الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كورونا... بين المنهج العلمي والمتغيرات المحتملة

المصدر: "النهار"
خالد الربيع- أستاذ جامعي
كورونا... بين المنهج العلمي والمتغيرات المحتملة
كورونا... بين المنهج العلمي والمتغيرات المحتملة
A+ A-

متنوعة هي موضوعات الأدب، ولأنها كذلك فهي لا تخلو مما لا نحب، وكثيراً ما خرجت القصائد والقصص والروايات من رحم المعاناة الإنسانية، ومنذ عهد جوفاني بوكاتشو في العصور الوسطى، اهتم الكتّاب في جميع الأزمنة والعصور والأماكن بكيفية تفاعل الناس مع الأزمات المختلفة. كثيرة هي تلك الروايات التي كان الوباء فيها محوراً أساسياً لأحداثها ومجالاً واسعاً لسرد الحبكة الروائية فحن نجد بعض الكتّاب استمدوا من تلك الأحداث لإثراء خيالهم حتى لو أنه غير موجود، فاختلقوا وباءً خيالياً أقاموا عليه منصة إبداعية قدموا من خلالها رؤاهم النقدية والفلسفية للقارئ.

وإذا تأملنا ما يحدث من حولنا في هذا العالم الصغير بعد جائحة "كورونا" نتذكر حينها الرواية العالمية الحاصلة على جائزة نوبل للروائي كامو "الطاعون" الصادرة عام 1947 والتي تدور أحداثها في مدينة وهران الجزائرية حيث اجتاح الطاعون المدينة وأعلنت حالة الحصار وانعزلت المدينة عن العالم. فقد كان ثمة مئات الموتى كل يوم من جميع فئات المجتمع، فالوباء يعم الجميع.

في كل منعطف حاد للبشرية تتأسس مقولات جديدة تظهر جماليات وسرديات جديدة، وتتأسس بلاد وتُمحى بلاد وجغرافيات وتختفي لغات وتنكمش ديانات وتتوسع أخرى. وحالياً، وفي عصرنا الحالي ظهر وباء "كورونا" الذي يعد منعطفاً خطيراً في وجود الإنسانية وهذا ليس من نسج الخيال وإنما هو واقع نعيشه في كل يوم؛ فقد قطع الشرق بالغرب وتحول ضجيج المدن الكبرى إلى حالة سكون.

لكن على المؤمنين بنظرية المؤامرة "مرض الشك التآمري – البارانويا" وإن كانت الأحداث الحالية قد وردت قبل عشرات السنين في قصص وروايات وأفلام قد تكون قريبة مما يحدث في هذه الأيام، أن يدركوا أن علم الأحياء (بيولوجي) أو الفيروسات علم قديم من آلاف السنين. وما يعرفه الإنسان عن هذه الكائنات محدود للغاية بالنسبة إلى طريقة انتقال هذه الفيروسات وانتشارها وطريقة مهاجمتها للشّعب الهوائية، وحتى يومنا هذا. وتوجد هناك سبع سلالات من فيروسات كورونا البشرية، آخرها ما يسمى "كوفيد -19".

لكن السؤال الأهم، ما هي تلك الدول القادرة على الصمود وتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر وما تأثير ذلك على مستقبل الاقتصاد العالمي؟

بالتأكيد من يحدد أو يعزز معركة الصمود وتجاوز الصعوبات هي تلك الدول التي تمتلك اقتصاداً قوياً "اقتصاداً معرفياً" والمؤمنة "بالبحث العلمي" والقادرة على تأمين احتياجاتها ضمن مفهوم "الأمن الغذائي".

فحسب تقديرات أكثر من جهة بينها صندوق النقد الدولي، أنه لن يستمر الاقتصاد العالمي بدعائمه الحالية القائمة على حرية نسبية للتجارة "العولمة الاقتصادية" وعلى الهيمنة الأميركية والأوروبية التي قسمت العالم إلى قسمين، أحدهما غني مُتخم والآخر فقير شبه مُعدم. فقد ينكمش النمو العالمي بنسبة 2.8 % في عام 2020 مقارنة بانخفاض بلغ % 1.7 2009 في ظل أن أغلب مؤشرات الأسهم العالمية متراجعة بأكثر من 20%. فقد بلغت خسائر الاقتصاد العالمي إلى الآن 160 مليار دولار، نتيجة لذلك سوف تلجأ جميع الدول إلى مزيد من الانكفاء على نفسها.

لقد كانت كل التوقعات تشير إلى أن عام 2020 سوف يكون مشابهاً لعام 2008 في أزمة "الرهن العقاري" وأن نسبة النمو لأغلب البلدان لا يتجاوز 2% لكن مع جائحة كورونا فقد يكون هذا العام شبيهاً بعام الكساد في ثلاثينيات القرن الماضي 1929 عندما انهار سوق الأسهم الأميركي، وقد سمي ذلك بيوم "الثلثاء الأسود" وكان له تأثير مدمر على الدول الفقيرة والغنية وانخفضت التجارة العالمية إلى النصف مع انخفاض متوسط دخل الفرد وعائدات الضرائب وقد يكون ذلك واقعياً نظراً لحجم الديون العالية للأفراد والبنوك والشركات، إذا ما علمنا أن البنوك المركزية لم تتعافَ من أزمة 2008. فالصين والولايات المتحدة الأميركية اللتان تستحوذان معاً على ما يزيد على 40% من الاقتصاد العالمي سوف تتأثران بأزمة "كورونا" إذا استمرت بالإضافة إلى الأسواق الناشئة، إذ ربما يفقد أكثر من 250 مليون شخص وظائفهم خلال هذه الأزمة. وينخفض الناتج المحلي الاجمالي العالمي بنحو 0,1 -0,2 % في 2020.

قد تكون هذه الأزمة اختباراً حقيقياً لبعض التكتلات الإقليمية والعالمية بل للنظام العالمي برمته، تلك التي كانت ترى في منطقة الأورو "الشنغن" نموذجاً يمكن أن يتكرر في دول أخرى، لكن مع الانتقاد المتكرر لتفشي فيروس "كورونا" من قادة هذه الدول فقد يكون "المشروع الأوروبي" معرّضاً للخطر مما يعزز ويدعم صعود الأحزاب الشعبوية المتطرفة لتسويق خطابها الانتخابي.

فإذا ما استمر وباء "كورونا" في الانتشار فقد تكون الإمدادات الغذائية للدول معرّضة لخطر "الأمن الغذائي" إذا ما علمنا أن الدول العربية التي تعتمد على بيع وتصدير النفط أو على السياحة "الاقتصاد الريعي" ستكون من أكثر الدول المعرضة للخطر، في ظل تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض أسعارها من الدول الأكثر نمواً كالصين وكوريا الجنوبية واليابان مع انخفاض عوائد الصناديق السيادية الخليجية. هذا يعني عدم توافر موارد مالية لدعم سلع ضرورية، بحيث إن الدول العربية تستورد 80% من سلعها الغذائية بقيمة إجمالية تفوق 40 مليار دولار في ما يسمى "التبعية الغذائية "...

أما التسابق العالمي على إنتاج لقاح لـ"كورونا" من الصين والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا في الوقت الحالي فقد يكون مؤشراً مهماً على اهتمام هذه الدول بالبحث العلمي إذا ما علمنا أن الصين صرفت على البحث العلمي خلال 10 سنوات الأخيرة نصف تريليون دولار، أما الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية فالنسبة تراوح 2.5- 4% ، أما بالنسبة للدول العربية مجتمعة فهي أقل من 1% من دخلها القومي.

وقد يكون من الصعب في الوقت القريب التنبؤ بنهاية أزمة "كورونا" ولكن أغلب الدول تأمل أن تكسر حاجز الصعود لتبدأ مرحلة التعافي والإصابات ذات الأعداد القليلة وأغلب التقارير الصادرة تشير إلى أن الوفيات بسبب "كورونا" لن تصل إلى الأعداد التي وصلت إليها بعض الأوبئة كالطاعون والأنفلونزا العالمية والإيدز الذي حصد عشرات الملايين، وربما يكون عدد الوفيات أقل من مليون كمرض السارس أو انفلونزا الطيور أو ايبولا؛ فقد يحتاج الحصول على عقار لـ"كورونا" سنة كاملة على الأقل كما أعلنت ذلك إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA)) حيث يستخدم حالياً "هيدروكسي كلوروكوين" لمكافحة الملاريا من أجل علاج "كوفيد 19" الذي يعطل تكاثر الفيروسات؛ على الرغم من تحذيرات الخبراء بأنه ما زال تحت التجربة ويسبب آثاراً جانبية ضارة على مرضى القلب وعلى الشبكية، قد تصل أحياناً إلى الموت.

فعلى الرغم من أن أغلب الدراسات تشير إلى تعافي الاقتصاد العالمي في الربع الثالث والرابع من هذا العام في قطاع السياحة والطيران والغاز وهي القطاعات الأكثر تضرراً بسبب هذه الأزمة.

لقد بات من المؤكد أن النظام العالمي وتوازن القوى سيتغيران بشكل كبير نظير فشل المؤسسات الدولية في القيام بدورها، ولن يتعافى الاقتصاد العالمي على المنظور القريب وإنما سيمر بمرحلة كساد وقد ينتج من ذلك انفراط العقد الاجتماعي العالمي وربما حدوث اضطرابات سياسية واقتصادية، فسيكون للصين ودول شرق آسيا وبعض الدول في الشرق الأوسط دور بارز ومؤثر على المستوى الاقتصادي والسياسي العالمي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم