل المناطق اللبنانية خدمت في طرابلس ممثلة براعيها، تأكيدا على الإخاء الذي اعتاد اللبنانيون عليه، وعلى استمرارية العيش المشترك مهما تغيرت الظروف، وقست.


جبور لفت إلى ان "عدد المسيحيين تراجع في طرابلس منذ احداث أوائل الثمانينات عندما دخلت الى المدينة عناصر غريبة طارئة على خصالها وأخلاقها، وارتكب بعض منهم ابشع الجرائم، حتى المسلمون كانت لهم حصة من إساءاتهم، فغادر المدينة كثير من المسيحيين، ولم يعد منهم إلا القلائل".


وذكر جبور أنه "في فترة سنة 1975 كان هناك أكثر في 400 عائلة زغرتاوية في طرابلس، عدا عن العائلات من مناطق أخرى، وقبل ذلك كان كل مسيحي لديه مال، إن من طرابلس أم من خارجها، يستثمر امواله في طرابلس، وكثيرون من تجار باب التبانة كانوا من المسيحيين يوم كانت تعرف المحلة بسوق الذهب".


وأكد جبور أنه "بعد هذه الفترة، وفي ال 20 جولة من العنف في طرابلس، عاش الطرابلسيون، مسيحيين ومسلمين نفس المصير، ونفس الخوف، ولم يعتد احد على المسيحيين، ولا على كنائسهم ودور عبادتهم، بل كان الجميع يدا واحدة وفي نفس المركب".
وانتهى جبور بتأكيده أن "طرابلس للمسيحيين والمسلمين، واخواننا في طرابلس ليس لديهم النية ان يغدروا بنا، لهذا ادعو من ترك طرابلس الى ان يعود لان طرابلس تحتضن الكل، وهي ليست مدينة متطرفة، بل هي منفتحة على الجميع. واهالي طرابلس يحبوننا، ونحن نحبهم. لا ننسى ان اهالي طرابلس والميناء يقضون فصل الصيف في منطقة الحدث، وحصرون، وبشري، واهدن، ونحن في الشتاء نعيش هنا معا، ونتقاسم السراء والضراء في هذه المدينة العزيزة على قلوبنا جميعا، وعندما يكون هناك خطر يكون عليهم وعلينا، وعندما يكون هناك هناء وراحة يعم عليهم وعلينا، وليس هناك دافع لنخاف، والاغلبية من المسلمين تشاركنا اعيادنا وافراحنا".


رحيم


عضو "هيئة العلماء المسلمين " ومدير العلاقات العامة في إذاعة "طريق الإرتقاء" الشيخ نبيل رحيم، قال ان "الواقع المسيحي مثل الواقع الاسلامي، فالضيقة الاقتصادية، وعدم التنمية في طرابلس، يؤثران على الجميع، وهذا يؤدي الى حصول هجرة، والعدد الذي ترك طرابلس وهاجر كبير، لذا عدد المسلمين في طرابلس اكثر".


وأضاف: "في الدرجة الاولى ، تعود الهجرة الى المشاكل الاقتصادية، وعدم وجود فرص عمل، والبطالة المنتشرة بكثافة، اضافة الى الخوف من ان يؤدي اي صراع في لبنان الى صراع عسكري. والمسيحيون موجودون في طرابلس، ولا احد يتعرض لهم، او يزعجهم، وهناك علاقات جيدة بينهم وبين باقي شرائح المدينة".


ورأى أنه "قبل البدء بالخطة الامنية، كان الوضع شاذا، ان كان على صعيد معارك التبانة والجبل، او الاشكالات الامنية التي تحصل وتتنقل في بعض المناطق، بالاضافة الى ظاهرة تفشي السلاح بشكل علني، فلا شك ان هذا الوضع تسبب بالخوف ليس فقط للمسيحيين بل لكل اهالي طرابلس، ولكن مع بداية الخطة الامنية، وضبط الوضع امنيا، أزيلت هذه المخاوف، حتى ان التضخيم من قبل البعض بالقول ان طرابلس حاضنة شعبية لحركات متشددة تريد ان تقتل وتذبح غير صحيح، وقد اثبتت طرابلس انها حاضنة للسلام والانفتاح ولأحسن العلاقات بين ابنائها".


وختم داعيا من ترك طرابلس العودة اليها، " لكي نكون يدا واحدة للنهوض بالمدينة، لان طرابلس للجميع"، متمنيا ان "يبقى الاعلام رسالة للتقريب بين الناس، ولزرع القواسم المشتركة بينهم، بدل التحريض الذي تمارسه بعض وسائل الاعلام، والذي يصوّر طرابلس انها مدينة تخوّف الآخرين، فيمتنع كثيرون عن زيارتها

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم